يمثل يوم 17 فيفرى 1989 حدثا هاما في حياة شعوب المنطقة المغاربية توج مسيرة طويلة من الكفاح المشترك لبناء وحدة المغرب العربي الكبير. ففي هذا اليوم وبمدينة مراكش المغربية وقع قادة كل من تونس وليبيا والجزائر والمغرب وموريتانيا على معاهدة مراكش التي أعلن بمقتضاها عن قيام اتحاد المغرب العربي.وقد عملت تونس على تحقيق هذا الهدف من خلال السعي إلى تعزيز أجواء الثقة ومد جسور التقارب والتواصل بين دول المنطقة. وتوجت هذه الجهود بانعقاد قمة زيرالدا بالجزائر يوم 10 جوان 1988 بحضور جميع قادة البلدان المغاربية ثم تلتها القمة التأسيسية للاتحاد بمراكش. وكان لتونس شرف احتضان أول اجتماع لمجلس رئاسة الاتحاد في جانفي 1990 الذي استضافته ثانية في أفريل 1994. وقد احتل هذا الهيكل المغاربي صدارة اهتمامات الرئيس زين العابدين بن علي الذي أكد على انتماء البلاد واندماجها في محيطها المغاربي كمحور أساسي في مقاربة تونس التغيير وجعل من البناء المغاربي خيارا استراتيجيا وضرورة اقتصادية واجتماعية وسياسية.ومن شواهد هذا الاهتمام تأكيد رئيس الدولة مرارا على الإسراع ببناء المغرب العربي الكبير وتجسيد اهدافه0 وقد عملت تونس في هذا الإطار على دعم أواصر الإخاء وتوسيع مجالات التعاون بين الدول المغاربية وتنويعها والمساهمة في تنشيط المسيرة المغاربية من خلال الحرص على استكمال تركيز هياكل ومؤسسات اتحاد المغرب العربي وعلى انتظام عقد الاجتماعات المغاربية. وتجسيما لهذا التوجه الاستراتيجي واصلت تونس جهودها من أجل المساهمة في التأسيس لمقاربة واقعية تهدف إلى إكساب عمل الاتحاد ومؤسساته الفاعلية المرجوة وإعطاء نجاعة اكبر للعمل الاتحادي بما يسهم في تحقيق الاندماج المغاربي ويتلاءم مع متطلبات الحاضر والمستقبل والمتغيرات التي تشهدها الساحتان الإقليمية والدولية. وحرصا علي تحقيق هذه الأهداف عمل الرئيس زين العابدين بن علي بالتنسيق مع أشقائه قادة الدول الأعضاء على مواصلة المساعي لتجاوز الإشكاليات الظرفية والصعوبات التي قد تعيق البناء المشترك وتكثفت مبادراته لتنقية الأجواء المغاربية لتفضي مساعيه ولقاءاته ومشاوراته المتواصلة مع القادة المغاربيين إلى استئناف المسيرة الاتحادية لأنشطتها منذ سنة 2001 خاصة على مستوى مجلس وزراء الخارجية ولجنة المتابعة واللجان الوزارية المتخصصة.وتعد هذه التحركات المكثفة نتاج وعي عميق في تونس بأن البناء المغاربي أضحى اليوم ضرورة لا خيارا. وهو ما يؤكده الخبراء والمختصون الذين بينوا أن ضعف الاندماج الاقتصادي المغاربي يفوت على دول المغرب العربي فرصة نمو نوى تناهز ال 2 بالمائة وذلك في الوقت الذي تتعاظم فيه رهانات التنمية وتتزايد الضغوط على المستويات الوطنية خاصة في ما يتعلق بتشغيل الشباب. وسعيا لكسب الرهانات الاقتصادية ثابرت تونس على جهودها بمعية باقي الأقطار المغاربية من أجل تكثيف التعاون الثنائي البناء والمثمر مع الأقطار المغاربية. وقد شهدت مبادلات تونس التجارية مع سائر بلدان الاتحاد المغاربي في ظل هذا التمشي تطورا مطردا سنة 2008 إذ تجاوز حجمها الجملي ما قيمته 4 فاصل 5 مليار دينار مقابل 3 مليار دينار سنة 2007 . وبالرغم من هذا التطور فان نسبة المبادلات التجارية بين الدول المغاربية تبقى دون المستوى المأمول حيث لم تتجاوز ال 4 بالمائة من مجموع المبادلات مع الخارج. كما حرصت تونس