أخبار تونس – تلقب “عاصمة الأغالبة” بحاضرة الطب في القرن الرابع الهجري بامتياز نظرا لتعدد العطاء الطبي لأعلامها الذين يسمون بفقهاء البدن وفي طليعتهم أبو جعفر بن الجزار. وكانت مدرسة القيروان الطبية قد اشتهرت بمساهمتها العلمية الراقية وبطابعها الإنساني المميز من خلال عناية أكبر أطبائها ابن الجزار بطب المعوزين والمحتاجين إذ شرع في تأليف كتابه المعروف ب”طب الفقراء” والمساكين لمّا رأى كثيرا من أهل الفقر والمسكنة يعجزون أن ينالوا منافع كتابه زاد المسافر وغيره. وبلغت القيروان ازدهارا كبيرا على المستوى العلمي ونبغ إسحاق بن عمران في مجال الطب النفسي وسطع نجم ابن الجزار الذي يعتبر أول طبيب عربي يكتب في التخصصات الطبية المختلفة مثل طب الأطفال وطب المسنين وتميز بالعلم والورع وفتح بيته مستشفى للفقراء. وفي إطار البرنامج الاحتفالي لتظاهرة القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية 2009 احتضن مركز الدراسات الإسلامية بالقيروان أيام 17 و18 و19 نوفمبر الجاري ندوة دولية حول مدرسة القيروان الطبية وموقعها في الطب العربي الإسلامي وذلك تحت إشراف المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة “ايسيسكو” والجمعية التونسية لتاريخ الطب والصيدلة. وعلى هامش الندوة إنتظم معرض يهتم بالطب التونسي عبر ألفي سنة من التاريخ وتم عرض 450 أداة جراحية استعملها الأطباء في العصر الوسيط وهي تمثل شاهدا على تطور الأطباء في ذلك العصر ولوحات زيتية لأطباء القيروان. وتعكس فعاليات الندوة التي تسجل مشاركة أساتذة الجامعات والأطباء العرب من كل من المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والسعودية وسوريا والعراق الوحدة الثقافية التي تتميز بها النخبة المثقفة في العالم العربي، والمكانة الخاصة التي تحتلها القيروان في الوجدان العربي والإسلامي. كما عرفت الندوة حضور الأستاذة جوال ريكوردال من فرنسا الذي ألقى مداخلة قدم فيها رأيه في الطب الإسلامي والسيد جيوفاني كاتالاني من ايطاليا ليحاضر حول قسطنطين الإفريقي الذي أخفى مصادره لاعتبارات أمنية إبان الحروب الصليبية. وتناولت أشغال الندوة بالشرح والتحليل جوانب مضيئة من تاريخ الطبيب والعالم ابن الجزار من خلال كتبه «زاد المسافر» و«سياسة الصبيان وتدبيرهم» و«الفروق بين الاشتباهات في العلل» واسهاماته في اثراء الطب العام ومعالجة الامراض العصبية والنفسية الى جانب اشعاع المدرسة الطبية القيروانية على المدارس الطبية المغاربية والاندلسية والاوروبية ونزعة الانسنة في المدرسة الطبية القيروانية. وطرحت هذه الندوة الدولية على طاولة النقاش عدة مسائل مثل الأبحاث في الأدوية وناقشت بعض الأمراض كأمراض المعدة وخفقان القلب والمعوقين في الطب الإسلامي والطب النفسي للأطفال والطب الوقائي. وأثارت الندوة مختلف المصطلحات الطبيّة والعلاقة بين الطب والصيدلة والتفاعل والتواصل بين مختلف العلماء خاصة ما أخذه الزهراوي في مدرسة ابن الجزار وعلاقة الفكر الطبي الأبيقراطي بمدرسة القيروان ومدرسة القيروان الطبية في المصادر الشامية واقتباسات ابن المطران من أطباء القيروان. وكانت جمعية تاريخ الطب والصيدلة قد تأسست في أوائل الثمانينات على أيدي نخبة من الأطباء والصيادلة التونسيين لعل أشهرهم على الاطلاق رئيس الجمعية سابقا الدكتور الراحل سليم عمّار. ونظمت جمعية تاريخ الطب والصيدلة في الثلاث سنوات الأخيرة 10 ندوات حول تاريخ الطب والمصطلحات القديمة وفوائد التعلم في المصطلحات القديمة وربطها بالمصطلحات الحديثة.