49 هزة أرضية تثير ذعر السكان بجنوب إيطاليا    استشهاد 7 فلسطينيين وإصابة 9 خلال اقتحام جيش الاحتلال لجنين    وزير الدفاع الأميركي: لا دور لواشنطن بحادثة تحطم طائرة رئيسي    طقس الثلاثاء: الحرارة في انخفاض طفيف    ليفربول يعلن رسميا خليفة كلوب    منوبة.. إيقاف شخص أوهم طالبين أجنبيين بتمكينهما من تأشيرتي سفر    الدّورة الثّالثة لمؤتمر مستقبل الطّيران المدني: وزيرة التّجهيز تقدّم رؤية تونس في مجال الطّيران المدني في أفق 2040    سليانة: 10 إصابات في انقلاب شاحنة تقل عمالا في الفلاحة    دعما لأهالي غزة : مهرجان جربة تونس للسينما العربية يقدّم برمجة خاصة للجمهور    رقم مفزع/ من 27 جنسية: هذا عدد الأفارقة المتواجدين في تونس..    رئيس الحكومة في زيارة ميدانية للشمال الغربي للبلاد التونسية    تنبيه/ تحويل ظرفي لحركة المرور ليلا لمدة أسبوع بهذه الطريق..    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    فقدان 23 تونسيا في'حَرْقة': ايقاف 5 متهمين من بينهم والدة المنظّم واحد المفقودين    التضامن.. الإحتفاظ ب3 اشخاص وحجز كمية من المواد المخدرة    عاجل: وسائل إعلام رسمية: انتخابات الرئاسة في إيران ستجرى في 28 جوان    الليلة: سحب عابرة ورياح قوية والحرارة تتراوح بين 16 و26 درجة    والي بن عروس: فخور ب"دخلة" جماهير الترجي وأحييهم ب"عاطفة جيّاشة"    النادي الصفاقسي : اصابة وضّاح الزّايدي تتطلب راحة باسبوعين    مدير عام ديوان تربية الماشية: النحل يساهم في ثلث غذاء الإنسان    التوقعات الجوية لهذه الليلة    بنزرت تستعد لاستقبال أبناء الجالية المقيمين بالخارج    عروض ثريّة للإبداعات التلمذيّة.. وتكريم لنُجوم الدراما التلفزيّة    أغنية لفريد الأطرش تضع نانسي عجرم في مأزق !    الميزان التجاري يستعيد عافيته...رصيد المبادلات الخارجية يتطور ب %24    وزارة التربية: هذه هي الانشطة المسموح بها بالمؤسسات التربوية خارج أوقات التدريس    بودربالة يوجه إلى نظيره الإيراني برقية تعزية في وفاة إبراهيم رئيسي    رفض الافراج عن سنية الدهماني    إضراب عن العمل بإقليم شركة فسفاط قفصة بالمظيلة    وزيرة السعادة تحافظ على مركزها ال9 في التصنيف العالمي    أبطال إفريقيا: الكشف عن مدة غياب "علي معلول" عن الملاعب    تقرير يتّهم بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوّث أودت بنحو 3000 شخص    عاجل : المحكمة الجنائية الدولية تطلب اصدار مذكرة اعتقال لرئيس وزراء و رئيس حركة    تزامنا مع عيد الاضحى : منظمة ارشاد المستهلك توجه دعوة لقيس سعيد    نحو الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    فظيع: غرق شخص ببحيرة جبلية بجهة حمام بورقيبة..    وزارة التشغيل تمدّد في آجال التسجيل في برنامج مساندة المؤسسات الصغرى المتعثرة إلى غاية يوم 16 جوان القادم    الشاعر مبروك السياري والكاتبة الشابة سناء عبد الله يتألقان في مسابقة الدكتور عبد الرحمان العبد الله المشيقح الأدبية    تونس : أنواع و أسعار تقويم الأسنان    انطلقت أشغاله الميدانيّة: التعداد السكاني دعامة للتنمية الاقتصادية    الأولمبي الباجي أمل جربة ( 2 1) باجة تعبر بعناء    تونس تقدم التعازي في وفاة الرئيس الايراني    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    سمير ماجول : ''القطاع الفلاحي هو مستقبل البلاد''    تونس تتوج ب 26 ميداليّة في المسابقة العالميّة لجودة زيت الزيتون في نيويورك    استدعاء ثلاثة لاعبين لتشكيلة البرازيل في كوبا أمريكا واستبدال إيدرسون المصاب    بينهم زعيم عربي.. زعماء دول قتلوا بحوادث تحطم طائرات    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    القصرين : الوحدات العسكرية تشارك أبناء الجهة احتفالاتها بالذكرى ال68 لإنبعاث الجيش الوطني التونسي    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد حرمل في «يوم الذاكرة الوطنية»: لم نكن تحريفيين ولا كفارا وفكرنا في «التجديد» منذ سنة 1974
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

واصلت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات بزغوان تلقيها لشهادات رجالات ساهموا في مسيرة الدولة التونسية وفي تفعيل المشهد السياسي الوطني منذ نهايات الحكم الاستعماري إلى اللحظة الراهنة والسيد محمد حرمل الأمين العام لحركة التجديد (الحزب الشيوعي التونسي سابقا) هو الشخصية رقم 32 التي تختار منبر يوم الذاكرة الوطنية لتقديم جملة فصول عما ساهم به من منطلقاته الفكرية والسياسية في تاريخ تونس الحديث.
