نص الفصل 122 من الدستور في الباب السادس المتعلّق بالهيئات الدستوريّة المستقلّة على أن “تعمل الهيئات الدستورية المستقلة على دعم الديمقراطية وعلى كافة مؤسسات الدولة تيسير عملها”، وقد حرص المشرّع على انتخاب رؤساء وأعضاء لهذه الهيئات مستقلّون ومحايدون عن كل الأحزاب السياسية حتّى أنها تعمل بحياد تام عن السلط الثلاث لضمان استقلالية هذه المرافق عن التجاذبات السياسية. وقد استنكر عدد من الأحزاب السياسية والمنظمات والمجتمع المدني قبول رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية بالانخراط في أنشطة حزب “تحيا تونس” معتبرين ذلك ضربا لاستقلالية الهيئات الدستورية. وقد قرّر مجلس رؤساء رابطة الهيئات العمومية المستقلة تعليق عضوية الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، تبعا لتكليف شوقي قداس رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية برئاسة لجنة الإعداد لمؤتمر حزب ”تحيا تونس”، وقد إعتبرت الرابطة أن قبول شوقي قداس بهذا التكليف يتعارض مع مبادئ الحياد والاستقلالية والنأي عن التوظيف السياسي، الذي يعتبر إطارا مرجعيا يجب أن تلتزم به جميع الهيئات العمومية المستقلة. فماهي دلالات تعليق عضويّة الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية؟ وهل أنه اجراء كاف لضمان استقلاليّة رؤساء وأعضاء الهيئات؟ ولماذا لم يتم التنصيص على قانون يمنع مثل هذه التجاوزات؟؟ اعتبر رئيس الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي البصري النوري اللجمي أن غياب التشريعات التي تمنع انخراط رؤساء الهيئات في انشطة حزبية ولو بصفة مستقلّة يرجع الى مجلس نواب الشعب السلطة التشريعيّة في البلاد. وأضاف اللجمي في تصريح لموقع الشاهد أنه من مبادئ الهيئات الدستوريّة أن تكون مستقلة عن الاحزاب السياسية و السلطة التنفيذية، أنه تبعا لقبول شوقي قداس بالعمل مع حزب “تحيا تونس” عقدت الرابطة اجتماعا طارئا وتم تجميد عضوية هيأته من الرابطة نظرا لأن تكليفه بنشاط صلب حزب سياسي مس من الاستقلالية. وأشار المتحدّث الى أن تأكيد شوقي قداس على أنه مستقل وليس له اي انتماء سياسي تفسير لم يقنع الرابطة معتبرا أن العمل مع حزب والتصريح بالاستقلالية في آن واحد لايستقيمان. وشدّد اللجمي على ضرورة عمل الهيآت بمنأى عن التجاذبات السياسية وعن كل الضغوطات وإما ستفقد الهيئات مصدقيتها، وأنه تم نشر بيان الرابطة لتأكيد رفضها لمثل هذه الممارسات كما شدد على أن قداس تصرف بطريقة فردية ولم يرجع الى الرابطة قبل القبول بتكليفه وأن في ذلك مس من سمعة الهيئات المستقلّة. وأضاف اللجمي أن شوقي قداس رئيس هيئة ومسؤول عن تصرفاته ولا يمكن للرابطة ان تتخذ في شأنه اي اجراء خلافا للتنديد بقراره وللتوضيح للراي العام أن الهيئة مستاءة لذلك، مشيرا الى أن قرار تجميد عضوية هيئة المعطيات الشخصية لن يكون مدى الحياة بل اتخذ الى أن يأتي ما يخالف ذلك. وكان شوقي قداس رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية قد اعتبر أنه لا وجود لتضارب بين السهر بصفته مستقل على تنظيم مؤتمر حزب سياسي خاصّة وأن الحزب أعلم بانه ليس منخرطا في الحزب ولن يكون منخرطا فيه. وأضاف قداس في تصريح سابق لموقع الشاهد أن الحزب دعاه لترأس لجنة إعداد المؤتمر الأول الانتخابي لحركة تحيا تونس لانه مستقل ووجوده على راس الهيئة لا يكتسي تضارب مصالح لان الهيئة ليس لها أيه معطيات بل وظيفتها هي حماية المعطيات. وأفاد المتحدّث أنه في عطلة من الهيئة لمدّة شهرين وحسب ما ينص عليه قانون الهيئة فإن القاضي الأكبر سنا يتولى بقرار من الرئيس تسيير اعمال الهيئة بجميع نفوذ رئيس الهيئة. وكان المنسق العام لحركة تحيا تونس سليم العزابي قد صرح يوم 21 فيفري 2019 إن رئيس هيئة حماية المعطيات الشخصية شوقي قداس سيكون من بين الشخصيات المستقلة في الحركة والذي سيترأس لجنة إعداد المؤتمر الأول الانتخابي لحركة تحيا تونس والعضو السابق في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نجلاء براهم والتي ستتولى مراقبة المسار الانتخابي، وذلك في الندوة الصحفية المخصصة لخارطة طريق المؤتمر التأسيسي الانتخابي الأوّل للحركة. وتنديدا بذلك دعا الحزب الجمهوري رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية الى تقديم استقالته و تعيين شخصية اخرى “تتمتع بالاستقلالية و تحافظ على مكانة الهيئة و تحميها من كل تداخل مع مهام أو أدوار حزبية تتعارض و دورها الأساسي في بلد يسعى الى تثبيت خطوات الانتقال الديمقراطي” وفق نص البيان. وللإشارة فإن مجلس رؤساء الرابطة يضم كلا من توفيق بودربالة، رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحرّيات الأساسيّة، والعميد شوقي الطبيب، رئيس الهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد، وعماد الحزقي، رئيس هيئة النفاذ إلى المعلومة، وروضة العبيدي، رئيسة الهيئة الوطنيّة لمكافحة الاتّجار بالأشخاص، و النوري اللجمي، رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السّمعي البصري، وفتحي الجراي، رئيس الهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب.