يبدو أنّ موعد حسم الباجي قائد السبسي في مسألة الترشح إلى ولاية رئاسية ثانية من عدمه بات وشيكا، مع بدء العدّ التنازلي للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في نوفمبر2019. ولئن عملت قيادات نداء تونس على تسويق خبر ترشيح الحزب للباجي من جديد والتأكيد أنّه لا يوجد أفضل منه للترشح للسباق الانتخابي، فإن قايد السبسي لم يدلِ بتصريح حاسمٍ حول قراره. مرتبك أم متردّد؟ وبدت تصريحات رئيس الجمهورية متضاربة، طيلة الفترة الماضية، فمرّة يجزم أنه “غير معنيّ بالانتخابات القادمة”، ومرّات يشير إلى أنّ “لا شيء يمنعه من الترشح من جديد”، وفي كلتيْ الحالتين فإن “إعلان ترشحه إلى الاستحقاق الرئاسي من عدمه سيكون في الوقت المناسب”، وفق تعبيره. وكان السبسي قد أكّد، في حوار صحفي في موفّى جانفي 2019، أنه ليس “من المؤيّدين لفكرة رئيس مدى الحياة” وأنه ” ضد هذا التوجّه” ولا يطمح أن يبقى رئيساً مدى الحياة. ولمّح إلى الدعوة التي تلقاها من قيادات حزب نداء تونس للترشح عن الحزب، قائلا إن “هناك دعوة للترشح، خصوصاً من النداء الذي كوّنته، لكن ابتعدت عنه منذ تولي منصب رئاسة الجمهورية. زارني أعضاء من النداء وقلت لهم لن أستجيب للنداء الحالي. ستنظمون مؤتمراً جديداً، وعندما تأتون بوجوه جديدة تقوي النداء، عندها سأرى”. وأضاف، في ذات السياق “ليس هناك إنسان صالح لكل زمان ومكان، قمت بواجبي، لكن ذلك لا يعني أن من الضروري أن أرشح نفسي للانتخابات، على الرغم من أن الدستور يمكّنني من ولاية ثانية، وأنا لدي حرية التصرف”. قرار السبسي الذي أدلى به منذ شهرين بدا مَحْسُوما فيِ أَمْرِهِ، لكنّ السقوط الحرّ لثِقَل حزب نداء تونس على الساحة السياسية بعد استقالة شريحة هامة منه وانضمامها إلى حزب “تحيا تونس” لرئيس الحكومة يوسف الشاهد من جهة والأزمة الداخلية التي عصفت بالحزب من جهة أخرى، دفع السبسي إلى إعادة التفكير من جديد فيما يسوقّه إعلاميّا بشأن ترشحه من عدمه. ومنذ الإعلان عن المشروع الحزبي الجديد ليوسف الشاهد، باشرت قيادات نداء تونس من جهتها إلى الدّعاية للسبسي كمرشحها المحتمل لسباق الرئاسية في خطوة لكسب ثقة أنصارهم من جديد وقلب الموازين على يوسف الشاهد. وقد أكد المدير التنفيذي لحركة نداء تونس حافظ قائد السبسي، مؤخرا، آن قواعد الحزب لا يرون حلا آخر غير ترشيح الباجي قايد السبسي للانتخابات الرئاسية القادمة. ولفت إلى أن ترشيح الباجي قايد السبسي هو ضمانة الشعب التونسي في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها تونس، قائلا ”إن الديمقراطية لم تترسخ بصفة نهائية وهناك مخاض سياسي في البلاد”. وشاطره الرأي النائب عن حركة نداء تونس رمزي خميس، الذي أكد أن “حسن تعامل السبسي مع عديد الأزمات التي مرّت بها البلاد هو ما دفع الندائيين إلى الالتفاف حول إعادة ترشيحه لولاية رئاسية ثانية”، وفق تقديره. وأضاف خميس أن “حزب النداء محتاج في المرحلة المقبلة إلى رجل في رئاسة الجمهورية يجمع بين الحكمة والرصانة والخبرة” وهي سمات تجتمع في السبسي، حسب رأيه. بدوره، اعتبر القيادي في نداء تونس عبد الرؤوف الخماسي أن الحزب لا يرى مرشحاً للانتخابات الرئاسية في كامل أنحاء البلاد سوى السبسي. وأضاف الخماسي “ليس هناك مرشح سوى الباجي في الفترة الحالية… وليس لنا خطة بديلة”، قبل أن يستدرك “في النهاية القرار للباجي قائد السبسي”. وقع الترشح للعهدة الثانية على الساحة السياسية واختلفت وجهات النظر والمواقف تجاه الخبر المتداول حول نية السبسي الترشح لسباق الرئاسيات، سواء أكانت نية صادقة أو طُعمًا ذا خلفيات سياسية ألقاه النداء على الساحة السياسية في هذه الآونة بالذات من أجل تحقيق غايات حزبية. وفي تعليقه على ذلك، قال السياسي أحمد نجيب الشابي، في تصريح إذاعي، إن “السبسي يدور دائماً في الفلك البورقيبي الذي لا يرى في أحد القدرة على خلافته، ولا يرى بديلاً له قادراً على إدارة البلاد من بعده”، وفق تقديره. ومن جانبه، عبّر القيادي بحزب التيار الديمقراطي محمّد عبوّ، في تصريح إذاعي، عن معارضته لترشّح الباجي قايد السبسي للانتخابات الرئاسية المقبلة اعتبارا لعامل السنّ. ورفض القيادي بالجبهة الشعبية زهير حمدي عن رفضه لترشح السبسي لولاية رئاسية جديدة، وقال ، في تصريح صحفي، إن “ذلك يعتبر من علامات رداءة المشهد السياسي الحالي” وفق تقديره. تراجع في عمليات سبر الآراء لكن