ما انفك الوضع المالي والاقتصادي في تونس يشهد تفاقما في ظلّ ما يعيشه الدينار التونسي من تغيرات و انخفاض مستمر في قيمته ، و خاصة بعد أن كشفت البيانات الرسمية للبنك المركزي أن مخزونه من العملة الصعبة في تراجع مستمرّ ، فضلا عن اتساع هوة العجز التجاري و ارتفاع نسبة التضخم مما أصاب الاقتصاد في مقتل. وفي خضم هذا الشأن، قال محافظ البنك المركزي الجديد مروان العباسي، الخميس 8 مارس 2018 ، إن رفع سعر الفائدة الرئيسي كان تخوفاً من خروج التضخم عن السيطرة، متوقعاً وصول متوسط التضخم السنوي إلى 7.2% في نهاية هذه السنة، لينخفض إلى ما بين 5 و6% في العام القادم 2019. وأرجع البنك المركزي ارتفاع معدل التضخم إلى "الارتفاع الحاد في مؤشر أسعار الاستهلاك في جانفي بنحو 1.1 بالمئة مقابل 0.4 بالمئة في ديسمبر 2017". وتوقّع خبراء المركزي استمرار ارتفاع معدلات التضخم، خلال الفترة المقبلة، مع الارتفاع المتوقّع للأسعار العالمية للمواد الأساسية ومن بينها الطاقة، من دون الإشارة إلى نسبة الارتفاع المحتملة. وأشار العباسي إلى أن البنك المركزي اختار قرار زيادة سعر الفائدة الرئيسي لمنع خروج التضخم عن السيطرة، وأن البنوك ستبدأ في تطبيق السعر الجديد بداية من يوم الاثنين القادم. وأضاف العباسي، في أول مؤتمر صحافي يعقده عقب توليه منصبه الخميس، أن مؤشرات تونس الاقتصادية "مخيفة" وتعكس عمق الأزمة في البلد، لافتاً إلى أن عجز ميزان المعاملات الجارية بلغ 10% للمرة الأولى، مضيفاً أن البنك لا يمكنه الدفاع عن الدينار في ظل تراجع الاحتياطات الأجنبية إلى مستوى لا يكفي إلا لتغطية واردات أقل من 80 يوماً. وأشار العباسي إلى أن البنك المركزي بصدد التنسيق مع الوزارات الاقتصادية من أجل اعتماد كل الآليات المتاحة لخفض نسبة التضخم، معتبرا أن تواصل ارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية يهدد الاقتصاد التونسي والقدرة الشرائية للمواطنين. وحسب محافظ البنك المركزي، فإن خفض نسبة التضخم والتحكم في العجز التجاري سيساعدان على استقرار سعر الدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية، متوقعا تحسنا في مستوى مخزونات النقد الأجنبي بعد ارتفاع صادرات زيت الزيتون وتعافي القطاع السياحي. وشدد المحافظ الجديد للبنك المركزي على أهمية التعويل على الصادرات بمختلف أنواعها لضمان استمرارية تدفق العملة، كما شدد على أهمية تنسيق المجهودات بين البنك المركزي والوزارات المكلفة بالاقتصاد من أجل تحسين المؤشرات الاقتصادية في أقصر الآجال. وتطرق العباسي إلى العجز في ميزان المدفوعات، وقال: "العجز في ميزان المدفوعات الذي أصبح يفوق 10 بالمائة من الناتج المحلي، يعتبر اليوم إشكالا كبيرا". من جانبها، اعتبرت مديرة استراتيجية السياسة النقدية في البنك المركزي ريم القلصي، خلال المؤتمر الصحافي، الخميس، أن نسبة التضخم المسجلة لم تشهدها البلاد منذ حوالي عقدين. وقالت القلصي إن نسبة التضخم سترتفع، "لأن قيمة الدينار متدهورة، كما أن الأسعار العالمية في الأسواق مرجحة للارتفاع، وتفاقم اختلال التوازنات المالية"، وتوقعت أن تبلغ نسبة أسعار المستهلك في السوق المحلية، خلال العام الجاري بأكمله، في حدود، 7.2 بالمائة. وقال مراد عبد السلام، مدير الدراسات والتعاون الدولي في البنك المركزي التونسي، خلال المؤتمر، إن العجز ارتفع من 4.8% في العام 2010 بقيمة 1.23 مليار دولار، إلى 10.3% بقيمة 4.1 مليارات دولار في 2017. وأضاف: "ذلك سيؤثر على تطور الدينار التونسي أمام الدولار واليورو، باعتبار أن ارتفاع العجز التجاري يفاقم تدهور قيمة الدينار". ويعاني الدينار من تراجع حاد أمام الدولار الأميركي واليورو الأوروبي، وخسر خلال 2017 ما نسبته 9.5 بالمائة من قيمته المسجلة بنهاية 2016. ورفعت تونس، بداية الأسبوع الجاري، سعر الفائدة إلى 5.75% من 5%، في محاولة لمواجهة التضخم الذي ارتفع من 6.9% في جانفي الماضي إلى 7.1% في فيفري، في مقابل 4.6% في الشهر ذاته من العام السابق. وقال المركزي في بيان له، إنه تقرر رفع سعر الفائدة بسبب مخاطر فعلية تتمثل في استمرار التضخم في عام 2018، والذي بلغ 7.1% في فيفري الماضي، مقابل 4.6% في الشهر نفسه من عام 2017، و5.3% بحساب المعدل في سنة 2017. وأضاف المركزي أنه في إطار حرصه على الحفاظ على المقدرة الشرائية للمواطنين وتوفير ظروف ملائمة لنمو اقتصادي سليم، بدأت بعض بوادره في الظهور منذ بداية سنة 2018، اتخذ إجراءات استباقية عبر التشديد في السياسة النقدية بالاعتماد على نسبة الفائدة بوصفها أداة مثلى لتوظيف أفضل للموارد المالية.