التحول على إقامة منطقة مغاربية للتبادل الحر تفضي إلى إرساء سوق مغاربية مشتركة من شأنها أن تجعل من اتحاد المغرب العربي فضاء اقتصاديا وتجاريا موحدا وقطبا اقتصاديا فاعلا يساعد على انجاز المشاريع المغاربية الكبرى لاسيما في ظل ما تكتسيه الجسور الاقتصادية المشتركة من أهمية في تحريك مسار البناء المغاربي وتحقيق الاندماج والتكامل بين بلدان المنطقة. وفي ذات الاتجاه تعمل تونس على تأمين الانطلاقة الفعلية للمصرف المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية بما يعطي الدفع المنشود لوتيرة الاندماج الاقتصادي بين دول المنطقة من خلال تمويل المشاريع الاستثمارية المغاربية الكبرى وذلك إلى جانب الدور الموكول للقطاع الخاص بعد بعث الاتحاد المغاربي لأصحاب الأعمال وتنشيط الاتحاد المغاربي للفلاحين في تجسيم التكامل الاقتصادي وإقامة علاقات تعاون وشراكة بين المتعاملين الاقتصاديين المغاربيين. وتسعى تونس جاهدة إلى دفع العمل المشترك مع بقية البلدان المغاربية من اجل كسب رهانات المستقبل على المستويين السياسي والاقتصادي لجعل اتحاد المغرب العربي شريكا إقليميا فاعلا ومخاطبا كفؤا لبقية التجمعات الإقليمية الأخرى بما يحقق أغراض التنمية في منطقة المغرب العربي ويعزز استقرارها.وينصهر تمسك تونس بالبناء المغاربي ضمن حرص الرئيس زين العابدين بن علي على ضمان اندماج تونس في محيطها الإقليمي والدولي ولاسيما في ضؤء تنامي دور التكتلات الإقليمية وتعاظم الرهانات والتحديات الناجمة عن العولمة ومتطلبات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والتجمعات الأخرى وهي شراكة أكدت تونس ضرورة أن ترتكز على التنمية المتضامنة والشاملة بما يساعد على تحقيق التنمية وأسباب الأمن والاستقرار في المنطقة المتوسطية. وتتابع تونس أيضا مساعيها بالتنسيق مع كافة الدول المغاربية من اجل ترسيخ قاعدة التشاور والتنسيق بين دول الاتحاد في ما يتصل بالعلاقات مع الاتحاد الأوروبي ومختلف أطر الشراكة الأورومتوسطية وكذلك في إطار مسار أغادير وتجاه سياسة الجوار الأوروبية. كما تسعى باستمرار إلى الخروج بمواقف وتوجهات ورؤى مغاربية متجانسة لاسيما بالنسبة للقضايا المتصلة بتعزيز الأمن والاستقرار في الحوض الغربي للمتوسط والدفاع عن حقوق وكرامة الجاليات المغاربية المقيمة في أوروبا. وفي هذا الإطار يتم العمل على تجسيم دعوة الرئيس زين العابدين بن علي إلى إبرام ميثاق مغاربي أوروبي يضبط حقوق تلك الجاليات وواجباتها وكذلك تنسيق السياسات المغاربية لمجابهة الجريمة المنظمة وظاهرة الهجرة غير الشرعية والحد من انعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية على الدول المغاربية. وبعد مرور عقدين على تأسيس الاتحاد المغاربي فان الموضوعية تقتضي الإقرار بأهمية الأشواط المقطوعة في هذا الاتجاه على محدوديتها.ويظل اتحاد المغرب العربي في رؤية الرئيس زين العابدين بن علي مشروعا حضاريا بالغ الأهمية ورافدا لمسيرة النهوض الشامل التي تطمح إليها شعوب المنطقة. وهو ما يبرز من خلال ما صرح به سيادته لمجلة “الحوادث” اللبنانية في أوت سنة 2007 حين أكد انه “إذا ما كانت ظروفنا الموضوعية حاليا تحد من قدراتنا على تحقيق كامل أهدافنا وغاياتنا فان ذلك لن يفت من عزمنا على مضاعفة جهودنا من أجل إعلاء بناء الصرح المغاربي الذي يتطلب المثابرة وطول النفس”.