سواء أترشح السبسي للانتخابات الرئاسية القادمة أم لم يترشح، فإنه ليس من المتوقع أن يحصد نصيبا جيدا من الأصوات لاسيما وقد فقد ثقة شريحة هامة من التونسيين في ظلّ الوضع المتأزم الذي وصلت إليه البلاد. وقد كشفت نتائج استبيان داخلي أجراه حزب نداء تونس مؤخرا عن تراجع نوايا التصويت لفائدة الباجي قائد السبسي في الانتخابات الرئاسية القادمة. وأجرت حركة نداء تونس هذا الاستبيان بعد التشكيك في نتائج سبر الآراء التي تقوم بها مؤسسات مختصة في اجراء عمليات سبر الآراء. وكان المنسق العام بالنداء رضا بالحاج قد أكّد، قُبيل قرار تجميد نشاطه من الحزب، أن عمليات سبر الآراء لنوايا التصويت المعلنة مؤخرًا تؤكد التدحرج الحاد للحزب على حد تعبيره، مشيرا إلى أنه توقع سابقًا أن يصل الحزب لعتبة 15 في المائة من نوايا التصويت وهي عتبة المقاومة حسب تعبيره، قبل التدحرج وثم الانهيار التام. وقد ناشد بلحاج، في هذا الصدد، الباجي قايد السبسي للتدخل، معتبرًا أن السبسي نفسه “مُعاقب” على اعتبار أنه تحصل فقط على ثلث نوايا التصويت التي تحصل عليها رئيس الحكومة يوسف الشاهد في الانتخابات الرئاسية المقبلة وذلك وفق آخر عملية سبر آراء. وتطابقت نتائج الاستبيان مع نتائج سبر الآراء التي أجرتها بعض المؤسسات وحل السبسي في المرتبة الثالثة في نوايا التصويت، حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته شركة "سيغما كونساي" أن في نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية كان التقدم من نصيب رئيس الحكومة يوسف الشاهد بحصوله على 30.7 % من نوايا التصويت مقابل تنافس ثلاثي على المرتبة الثانية : قيس سعيد (12.5%) والباجي قائد السبسي (10.8%) والمنصف المرزوقي (9.0%). “الجهاز السري” و”المساواة في الميراث” لكسب الأصوات وفي محاولة للفت الأنظار إليه واستعادة بريقه يعوّل السبسي على تكتيك استراتيجي شبيه بالتكتيك المعتمد في انتخابات 2014، إذ يراهن على عاملين أساسيين وهما العنصر النسائي من جهة وتشويه المنافسين من جهة أخرى. وفيما يتعلق بمساعيه لاستمالة التونسيات إلى صفه، يركز السبسي اهتمامه على مبادرته المتعلقة بالمساواة في الميراث بين المرأة والرّجل. ودوّنت مستشارة رئيس الجمهورية والناطقة باسم الرئاسة سعيدة قرّاش، على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي فايسيوك "نساء بلادي، أصواتكم في الانتخابات هي التي ستدافع عن حقوقكن وكرامتكن”. وتابعت المستشارة ، في السياق ذاته “لا تعطوا أصواتكن لمن لا يمسحون دمعتكن ويسيؤون إلى كرامتكن، ومن يرفضون تمرير قانون المساواة في الميراث”. ومن جانب آخر يعمل السبسي على الزجّ بحركة النهضة في خندق الشكوك، حيث دخل على الخط بخصوص قضية ما يعرف ب”الجهاز السري” لحركة النهضة. وكانت رئاسة الجمهورية قد أعلنت، الثلاثاء، أن الرئيس الباجي قائد السبسي يتابع قضية الجهاز السري لحركة النهضة التي أثارتها هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي. جاء ذلك لدى استقبال قائد السبسي، بقصر قرطاج، وفدا عن مجموعة من نواب البرلمان، الذين قدموا مؤخرا شكوى قضائية تطالب بالبحث في قضية الجهاز السري للنهضة. وكان قائد السبسي قد أثار، الاثنين، قضية الجهاز السري في اجتماع لمجلس الأمن القومي، بحضور رئيس الحكومة يوسف الشاهد. وقال قائد السبسي في مقطع الفيديو الذي نشرته الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهةرية، إن “التنظيم السري أمر يمس الأمن القومي ويجب اتخاذ موقف”. و في تعليقه على دخول رئيس الجمهورية على الخط في ملف بين أيدي القضاء، أكد الباحث الاجتماعي هشام الحاجي، في تصريح لوكالة الاناضول، أنه "يجب التمييز بين المسار القضائي والمسار السياسي من حيث التعاطي مع الاتهامات والشبهات والملاحظات التي قد توجّه إلى النهضة أو غيرها”. وأشار إلى أن “استهداف أي حزب سياسي يمكن أن يثير توترا إضافيا في الحياة السياسية، وقد تكون له نتيجة عكسية لمن يطلقون حملات الاستهداف، فالرأي العام يتفاعل بطريقة مختلفة، وقد يثير الاستهداف تفاعلا وتعاطفا مع الجهة المستَهدَفَة”. وقال الحاجي إن “اهتمام رئيس الدولة بملف الجهاز السري أو بمعرفة الجهة التي أمرت ونفذت اغتيال الشهيد شكري بلعيد تزايد وأصبح واضحا بعد انتهاء توافقه مع النهضة”. واعتبر أن هذا التدخل من السبسي قد يؤثر في تقبل المواطن العادي لهذا الموضوع.