تعتبر حرية التعبير و كسر القيود عن الإعلام من أهمّ المكاسب التي جاءت بها ثورة الحرية و الكرامة ، لِما بات يتمتع به الإعلام في تونس، على اختلاف محامله، من مكاسب حققت نقلة نوعية بين وضعه في السابق ، قبل ثورة 14 جانفي، و وضعه الآن .. بَيْد أنه قد عاد جدل تقييد الإعلام في تونس إلى الواجهة من جديد بعودة الاعتداءات و اساليب الهرسلة التي يتعرض إليها الصحفيون في تونس ما بعد الثورة، فضلا عن تصريح وزير الداخلية الأخير لطفي براهم الذي كشف تجسس الداخلية على الإعلاميين ، الأمر الذي أثار حفيظة الصحفيين وعددا من الحقوقيين والسياسيين واعتبروا أن هذه الممارسات تعيدنا إلى مربّع التضييق على الحريات مشبهينها بممارسات العهد البائد تجاه الإعلام .. وقد عبرت النقابة العامة للإعلام عن استيائها الشديد أمام تصاعد حجم الهجمات من عدد من ممثلي النقابات الأمنية على الصحافيين والإعلاميين استنادا لما تمت ملاحظته من مس بالمهنة والاعتداءات المتواصلة، التي تهدد بالمزيد من الاعتداءات على العاملين في القطاع. وأكدت النقابة التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، في بيان لها الخميس، مساندتها المطلقة لكل التحركات التي يخوضها الصحافيون والإعلاميون دفاعا عن المهنة وحرية الإعلام، ودعت كل الأطراف إلى الرفض التام لسياسة العنف اللفظي والمادي في البلاد منبهة إلى خطورة ذلك على المسار الديمقراطي بالبلاد ككل. وأضافت أنه أمام القطاع معارك مهمة تنتظر الجميع وخاصة القوانين المنظمة للقطاع وفتح ملفات المئات من العاملين في القطاع والذين يعيشون أوضاعا مهنية صعبة ومتردية، ويواجهون الطرد التعسفي ويعملون بأجور زهيدة تكشف حجم الاستغلال في القطاع وقد حان الوقت لجعل هذا الملف أولوية قصوى وجب النضال من أجلها. وتطرقت النقابة إلى أزمة العاملين في قناة حنبعل الخاصة، ونوهت إلى خطورة الوضع الاجتماعي بسبب سياسة الإدارة العامة للمؤسسة والتي لا تزال تتجاهل تطبيق الاتفاقيات الموقعة. كما حذرت من الوضع الحالي للعاملين في إذاعة شمس أف.أم دون ضمان حقوقهم الاجتماعية في المؤسسة. وأكدت أن الحفاظ على مكسب حرية التعبير والإعلام يتطلب وجود قانون يحمي العاملين بالقطاع خلال قيامهم بعملهم ويمنع كل أشكال الاعتداءات والاستفزازات، بينما تواصل أشكال العمل الهش ومنظومة أجور مختلة وزهيدة من شأنه تهديد استقلالية العاملين، وهو ما يتطلب اليوم إصدار قرارات تحدد أجرا أدنى مضمونا في القطاع ومنظومة تغطية اجتماعية ونظام تأمين على المرض لكل العاملين في قطاع الإعلام وتطبيق القانون بكل صرامة، وتفعيل عمل مراقبي العمل داخل المؤسسات الإعلامية للكشف عن الإخلالات. ودعت النقابة العامة للإعلام، الحكومة إلى التسريع في تطبيق بنود الاتفاقات معها في ما يخص إجراءات إنقاذ الصحافة المكتوبة وخاصة إنشاء هيكل معني بتوزيع الإعلان العمومي والاشتراكات والذي مازالت الحكومة تتعمد المماطلة في تطبيقه على أرض الواقع. وتوجهت إلى الصحافيين بضرورة الاستعداد لخوض جولة جديدة من المفاوضات الاجتماعية في القطاع والوظيفة العمومية والصحافة المكتوبة، دفاعا عن تحسين الظروف المادية والمعنوية للعاملين بهذه المؤسسات. ومن جانبه، قال نقيب الصحفيين ناجي البغوري في تصريح الصحفيين نفذوا يوم غضب ليس على أجورهم المتدنية أو وضعيتهم الاجتماعية المتدهورة، بل من أجل التونسيين ولتحسيسهم بأن حريتهم في خطر. وأضاف البغوري متوجها الى عموم الشعب التونسي «الصحفيون يقولون للشعب التونسي أن حريتهم مهددة.. الصحفيون اليوم أشعلوا الضوء الأحمر». وأشار البغوري قائلا «الشعب التونسي شعب حر له شباب يتظاهر بالموسيقى والراب ضد الفساد وضد قانون المالية هو شعب لن يرضى بأن تكون حريته على المحك». وأكد البغوري أن اشعال الضوء الأحمر للمساس بالحريات جاء بعد معاينة وتصريحات عن إعادة وكالة الاتصال الخارجي