تغطية : خالد الحداد
رغم أن السيد حرمل قد أكد في بداية «شهادته» على أنه لم يعد يرى من فائدة في النظر إلى الخلف وأنه استخلص انطلاقا من تجاربه عدة دروس أبرزها ضرورة النظر الى الأمام حتى تنجح اسهاماته السياسية فإنه قد استجاب للدعوة والحديث عن مسيرته كاملة حتى لا تضيع الذاكرة الوطنية.
**طفولة
يقول السيد حرمل : «في أواخر عهد الاستعمار وتحديدا سنة 1949 ولما كنت تلميذا في المعهد الصادقي وكنت منخرطا في الكشافة (الكشاف المسلم التونسي) والتي كانت آلية من آليات مقاومة الاستعمار وتربية الشباب على المقاومة، كان الجو معاديا للإستعمار، كان جوا وطنيا إلى أقصى حد... ويواصل... في ذلك الوقت إتصل بي البعض لكي نُعدّ منشورا يحمل اسم «الكفاح» ولم أكن أعلم من يقف خلفه وقمنا بطباعته في جهة الملاسين في المساكن التي يقطنها الطلبة الزيتونيون وقمنا بالصاق وتوزيع ذلك المنشور في «المدينة العربي» وتم على اثر ذلك ايقاف العديدين أذكر منهم خاصة زكريا بن مصطفى... ويقول السيد حرمل أنه علم في ما بعد أن الذي كان يقف وراء ذلك النشاط هو المناضل علي البلهوان....
وأشار السيد حرمل إلى الاهتمام الكبير بالعمل الوطني الذي كان متواجدا في الصادقية وقال : عندما نفذ طلبة جامع الزيتونية اضراب الجوع سنة 1949 قمنا بمظاهرة والتحقنا بهم في «جامع الزيتونة» وشاركناهم حركتهم الاحتجاجية وكان بعض الدستوريين هم الذين يقودون تحركات الصادقية واذكر منهم بالخصوص صالح الأدغم (شقيق الباهي) وعبد العزيز شوشان.
وفي توضيحاته حول لماذا لم يكن دستوريا؟ يقول السيد حرمل : «هناك جانب شكلي قد لايكون كافيا لبيان دعم انتمائي للحزب الدستوري، كنت متحمسا للكفاح الوطني حتى أكثر من زملائي في الصادقية الذين كانوا دستوريين... فقد اتصلوا بي عقب تلك التحركات وقالوا لي المنجي سليم يريد الاتصال بك وضربوا لي موعدا وذهبت الى مكتب بورقيبة حيث كان موجودا برفقة الهادي نويرة والمنجي سليم والمبروك عبد الصمد الذي كان واقفا بالباب فرحوا بي كثيرا وقالوا لي : نريدكم أن تهتموا بالدراسة فقط وان كان هناك ما يستلزم سنعطيكم الأوامر.... وقال عبد الصمد لو كان ما تسمعش الكلام رانا انطردوكم!... يقول حرمل «فاستغربت من تلك اللهجة وذلك الأسلوب الذي قد يكون يخفي بعض الحسابات أو اللبس... غير أن ذلك قد لا يكون سببا مقنعا...
يقول المتحدث : كنت متحمسا للمشاركة في العمل ضد الاستعمار وكان هناك بعض الأساتذة الذين يحدثوننا عن الثورة الصينية في الفيتنام وكانت هناك بعض التأليفات حول الماركسية وفي تلك الفترة كنت أرى أن الحزب الدستوري له بعض النقص في البعد الاجتماعي وتساءلت عن تلك الأملاك التي غنمها المستعمر كيف سيكون مصيرها... وتساءلت في ان عن القضية الاجتماعية والقضية الديمقراطية تحت تأثير بعض الأساتذة الفرنسيين من الشيوعيين والماركسيين...
ويقول حرمل : «كنت أحترم الحزب الدستوري لكن لم يقنعني الجانب الفكري فيه».
