لعلّ السنوات الأولى الموالية لثورة 14 جانفي لم تكن باليسيرة بالنسبة للبلاد التونسية على جلّ الأصعدة ، لكن وحده الصعيد الامني بالخصوص قد أصاب استقرارَ البلاد في مقتلٍ ، خاصة و أن التهديدات الإرهابية ما فتئت تهدّد البلاد سواء من الخارج أو من الداخل ، ليكون المنغص الوحيد على الربيع السياسي الديمقراطي الذي نجحت تونس في تحقيقه . و لعلّ التهديدات التي ما فتئت تترصد البلاد بين الفينة و الأخرى ساهمت بدرجة أولى في تحفيز القوى الأمنية على مضاعفة جهودهم و التجند ليلا نهارا من أجل حماية البلاد من غول الإرهاب .. ولئن تمكنت القوات الأمنية والعسكرية إلى حدّ ما من التصدّي الى الارهاب والسيطرة على الوضع نسبيا، فإنه مع عودة الحديث عن الإرهابيين العائدين من بؤر التوتر ارتفعت موجة الجدل حول مآلهم وكيفية تعامل السلط معهم باعتبارهم قد تعرّضوا الى عملية دمغجة عقول ليس من السهل التخلص منها. وفي خضمّ هذا الشأن، قالت آمنة بن عرب الأستاذة الجامعية في تعليقها عن الدراسة التي أنجزها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية حول تقييم المخاطر المنجرة عن عودة المقاتلين التونسيين من بؤر الاقتتال. وأوضحت عرب في تصريح إذاعي أن الدراسة أنجزت لمعرفة سبب التحاق ما لا يقل عن 3000 تونسي ببؤر التوتر، وأكدت أن 82 ارهابيا عائدا يقبعون حاليا في السجن من بينهم 5 نساء، وقد التقى بهم الباحثون وتحدثوا مع عدد منهم في لقاءات فردية أو محادثة جماعية. وأكدت بن عرب أن ما تم التوصل إليه هو مرور المقاتلين بمراحل قبل الالتحاق ببؤر التوتر، وهي مرحلة تبني الفكر المتطرف، وأغلبهم يعانون هشاشة نفسية، ومشاكل اجتماعية وإقتصادية، كما أنهم يتبنون "نظرة دونية اتجاه مجتمعهم" ولا يملكون أي انتماء للوطن. وتابعت "هذا أدى إلى ارتيادهم المساجد بحثا عن فرص أخرى، وهناك تم استقطابهم". وشددت على أن الخطر يكمن في الفكري الايديولوجي المتطرف، وهو فكر متجذر فيهم، وتوجد "حاضنة كبيرة لهم ولفكرهم حتى وهم داخل السجن، إذ أنهم يتلقون زيارات منتظمة ودعما نفسيا وفكريا كبيرا من عائلاتهم، وفق تعبيرها. في حين أكدت أن الأمر ليس مماثلا بالنسبة إلى الاناث اللاتي يعشن عزلة تامة وقطيعة من عائلاتهن. وتابعت "لاحظنا الأمر مع أغلب الذين تحدثنا معهم من السجناء العائدين من بؤر التوتر، عائلاتهم ومحيطهم يدعمهم دعما كبيرا فكريا ويؤيدونهم في أفكارهم.. إنهم يتبنون أيضا الفكر المتطرف لكنهم لم يتجاوزوا المرحلة الفكرية". كما شددت على أن الاحصائيات أشارت إلى أن أغلب هؤلاء من أنصاف المتعلمين، قائلة "التعليم تخلى عن دوره التربوي.. وجب أن تراجع المنظومة التعليمية لأنها مسؤولة عن ما نحن فيه". في المقابل، أكد وزير الشؤون الخارجية ، في حوار له مع القدس العربي : "لنا كل الثقة في قدرة أجهزتنا الأمنية على موصلة تقصي المعلومات والتعامل مع العائدين من بؤر التوتر ومع من يشتبه في تبنيهم للإرهاب بكل حرفية ووفق قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال الذي تمت المصادقة عليه سنة 2015 ". و أوضح في هذا الصدد، أن "هذا القانون "يشكّل بمختلف أحكامه إطارا قانونيا مناسبا للتعاطي مع هذه المسألة، خاصة وأن الفصل 33 ينص على أن الإرهابي الذي ارتكب جريمة سواء على التراب التونسي أو خارجه يدخل تحت طائلة قانون مكافحة الإرهاب ويحاكم وفق مقتضياته"، وفق تعبيره. وأضاف الجهيناوي أنه " تم أيضا منذ مارس 2016 إحداث لجنة وطنية لمكافحة الإرهاب تتمتع بصلاحيات واسعة ومن أهمها تعزيز التنسيق بين مختلف الأطراف المتدخلة في هذا المجال، بالإضافة إلى إحداث قطب قضائي متخصص في مكافحة الإرهاب بهدف ضمان النجاعة والسرعة في الأبحاث فيما يخص القضايا الإرهابية، بالإضافة إلى تركيز قطب امني لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة يعنى بتجميع المعلومات ذات العلاقة وتحليلها واستشراف الخطط والتوصيات المستقبلية في هذا الصدد.