وخطابات تحريضية ضد الصحفيين الأجانب وممارسات بوليسية ضد الصحافيين الميدانيين وصلت الى حد فسخ المادة الإعلامية من آلات التصوير وكذلك وصلت الى حد مطالبة الأمن للمواضيع التي يتم تصويرها وغيره من الممارسات. وأردف البغوري أن الخطاب التحريضي وصل الى حد الدعوات للاغتصاب والتعذيب، مشيرا إلى أن هذه الخطابات والممارسات تذكرنا بمناخ قديم عشناه في سنتي 2012 و2013 عندما كانت هناك ممارسات من روابط حماية الثورة ومحاولات للسطو على الاعلام والصحافة. وأكد البغوري أن الصحفيين التونسيين يشعلون اليوم الضوء الأحمر حول حالة الحريات في تونس وهو ما يضرب قيمة تونس كأنموذج للديمقراطية. وقد عبر صحفيو تونس عن استنكارهم الكبير لما آلت إليه أوضاع حرية الصحافة والتعبير في البلاد، ورفضهم المطلق لحملة الشيطنة التي تقوم بها عناصر أمنية ضدّهم بغطاء سياسي منحهم الضوء الأخضر، وللتعبير أيضا عن اصرارهم على حماية الإعلام التونسي من محاولات السلطات الحاكمة على رأسها حركة نداء تونس وقيادييها، السيطرة عليه وتطويعه خدمة لبرامجها وأجنداتها، تحت شعار "الصحافة التونسية في غضب". وقد لاقت حملة الصحفيين مساندة واسعة ، وقد أصدر عميد المحامين عامر المحرزين بيانا استنكر فيه حملات التشويه والتهديد الصّادرة عن عناصر أمنيّة عبر شبكات التّواصل الإجتماعيّ ضدّ الصّحفيات والصّحفيين . وفيما يلي نص البيان: "إنّ عميد المحامين وبعد وقوفه على حملات التّشويه والتّخويف والتّهديد الصّادرة عن عناصر أمنيّة عبر شبكات التّواصل الإجتماعيّ ضدّ الصّحفيات والصّحفيين والتّشكيك في مهنيتهم وحيادهم نتج عنها إعتداءات جسيمة طالت الصّحفيين أثناء أداء عملهم في الميدان من عنف بدنيّ و حجز للمعدّات وتوجيه تهديدات وهرسلة وصولا إلى الإيقافات، وذلك على خلفيّة الإحتجاجات الإجتماعيّة الأخيرة. وبعد ثبوت عدم اتخاذ أيّ إجراء إداريّ أو قضائيّ ردعيّ ضدّ الفاعلين ممّا شجّع على مواصلة تلك الحملة بتعطيل صارخ لمبدإ سيادة القانون وعدم الإفلات من العقاب . يذكّر بضرورة احترام دستور الثّورة والمواثيق والمعاهدات الدّوليّة التي صادقت عليها تونس في علاقة بضمان وحماية وتعزيز حريّة التّعبير والصّحافة وحقوق الإنسان عامّة، ويحمّل السّلط الحاكمة المسؤوليّة السّياسيّة والتّاريخيّة في إيقاف هذا التّدهور الذي يهدّد بإعادة إنتاج الإستبداد. يطالب وزير الدّاخليّة بضرورة دعوة منظوريه من الأمنيين إلى الكفّ حالا عن حملات التّشويه المنظّم التي تطال رجال الإعلام كفتح تحقيق لمحاسبة كلّ من تورّط في ذلك. ويذكّر بأنّ النّيل من الصّحفيات والصّحافيين معنويّا أو الإعتداء عليهم هو إعتداء مباشر على حقّ المواطنين في المعلومة ويدعو جميع الحقوقيين إلى الإستنفار للدّفاع على أهم مكاسب الثّورة التّونسيّة ممثلة في حريّة الرّأي والتّعبير." ومن جانبها، نبهت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى "خطورة الاعتداءات التي طالت الصحافيين في تونس". واعتبرت المنظمة الحقوقية، في بيان أصدرته أمس الخميس، أن ما وصفته بالاعتداءات في حق الصحافيين يعد "إجراما في حقهم وفي حق حرية التعبير والصحافة التي تعتبر من أهم مكاسب الثورة". وحذرت المنظمة الحقوقية، في بيانها، من "مغبة محاولة تكميم أفواه الصحافيين بمثل تلك الممارسات"، مطالبة وزارة الداخلية ب"اتخاذ الإجراءات الردعية والتأديبية والقضائية ضد كل من يثبت ارتكابه لاعتداءات مادية ولفظية تجاه الصحافيين". وسجلت الرابطة التونسية لحقوق الإنسان "عدم اتخاذ السلطات الأمنية والقضائية أي إجراء تأديبي أو قضائي ضد كل من أجرم في حق الصحافيين"، مؤكدة أنها "تتابع بقلق شديد تواصل حملات التشويه والتهديد بالتعذيب، محاولة لتخويف الصحافيين والصحافيات، والصادرة عن قيادات أمنية"، فضلا عن تسجيلها "تواصل حملة التشكيك في مهنية وحرفية الصحافيين وحياديتهم".