تساءلت أكثر من مرة في هذا الركن ذاته عن «الماشية وين ماشية» وهي تحرق الحدود غربا وجنوبا زرفات وفرادى وقطعانا بدون تأشيرة بقر يخور وأغنام تصيح وثروة في مهب الريح ولم نسمع من حماتها إلا لسان حالهم يغني «قالولي راح قلت جعلته لا روح» وقلبنا الصحن على «الحلاّب» وآمنا بأن ما حلبناه «تبزع». وجاء الخبرالسعيد قبل العيد بمجيء العلوش الروماني لا من روما وإنما من رومانيا وغنى من غنى «قالولي جاي قلت نكحل ونسوّك» وخلت من خرفانها كل المراعي وشبع الذئب واشتكى الراعي.
ولم يكحل لنا النوم عينا ولم نجد في الأسواق إلا «السواك الحار» واكتفينا بغسل أفواهنا وأيادينا، وبقيت «الماشية ماشية» معنا إلى حيث لا ندري ولا تدري وأصبحت اللحوم الحمراء خطوطا حمراء لهبا وسعير تحرق كل من اقترب منها حتى ولو كان من رجال المطافئ يومها لا صوت يعلو في الساحة فوق أصوات الأرقام الرسمية في ما يتعلق بانتاجنا الغذائي الأساسي وهي تغني« يبارك في ترابك يا تونس قدّاش ادلل وتجيب علالش» من رومانيا.
ذهب الزرع والضرع وبقي التراب وجاء الخبر الذي «يزوّك منو البقر» يصمئنا بقرب مجيء الحليب السلوفيني يا عيني يا عيني على الحليب السلوفيني الذي غنى له من غنى «عالسلامة جيتي لله العروسة» في عرس انضمام حليبنا المحلي إلى كتلة الجبن والياغورت التابعة لحزب «كلنا أخوة من رضاعة حليب الغبرة» السلوفيني طبعا في انتظار الفطام والسلام يا سلام .
اليوم لا أسأل عن «الماشية وين ماشية» فالرحيل انتهى وانتهى الأمر ولا أطلب من وزارة الفلاحة عزاء ل «الفلاحة» ولا من وزارة التجارة صدّا ل «السمسارة» ولا من ديوان تربية الماشية أن تحاسبنا بالجلد الذي تحول إلى بنادير ودفاف وطبول المقروعة فرحا بقدوم الربيع العربي الذي «ربع واللبن قراص» فعلا وإنما أطلب من وزارة العدل حتى يبقى حليبنا في شكوتنا تحجير السفر عن البقر.