تعيش ولاية نابل هذه الايام على وقع انطلاق موسم الزهر الذى يعد من التقاليد الراسخة بجهة الوطن القبلى ومن العادات التى يحرص ابناء المنطقة على المحافظة عليها. فلا مجال لان تمر فترة موسم الزهر دون اعداد العولة من ماء الزهر الذى يتم تجميعه فى قوارير خاصة فاشكات لاستعماله لاغراض عديدة فى صنع الحلويات والعطور والتداوى من ضربة الشمس والالام المعوية او لاقنعة البشرة والتجميل. وتعد شجرة النارنج التى يعود تاريخها بالجهة الى الاندلسيين ثروة اقتصادية ذات بعد ثقافى واجتماعى ذلك ان اول وحدة لتقطير الزهر بالجهة يرجع تاريخها الى اوائل القرن التاسع عشر. فمع استقرار حالة الطقس وتواصل الايام المشرقة للربيع تتحول جهة نابل الى ورشة مترامية الاطراف انطلاقا من الحدائق ووصولا الى الشوارع التى تزدان باشكال وابتكارات متنوعة لتقنيات الجمع. موسم الزهر فى ولاية نابل هو موسم لاحياء التقاليد وهو كذلك عيد للعائلات النابلية التى ماان تنضج زهرة النارنج ويكتمل نموها تسارع بقطفها وتجميعها قبل ان تتفتح وتفقد قيمتها خاصة وان الموسم لا يتواصل الا لفترة تتراوح بين 3 و4 اسابيع. ويسهم الموسم سنويا فى احياء اشكال من الانشطة التقليدية التى تحافظ عليهااغلب العائلات النابلية اهمها استعمال القطار العربى المصنوع من النحاس لتقطير الزهر اساسا وكذلك العطرشاء والورد العربى. واضافة الى ابعاده الثقافية سيما التى تخص المحافظة على التقاليد يكتسى موسم الزهر اهمية اجتماعية اذ يسهم فى توفير مداخيل اضافية لعديد العائلات محدودة الدخل التى تجد مجالا لممارسة نشاط اقتصادى عائلى وتقليدى يتمثل فى تقطير الزهر بمقابل وبيعه لزوار المدينة من العائلات التونسية التى تتوافد على ولاية نابل من مختلف جهات البلاد التونسية لاقتناء عولتها من ماء الزهر الذى لا يكاد يخلو منه بيت. وتجد عائلات اخرى فى هذا الموسم فرصة للتجارة وذلك بتجميع محاصيل متفاوتة من الازهار التى يتم بيعها فى اسواق ظرفية تبرز كل موسم بنابل ودار شعبان الفهرى وبوعرقوب وبنى خيار او توجيهها نحو مراكز التجميع التى تقتنى الازهار لفائدة معامل التحويل الخمسة بالجهة. ويكتسى قطاع الزهر بولاية نابل اهمية اقتصادية بالغة اذ يعد زهر النارنج المصدر الرئيسى لزيت النيرولى الذى يتم تصديره نحو الاسواق الخارجية ولاسيما بغراس بفرنسا ليتم استعماله فى تركيب ارقى العطور العالمية. ويوفر هذا القطاع عائدات سنوية من العملة الصعبة تتراوح بين 3 و4 ملايين دينار. ويتم سنويا بالجهة التى تعد حوالى 108 الاف شجرة نارنج على مساحة 390 هكتارا تحويل اكثر من 60 بالمائة من محاصيل الزهر عن طريق وحدات صناعية مختصة تتولى انتاج ماء الزهر واستخراج زيوت النيرولى بمعدل 600 لتر من ماء الزهر و1 كغ من النيرولى عن كل طن من الزهر. ويتراوح سعر الكيلوغرام الواحد من النيرولى المنتج بولاية نابل والذى يتمتع بخصوصيات وجودة تميزه عن غيره من البلدان ما بين 4 و 5 الاف دينار بالاسواق الخارجية. ورغم ان التوقعات تشير الى تراجع الانتاج هذا الموسم الى 1200 طن مقابل 1550 طن خلال الموسم الماضى فان انتاج ماء الزهر يبقى من الانشطة الفلاحية والاقتصادية الواعدة باعتبار ما يتوفر له من افاق تصديرية كبيرة سيما نحو اسواق جديدة او من خلال تطوير مشاريع بتونس لصناعة العطورات او المنتجات التى تعتمد الزيوت الروحية ويعزى هذا التراجع فى الانتاج بالخصوص الى حساسية شجرة النارنج التى تتميز بمعدلات انتاج غير منتظمة بحكم ارتباطها الوثيق بالعوامل المناخية وبالعناية التى تلقاها من الفلاح فى مستوى الرى والتسميد. وقد مثل موسم الزهر محور جلسة عمل انتظمت بمقر ولاية نابل وشارك فيها ممثلون عن اتحاد الفلاحين وبحضور المحولين وممثلين عن هياكل ادارية. وتم فى اطار هذا الجلسة الاتفاق بالخصوص على ان يكون الانطلاق الرسمية لموسم الجمع يوم 10 افريل وعلى ان يكون السعر المرجعى فى معدل انطلاقة الموسم الفائت اى 7 دنانير للوزنة من الزهر التي تعادل 4 كلغ. واكد المشاركون ضرورة تنظيم حملات مراقبة للاسواق العشوائية ولعمليات البيع وتفادى الارتفاع المشط للاسعار والتحسيس باهمية ترك الفرصة للزهرة لتستكمل نموها حتى تعطى منتوجاعالى الجودة.