لقد آمن الدكتور عبد الجليل التميمي بأهمية البحث العلمي إذ يشكل المفتاح الحقيقي لأبواب المستقبل كما آمن بأن الباحث يشارك في رسم التاريخ الراهن في تحديد التوجهات الحضارية والثقافية لأمته ومن هذا الإيمان خلق حجر الأساس لمؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات بزغوان وهي المؤسسة العربية الوحيدة التي تهتم بالدراسات العثمانية والمورسكية الأندلسية وهي بذلك تمثل همزة وصل بين الثقافة العربية وبقية الثقافات وقد افتتحت المؤسسة أو بالأحق الجزء الأول منها سنة 1989 وقد وقع اختيار الدكتور التميمي صاحب هذا المشروع الحضاري والاسلامي والعلمي على مدينة زغوان لاحتضان مؤسسته لاعتبارها إحدى القرى الأندلسية الرائعة التي أسسها المورسكيون الأندلسيين بعد طردهم من الأندلس سنة 1609. والمؤسسة بالاضافة الى كونها مرجعا أكاديميا متميزا وثابتا على الصعيد الدولي تنفرد بجمالها الفني وبهندستها المعمارية المتميزة والراقية وما انفكّ الدكتور التميمي أستاذ التاريخ الحديث بجامعة تونس الأولى ورئيس اللجنة العربية للدراسات العثمانية واللجنة العالمية للدراسات المورسكية والاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات وصاحب الثمانية عشر كتابا حول التراث الانساني والتاريخ المغاربي يؤمن بجدوى البحث ويراهن بكل ثقة وجرأة على المستقبل المتألق الذي نريده للبحث العلمي في العالم العربي الاسلامي وللأمة العربية والحضارة الإنسانية عموما. «الشروق» التقته على هامش المؤتمر العالمي الثالث عشر لمنتدى الفكر المعاصر والمتمحور حول الدولة التونسية في أواخر الحكم البورقيبي والقيادات السياسية العربية الصعود والانحدار والتي نظمته مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات بزغوان بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور بتونس والجزائر في الفترة الممتدة بين 24 و26 مارس 2004. * تعدّ مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات أول مختبر دولي للدراسات العثمانية والمورسكية الأندلسية كما أنها تمثل همزة الوصل بين الثقافة العربية وبقية الثقافات فكيف تساهم من خلال موقعها في دعم حركة البحث العلمي خاصة وأن واقع البحث العلمي في العالم العربي الاسلامي واقع مؤلم يحتاج الى ثورة حتى يلتحق بواقع البحث العلمي المتطور في العالم العربي؟ سؤال جميل وجريء وأولا وقبل كل شيء فإن هذه المؤسسة هي عبارة عن مدينة لحركية اشعاع المعرفة والبحث العلمي وتهتم بالدراسات العثمانية والمورسكية الأندلسية كما ذكرت ولكننا فتحناها أيضا لكل التخصصات والحقيقة أن هذه المؤسسة ليست إلا فضاء للحوار لكل ما يتعلق بالمعرفة في العلوم الصحيحة والعلوم الانسانية والاجتماعية. أما في ما يخص دورنا في دعم المعرفة فإني أقول بأن هذه المؤسسة بما أنجزته من كتب بلغ عددها الثمانية والثمانين بعدة لغات منها الفرنسية والاسبانية والانقليزية فضلا عن العربية وما انفردت بطرحه من اشكاليات وقضايا معرفية منحت هذه الأمة وزنا جديدا يتأطر عن طريق الحوار الأكاديمي العالمي وفي الواقع فإننا نسعى دائما وأبدا الى أن نترجم عن فعاليات وطموحات واختيارات الباحثين الشبان على صعيد دولي. * ولكن أتعتقد أن عقد المؤتمرات وطرح الإشكاليات وتاريخ الأبحاث كفيل بتخطي أزمة البحث العلمي في العالم العربي الإسلامي؟ لا، نحن لا ندّعي أننا سنحلّ أزمة البحث العلمي وإنما ندّعي أننا نبدي آراء ومواقف وعلى المقررين السياسيين أن يأخذوها بعين الاعتبار فإن أخذوها بعين الاعتبار فلهم ذلك وإن لم يفعلوا فهم أحرار ويكفينا أننا نكتب للتاريخ حتى يقال أن هناك من الباحثين أعطوا الكثير للمعرفة وأطلقوا صيحة الفزع. * بالرغم من تعدد أسباب البحث العلمي فإن رأس المال أو الجانب المادي يظلّ من أهم أسباب تأزم واقع البحث العلمي في العالم العربي الاسلامي فكيف نواجه هذا الاشكال لا سيما أن الذي تديره خاص وغير مدعّم ماليا حسب تصريحاتك؟ صحيح ولكن دعني أسرّ لك بأنه وفي بعض الأحيان عدم دعم هذا المشروع من المؤسسات الحكومية أو غيرها يعدّ أمرا ايجابيا إذ أثبتنا فقط من خلال رأس مالنا الذي لا يفنى وهو الإيمان بهذا المشروع المعرفي والعلمي استقلالنا الأكاديمي والمالي. ومن سوء حظنا فإن كل الدول العربية الغنية بتروليا وغير الغنية لا تدعم المعرفة وتحتقر البحث العلمي وتمارس لغة الشعارات وهذا الذي يؤسف ويؤلم ومن هذا الموقع أثبتت المؤسسة أحقيتها في تناول هذه القضايا وهناك شخصية واحدة لا أريد أن أذكر إسمها هي التي تدعم المؤسسة من حين إلى آخر. * وأنا أتطلع الى مكتبة المؤسسة القيمة والثرية وإلى منشوراتها الهامة وحتى هندستها المعمارية المتميزة انتابني خاطر وأظنني على اقتناع به بأن المسؤول الأول والأخير عن أزمة البحث العلمي في العالمين العربي والاسلامي هو الباحث في حدّ ذاته إذ يكفي أن يؤمن بدوره في رسم التاريخ الراهن لأمته حتى يتمكن من مواجهة كل العراقيل سعيا الى دعم وتطوير حركة البحث العلمي في العالم العربي الاسلامي فكيف تعلق على هذا الرأي ؟ كما أسلفت فنحن نملك مكتبة ثرية وهامة وتصلنا كثير من المعلومات الى حدّ أني أعجز عن استيعابها بأكملها وهو الذي يخول لنا الافتخار بهذه الثورة المعرفية الهامة والاقرار بأنها تشكل المختبر الحقيقي لتطور المعرفة. تقولين إن الباحث هو المسؤول عن أزمة البحث العلمي أما أنا وفي مقال لي بعنوان «من المسؤول عن أزمة البحث العلمي؟» أقول أن هناك ثلاث مسؤولين عن تردي واقع البحث العلمي. أولا المقرر السياسي الذي لم يفهم قيمة البحث ولم يمنح القوانين الكفيلة بضمان تطور البحث العلمي في العالم العربي الاسلامي. ثانيا الباحث باعتباره يخشى المطا لبة بحقوقه ويمارس الرقابة الذاتية ويخشى على مركزه وراتبه وجامعته ومن ثمة فإنه يتحمل مسؤولية التعفن الذي أصاب البحث العلمي في العالم العربي الاسلامي. وأخيرا الكفاءات العربية المهاجرة التي قطعت صلتها بالوطن الأم وبحثت عن مصلحتها الخاصة ولا يهمها بلدها إلا من خلال الزيارات والاحتفالات وبالتالي فإن الباحث العربي مسكين سواء كان هنا أو هناك. * أنت حمّلت هذا الثالوث مسؤولية تأزم البحث العلمي ولكنك في الواقع ترجح المسؤولية الأولى الى المقرر السياسي؟ نعم، صحيح فالمقرر السياسي هو المسؤول الأول ولكن الباحث هو الآخر يتحمل المسؤولية وكذلك العقول المهاجرة التي قطعت صلتها علميا ومعرفيا بالوطن وبالتالي فهي لا تساهم في بلورة المعطيات الفاعلة لتقدم المعرفة. * لنعد الى نشاطات المؤسسة ولتحدثنا عن هذا المؤتمر العالمي الثالث عشر لمنتدى الفكر المعاصر حول الدولة التونسية في أواخر الحكم البورقيبي 1980 1987 والقيادات السياسية العربية الصعود والانحدار والذي نحن بصدد مواكبة فعالياته؟ الواقع أن المؤسسة أصبحت معروفة عالميا ويويما نتلقى أكثر من 60 زائرا عبر موقعنا في الانترنات وهو ما يعني أننا مؤسسة جادة، مؤسسة عمل أكاديمي تجديدي للبحث العلمي والمعلومات وهذا المؤتمر كما أسلفت هو الثالث عشر لمنتدى الفكر المعاصر ويتمحور حول الدولة التونسية في أواخر الحكم البورقيبي 1980 1987 والقيادات السياسية العربية الصعود والانحدار يشارك فيه عدد هام من الجامعيين من تونس والجزائر والمغرب ومصر بالاضافة الى ثلة من الوزراء والشخصيات السياسية السابقة والمؤتمر بمعالجته لإشكاليات أواخر الحكم البورقيبي كنموذج للمشهد البائس الذي تكرر في عدد من البلدان العربية يسعى الى دعم البحث التاريخي الأكاديمي المتعلق ببناء الدولة العربية الحديثة ورصد ملامح بناء الدولة المغاربية والعربية الحديثة وهو أبعد ما يكون عن التوظيف السياسي الرخيص. * على مدى الثلاثين سنة من البحث العلمي ومنذ تأسيس المؤسسة ما هو الهاجس الأهم الذي يراودك كدكتور باحث وأستاذ جامعي أولا وكصاحب مشروع خاص ثانيا؟ الحقيقة هناك ثلاثة هواجس تراودني بل لعلها تؤرقني أولا تكرّر مثل هذه المؤسسات المعرفية التي تخدم العلم والعلماء. ثانيا حتمية وجود قوانين لإنشاء المؤسسات الخاصة فدساتير العالم العربي لا تمنعك ولا تحلل لك وإنما تجعلك تتأرجح بين هذه الثنائية. ثالثا على الأمة العربية أن تفقه جيدا أن مصلحتها ليست في اتّباع الغرب وإنما في دعم المعرفة وتشجيع الباحثين الشبان ومنحهم البعض من مالهم فللأسف أمتنا أمة جريحة و»تعبانة» والأمر من هذا وذاك أنها رافضة التجديد والتطور ولا أخفيك أني خائف على هذه المؤسسة من بعدي فقد تتحول الى نزل وقد تمحي كقيمة علمية ثابتة. * ولكن أستاذ مسؤوليتك هنا تكمن في ايجاد البديل أو الوريث لمثل هذه الجوهرة المعرفية؟ أنا فعلا بصدد بلورة رؤية ادارية وقانونية للمؤسسة والمطمئن أن هناك العديد من طلابي ومن الباحثين الشبان مستعدون لمواصلة المشوار.