ويؤكد السيد حرمل أن الانتماء الى الشيوعية كان عبارة عن سباحة ضد التيار... كنا أقلية، وأذكر أنه كان معي توفيق بكار وتوفيق الجمني والعربي قسومة الذين حاولوا سنة 1948 الذهاب إلى فلسطين والتقنيا بالهاشمي المحمودي الذي كان منتميا للحزب الشيوعي وهو الذي أقنعنا بالانخراط في الحزب يقول المتحدث : الشباب أغلبه كان مع الحزب الدستوري باستثناء القطيعة التي حدثت بين الطلبة الزيتونيين والحزب سنتي 1949 و1950 التي قادتها لجنة صوت الطالب الزيتوني (الهيلة/قمحة/ قيقة).
**أخطاء ولقاء
ويقول السيد حرمل أن دخولهم ذلك كان في فترة تقلص فيها دور الحزب الشيوعي وارتكب خلالها الحزب عدة أخطاء (المنصف باي/طرد الأمين العام علي جراد سنة 1948) أضرت بسمعته في البلاد يقول... دخلنا وقتها ولم يكن الحزب ناجحا ولم نفكر أبدا في أننا دخلنا ضد التيار لأن الحزب الشيوعي برغم تقلص دوره فقد بقي ناشطا من خلال جريدة «الطليعة» وتوزيع المناشير والصراع مع الدستوريين.
وأشار المتحدث الى أن فترة الصراع تلك قد تخللها لقاء بين الحزب الشيوعي والحزب الدستوري سنة 1949... كان الحزب الدستوري وكأنه في حاجة الى الحزب الشيوعي للضغط على فرنسا وتشكلت لجنة الحرية والسلم التي ضمت في صفوفها علي البلهوان من الديوان السياسي للحزب وسليمان بن سليمان الذي قرر البقاء في اللجنة بالرغم من اعلان بورقيبة القطيعة وانهاء التعاون مع الحزب الشيوعي... ويواصل حرمل... لذلك السبب تم رفت سليمان من الحزب لكن بالرغم من ذلك بقي بورقيبة يلتقي به ويزوره في مكتبه!!!» وواصل سليمان رئاسة لجنة الحرية والسلم ولم يكن منخرطا في الحزب الشيوعي!»
ويؤكد السيد محمد حرمل أنه تم القاء القبض عليه في احدى المظاهرات سنة 1949 وفي المحكمة شهد أساتذته بحسن سيرته وسلوكه ويقول «لم أشعر بالحرمان من المسألة الوطنية والمشاركة فيها عند انتمائي للحزب الشيوعي كان هناك جوّ نضال وكنت أراه يناضل أكثر من الدستوري(!)..»
وتحدث حرمل عن دوره في تفعيل عدد من التحركات لتلامذة الصادقية وخاصة الاجتماع الكبير الذي تم في ساحة باب الجزيرة يوم فيفري 1949 بمناسبة اليوم العالمي ضد الاستعمار وكيف أن كل التلامذة شاركوا في الاجتماع برغم دعوة الشبيبة الدستورية الى مقاطعته وعدم المشاركة فيه..... ونوّه المتحدث بالدور النضالي لكل من خميس الكعبي والنقابي حسن السعداوي وتحدث عن «مشاكسته» ل»الهادي النويرة» الذي كان يقيم ندوات لتحسيس الطلبة وأشاد بالروح الديمقراطية للمرحوم فرحات حشاد الذي رفض طلب الحاضرين من الدستوريين طردي وقبل مناقشتي واعتراضاتي.
وقال السيد حرمل أنه لما كان في تربصات ترشيح المعلمين «بدأت الاضرابات العامة وخرجت وحدي من الصادقية في الاضراب العام الأول وفي الإضراب الثاني خرج كل الطلبة وتمت معاقبتي وتم تعييني للتدريس بالجبل الأبيض (نفزة) 4 كلم بعيدا عن باجة وكنت أتحول إلى مقر الحزب الشيوعي في باجة للاتصال مع مسؤوليه فتم ايقافي في مرة أخرى ونقلوني إلى بنزرت في مراكز الجندرمة وقبل أن يبعدوني إلى مدرسة في أطراف مدينة مكثر (حوش سفايا) وبعد شهر فقط جاء العسكر وحملوني الى سجن مكثر ثم نقلوني في «باشي» الى سجن قصر سعيد حيث وجدت عدة مساجين أغلبهم من الوطنيين الدستوريين الصادقين وبقينا فترة طويلة قبل أن ينقلوننا الى محتشد تبرسق وكانت هناك نقاشات و»خصومات» مع الدستوريين وكان محمد بلونة يقول «نحن سنعمل كل شيء (!)».
