الكتاب يمكّنك من السفر حتى إن لم يُتح لك فرصة الذهاب في إجازة. وهو يساعدك على التمتّع أكثر باجازتك إن ذهبت في اجازة. لذلك رأينا أن نقترح عليك كل يوم كتابا حتى يكون للمطالعة، التي تبقى أهم نشاط انساني، في صيفك نصيب. اعتنى محمد بوزغيبة بفتاوى الشيخ العلاّمة محمد الطاهر بن عاشور جمعا وتحقيقا ودراسة (المتوسطيّة، تونس 2011، في 408ص) فوفّر لأهل الذكر مرجعا ثمينا يعرّف بالشيخ الإمام ومشاغله ومنهجه في علاقته بوظائفه ومجتمعه، وهو المشهور بتفسير «التحرير والتنوير» الذي لا تقل عنه قيمة تحقيقاته في الحديث النبوي ودراساته الأدبية عن النابغة الذبياني وبشّار بن برد والمتنبّي وأبي تمّام وكذلك آراؤه الاصلاحية حسب «مقاصد الشريعة الاسلامية» ومن خلال «أصول النظام الاجتماعي في الإسلام» وكتابه «أليس الصبح بقريب؟» تطويرا للتعليم الزيتوني. وفتاويه التي تناهز المائة، موزّعة على حياته بتعاقب مسؤولياته ومنشورة في الصحف والمجلاّت وشاملة لمختلف المجالات وملتزمة بالمذهب المالكي ومستوحاة من نقله وعقله. يقول المؤلّف «والطريقة التي توخّاها الشيخ في الافتاء هي إبراز الدليل الصحيح من المنقول والمعقول، فهو يعتمد أوّلا على النصّ الشرعي، فلقد جمعتُ له قرابة 200 آية وحديث، ثم يعقبه برأي إمام مذهبه وتلامذته وكبار فقهاء المذهب المتقدّمين منهم والمتأخّرين. كما كان الشيخ يقعّد فتواه بقواعد بلاغيّة ونحويّة. وكان يعود الى كتب الحديث وشروحها للتدليل والتعليل...» (ص 17). «وكان رحمه الله يبيح لنفسه الخروج عن مذهبه جريا على ما تقتضيه المقاصد والمصالح المرسلة...» (ص 18). وقد عارضه في بعضها علماء كالشيخ عبد الحميد بن باديس الجزائري ومحمد بن يوسف شيخ الاسلام الحنفي (ص 20). كما تطوّر رأيه في نفس المسألة بفتوى ناسخة لما قبلها (ص 28). ومن فتاوي الشيخ ابن عاشور المبوّبة في هذه المدوّنة كراهة قراءة القرآن في الأسواق أو عبر أبواق المآذن، وجواز الزكاة لمآوي العجّز، وجواز الإحرام في الطائرة من جدّة، وكراهة الأضحية عن الميت (القربان) والأجرة على أضحية العيد، وجواز وصل شعر المرأة بشعر مستعار، وكراهة توريث الأولاد وحرمان البنات. وقد أجاب على أسئلة وجّهها له الطاهر الحدّاد ضمن نخبة من مشائخ الزيتونة تتعلّق بوضع المرأة وكان بصفة عامة مناصرا لمجلّة الأحوال الشخصية فيما لم تخالف فيه الشريعة. وخاتمة فتاويه تلك التي ابتلي فيها بالتواطؤ مع المستعمر، فلم تظهر براءته إلا بعد اثنتي عشرة سنة من وفاته بفضل الباحثين المحقّقين حمادي الساحلي ومحمود شمّام، وهي المشهورة بفتوى التجنيس (ص 376 379). لكل ذلك كان رحمه الله مرآة لعصره.