ما انفك تعطيل إرساء المحكمة الدستورية يخلق الكثير من الجدل على الساحة السياسية والحقوقية نظرا لأهمية هذه الهيئة في استكمال مسار الانتقال الديمقراطي الذي تمضي تونس قدما في تحقيقه ، و قد مر أكثر من أربع سنوات على إقرار إحداثها في دستور 2014 ، ومع ذلك مازالت أزمة المحكمة الدستورية تراوح مكانها ولم يقع حلها بعد و بقيت رهينة اتفاق الكتل البرلمانيّة ، التي فشلت في الاتفاق على المرشحين. ويشترط قانون المحكمة الدستورية، الصادر في 2015، أن ينتخب مجلس نواب الشعب الأعضاء الأربعة بأغلبية الثلثين من أعضائه. وبحسب القانون، في حال لم يحظ العدد الكافي من المرشحين بالأغلبية المطلوبة بعد ثلاث دورات متتالية يتم الإعلان عن قبول ملفات الترشح من جديد لاستكمال الأعضاء المنقوصين. وتعرض مجلس نواب الشعب في تونس لموجة انتقاد جديدة بسبب تأخره في تركيز المحكمة الدستورية، رغم انقضاء الأجل الدستوري الموجب لتنصيب المحكمة. و قد عمّت حالة من انعدام الثقة بين الكتل البرلمانية عقب الفشل، مرة أخرى ، في اختيار أعضاء المحكمة الدستورية، بسبب تراجع الكتل البرلمانية عن تعهداتها. ولئن تفاءل متابعو الشأن العام بعد توصل رؤساء الكتل النيابية الى التوافق على 4مرشحين بعد أكثر من 9 اجتماعات دعا إليها رئيس البرلمان محمد الناصر ، فإنهم فوجؤوا فيما بعد بفشل العملية الانتخابية إثر سقوط ثلاثة مرشحين ومرور مرشحة واحدة. ونجحت مرشحة حزب "نداء تونس"، القاضية روضة الورسغيني، فقط في الحصول على عضوية المحكمة الدستورية بحصولها على 150 صوتا، في حين سقط المترشحون الثلاثة المتفق عليهم، حيث حصد مرشح حزب "النهضة" عبد اللطيف البوعزيزي، على 116 صوتا، فيما تحصل المرشحان المتبقيان على 104 أصوات، وهما أستاذة القانون الدستوري سناء بن عاشور، مرشحة "الجبهة الشعبية" و"الكتلة الوطنية" وكتلة "مشروع تونس"، والحقوقي والمحامي العياشي الهمامي، مرشح كتلة "الجبهة الشعبية" و"الاتحاد الوطني الحر" و"الكتلة الديمقراطية". وبذلك لم يبق أمام البرلمانيين سوى فرصة أخيرة قبل إعادة فتح باب الترشحات من جديد والعودة الى المربع الأول، وهو ما قد يكلف تونس أشهرا أخرى من الانتظار دون تنصيب هذه الهيئة الدستورية. ولم تلتزم الأحزاب البرلمانية بالاتفاق الذي وقّع عليه رؤساء المجموعات البرلمانية صباح الأربعاء بالالتزام بالتصويت، والذي سلم لرئيس البرلمان. ووقّع وثيقة التوافق كل من نور الدين البحيري، وسفيان طوبال، رئيس كتلة "نداء تونس"، وأحمد الصديق رئيس كتلة "الجبهة الشعبية"، وحسونة الناصفي ممثل كتلة "مشروع تونس"، وغازي الشواشي ممثل "الكتلة الديمقراطية"، ومحمود القاهري ممثل كتلة "الوطني الحر"، وليليا الكسيبي رئيسة كتلة "آفاق تونس"، ومصطفى بن أحمظ رئيس "الكتلة الوطنية"، غير أن إسقاط المترشحين يؤكد حالة من انعدام الثقة تحت قبة المجلس. ووجه نواب البرلمان أصابع الاتهام الى بعضهم البعض ب"خيانة العهد والميثاق"، و انصبّ جل الاتهام لنواب كتلة حزب "نداء تونس"، على اعتبار أن مرشحته هي الوحيدة التي نالت ثقة البرلمان، وأنه "تلاعب بالتوافق". وفي تعليقه على ذلك ، انتقد النائب بمجلس نواب الشعب ومساعد الرئيس المكلف بالعلاقات مع الحكومة ورئاسة الجمهورية حسونة الناصفي في تصريح ل»الصباح نيوز» عدم التصويت لأعضاء المحكمة الدستورية ال4، رغم التوافق خلال اجتماع لرؤساء الكتل ترأسه رئيس مجلس النواب محمد الناصر حول انتخاب 4 أعضاء للمحكمة الدستورية. وقال حسونة الناصفي ان كل الكتل البرلمانية ودون استثناء أخلّت بالتوافق ولم تلتزم بما تعهدوا به في اجتماع رؤساء الكتل. واعتبر أن الكتل البرلمانية وكذلك رؤساء الكتل يتحملون بدورهم مسؤولية عدم استكمال تركيز المحكمة الدستورية، موضحا أن رؤساء الكتل لم يكونوا قادرين على تحقيق التوافق داخل كتلهم للتصويت للمرشحين ال4، المتفق حولهم في اجتماع رؤساء الكتل. كما قال الناصفي إنّ القانون لا يسمح بسهولة ويسر تركيز المؤسسات الدستورية بتحديده شرط الحصول على أغلبية الثلثين من أعضاء البرلمان، وترك مسألة انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية رهينة التجاذبات السياسية. من جهته، أكد أستاذ القانون الدستوري، أمين محفوظ، أن "معيار الانتخاب المعتمد هو الولاء السياسي والقرب من الحزب، بعيدا عن عامل الكفاءة والخبرة"، مشيرا إلى أن "المحاصصة الحزبية وراء الاختلاف القائم بين الأحزاب والكتل"، على حد تعبيره. وعلى الرغم من أن الدستور التونسي نص على أنه يجب إرساء هذه الهيئة خلال سنة من تاريخ الانتخابات التشريعية، التي أجريت في أكتوبر عام 2014، إلا أن البرلمان عجز عن إرسائها. ويرى مراقبون أن التجاذب الحزبي وحالة التأزم السياسي لعبا دورا في عرقلة عملية إرساء مؤسسة توكل إليها مهمة حماية المسار الانتقالي بالبلاد. كما يعود سبب تأخر حسم مسألة انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية إلى ظاهرة تغيب نواب البرلمان عن الجلسات العامة وعن اجتماعات اللجان البرلمانية، وهو ما عطل أيضا العديد من التزامات مجلس نواب الشعب.