إقبال ضعيف و القدس تكرم عروسا في أبهى حللها ريم قمري - تونس أي شيء أجمل من كتاب ،وأي شيء ألذ من متعة المطالعة، كانت هذه الأفكار تراودني و أنا في طريقي إلى معرض الكتاب الدولي بتونس في دورته27 موعد سنوي اعتدت أن لا اخلفه مع الكتاب، موعد انتظره و أتحضر له بلهفة كبيرة حيث اشعر طوال أيام السنة بالتقصير تجاه الكتاب ، عقدة ذنب تصاحبني كلما ذهبت أتسوق أو كلما اشتريت ثيابا جديدة أظل مسكونة برغبة اقتناء كتب ،رغبة أرجئها على أمل إشباعها في معرض الكتاب . اجمع ما تيسر من مال و لا يهم إن حصل لي عجز في ميزانيتي البسيطة "فالخل الودود يستحق" أن تختل الميزانية من اجله، كنت إذن في انتظار المعرض الذي التئم من 24 ابريل إلى 3 ماى الجاري ،اخترت الذهاب يوم الجمعة و كنت بصراحة متلهفة جدا للوصول في راسي عناوين العديد من الكتب التي أزمعت اقتنائها ،و إن كانت أمي قد نصحتني بعدم الذهاب ، مبررة ذلك بأنه يوم جمعة عطلة و سيكون عدد الزوار كبيرا مضيفة لن تستطيعي التمتع بالمعرض ،و بعد أخد و رد أصريت على الذهاب .. حين وصلت إلى قصر المعارض بالكرم لاحظت أن عدد السيارات في موقف المعرض غير كبير، و كانت هناك حافلة واحدة يتيمة تظم عددا قليلا من التلاميذ ،و أمام شباك التذاكر كان أمامي فقط شاب واحد،قلت في نفسي ربما مازال الوقت مبكرا أو ربما فضل اغلب الناس قضاء يوم عطلتهم للاحتفال بعيد "الشغل" 1 مايو خارج أسوار معرض الكتاب ،المهم الإقبال كان ضعيف إن لم نقل ضعيفا جدا و تأكد لي هذا جيدا داخل أروقة المعرض التي كانت شبه خالية إلا من عدد قليل من محبي الكتاب و مريديه في زمن عزت فيه المطالعة. لا أنكر أن هذا سمح لي بالتجول براحتي ،و لم اشعر بالاختناق من شدة الزحام كما كان يحصل في الدورات السابقة ،و لكنى أحسست مع ذلك بخيبة شديدة ،أحسست بفراغ معرفي كبير يجتاحني و تردد في داخلي صوت ملح لماذا تركنا الكتاب وحيدا لماذا هجرناه في عرسه السنوي ،أنا لم اخلف موعده و لبيت ندائه و لكن هل يكفى فرد أو أفراد أمام تراجع المجموعة لا املك الإجابة و إن أردت أن أقدم أجوبه اعتقد انه لن يكون بوسعي ذلك الآن دون الاستعانة بأهل الاختصاص و الخبرة ،فالعزوف عن المطالعة في العالم العربي و تراجع مكانة الكتاب تحتاج إلى دراسات معمقة لا يتسع لها المجال و إن لم تعد خافية عن الجميع الأسباب و النتائج . و تميز معرض الكتاب هذه السنة في دورته27 بتنظيم ندوات فكرية على هامشه ، كندوة " الفن المسرحي بين النص و الركح" كما قام بتكريم "فرسان النشر العربي " في أطار لقاء فكرى ثقافي لإحياء ذكرى عدد من كبار الناشرين العرب من أصدقاء معرض تونس الدولي للكتاب، هذا بالإضافة إلى تنظيم لقاءات مع بعض الأدباء و الكتاب الذين تميزوا و كانوا ضيوفا على المعرض ،كما تم تنظيم و رشات مختصة في الفنون السمعية البصرية و ورشات أيضا لفن الحكاية و الألعاب التنكرية إلى جانب منابر الشعر . الحضور المغاربى في هذه الدورة كان أبضا متميزا، و قد لاحظت ذلك من خلال ارتفاع عدد دور النشر المغربية و الجزائرية ،و ما لفت انتباه أكثر هو أن جل الكتب المعروضة هي إصدارات حديثة ،هذا إلى جانب الحضور الليبي و الموريناتى الهام نسبيا و الذي تطور دوما من دورة إلى أخرى. و قد تم خلال هذه الدورة الاحتفال بالقدس، من خلال جناح مميز و أنيق لدولة فلسطين احتوى صور خاصة عن مدينة القدس، و معرض صور للشاعر الراحل محمود درويش إضافة إلى معرض فن تشكيلي موضوعه القدس،و عند دخولي للجناح أحسست بالرهبة في حرم الجمال المقديسى الذي حملته لنا الصور و بعض الصناعات التقليدية و الموروث الجميل الذي صمت ليمنحنا فرصة التأمل و لسان حاله يقول أنقذوني من براثين الفناء. واصلت تجوالي في أروقة المعرض الشبه خالية ، أفتش عن العناوين الجاهزة في رأسي إلى أن حط بي الرحال في المكان المناسب ،و غرقت في الكتب و كان كل كتاب يدعوني لاقتناء آخر و لم انتبه إلا و قد صرفت أكثر من ثلثي راتبي و خرجت محمله بأكثر من 22 كتابا ،و لكنني كنت سعيدة جدا و أنا احملهم ووضعتهم إلى جانبي في السيارة و كنت خائفة أن يسقطوا أو يصابوا بأذى ،كنت أحس أنى احمل كنزا صغيرا بل نبعا سارتوى منه ربما لأسابيع ،ثم اعطش من جديد و ارقب المعرض المقبل في نفس التأريخ و التوقيت ، و أكون قد قضيت سنة أغالب عقدة الذنب التي لا يشفيها إلا "الحج" للمعرض في دورته المقبلة. في طريق العودة تساءلت في صمت داخلي ،ألا يمكن أن يكون سبب من أسباب عزوف الناس عن المطالعة هو ارتفاع أسعار الكتب عموما، صرفت ثلثي راتبي و اقتنيت 22 كتابا فقط ، و جلها روايات لأني منذ فترة أحس بميل كبير للرواية و لم استطع الاقتراب من الكتب ذات الصبغة الفكرية و الفلسفية و السياسية و غيرها نظرا للارتفاع المشط في أسعارها،أكيد إن هذا لا يبرر طبعا هذا العزوف المثير للانتباه و لكنه قد يكون عاملا مؤثرا ضمن عدة عوامل أخرى . " في البدء كانت الكلمة " " و خير صديق في الأنام كتاب" عبارات و قيم جميلة تربينا عليها، معاني رائعة كانت تؤثث حياتنا قبل الغزو السمعي المرئي الذي اجتاحنا و حولنا إلى عاجزين عن المطالعة ، أفرادا غير متصالحين مع الكتاب ،بل أصابنا كسل أقعدنا عن صحبة الكلمات ،فهل نحن فعلا امة لا تقرأ ؟؟ لا أريد أن أتشاءم و لا املك أن أتفاءل و ليس أمامي إذن إلا أن " اتشائل" على طريقة "إميل حبيبي "