وبعد أن تم اطلاق سراحه يقول حرمل أنه كلف من الحزب الشيوعي للذهاب الى الميناء في الصباح الباكر لكي أقول للمسؤولين هناك أن يرفضوا دخول الأسلحة والعتاد العسكري للبلاد الذي كان يقع بحجة مقاومة الفلاقة وتم ايقافي وأحلت على المحكمة العسكرية ويؤكد حرمل أنه والى حدود تلك الفترة لم تكن عائلته تعرف شيئا عن نشاطه السياسي في الحزب الشيوعي(!)...
**تونسة وتصحيح مسار
ويشير محمد حرمل إلى أنه في تلك الفترة كان بالحزب يهود وفرنسيون ويقول... برغم أنهم كانوا مخلصين فإنه أصبح لدينا وعي بعدم معقولية وجود فرنسيين في قيادة الحزب وأصبح لدينا وعي بضرورة تونسة الحزب وبدأ بيننا نقاش... وفي مؤتمر 1956 حورنا القانون بأن لا يدخل الحزب إلا التونسيين خاصة بعد أن خرج منه أغلب الفرنسيين واليهود»...
ويفيد السيد محمد حرمل في شهادته التي شهدت نقاشات حول «أخطاء الحزب الشيوعي التونسي» التي أوقعت لبسا كبيرا في تاريخه خاصة في علاقته بالمستعمر وموقفه من «المسألة الوطنية» و»القضية الفلسطينية»... أن مؤتمر 1957 قد شهد نقدا ذاتيا شاملا ووقع الاعتراف بأخطاء الحزب يقول «برغم ما أضفاه الحزب من مسحة ديمقراطية واجتماعية على الحركة الوطنية فإن النقد الذاتي كان لا بد منه بحكم تغيّر الظروف وضرورة التأقلم معها والايجابي في كل ذلك أنه تمت تونسة القيادات رسميا وعمليا دخول عناصر جديدة للحزب أذكر منها نور الدين بوعجرود والحبيب عطية وامبارك الذين قدموا من فرنسا ودار نقاش هام حول مآل الحزب ووقع اتجاهان متناقضان الأول يرى ضرورة التفاعل الايجابي مع بورقيبة والسلطة الوطنية الجديدة والثاني يمثل المواقف المعارضة (الطبقية والانتصار للعمال والحركة الشغيلة) وقد طغى هذا الموقف الأخير أكثر وقدم نقدا لاذعا لبورقيبة وكأنه كان لا بد من ذلك لتبرير وجودنا كحزب معارض(!) وتدعمت هذه النقاشات في المؤتمر السابع للحزب الذي انعقد سنة 1962 والذي إن لم ينكر الدور الوطني للدولة الوطنية فإنه اعتبرها سببا في بناء البرجوازية وانهارت هذه النقاشات. ولم يكن بامكانها أن تتطور في أعقاب المؤامرة الانقلابية لسنة 1962 حينما اعتبر بورقيبة أن الحزب الشيوعي قد ساهم في «المؤامرة» بفعل لغة النقد واللهجة الشديدة التي كان يعتمدها في كتاباته وخاصة في عدد من المقالات التي تحدثت عن قصور التجربة البورقيبة وخرافة الاشتراكية الدستورية وبناء النظام لفائدة الأقلية... دون نسيان أن تلك الفترة قد شهدت انتشارا لفكرة الحزب الواحد في العالم العربي وافريقيا وكانوا يقولون حينها أن الديمقراطية هي في وسط الحزب الواحد(!) في حين قال حرمل أنهم كانوا يقولون أن الديمقراطية كل لا يتجزأ..».
**منع وسرية
ويواصل حرمل : «وتم منع الحزب من النشاط العلني وحدثت ملاحقات واعتقالات ومات حسن السعداوي في مركز الشرطة بباب سويقة ووقع اعتقالي في السجن الجديد بتهمة الثلب والمس بكرامة رئيس الدولة وأعضاء الحكومة وكانت الوضعية أتعس مما كانت عليه الأمور زمن الاستعمار الفرنسي وكان معي حينها عبد الحميد بن مصطفى والهادي جراد (مدير جريدة الطليعة) الذي وضع في منصبه ذلك لمجرد التغطية والتمويه فقط(!) وتمت مضايقات على مستوى جوازات السفر والطرد من العمل والمراقبة المستمرة»...
ويقول حرمل أنه التحق بالخارج لظروف صحية بعد أن تم اطلاق سراحه بعد أشهر وأن الباجي قايد السبسي هو الذي سلمه جواز سفره بعد أن رفض الطيب المهيري الذي كان في فترة ما وزيرا للداخلية تسليمه الجواز وكان يقول : بامكانه أن يعالج في تونس(!) وفي براغ وموسكو يقول السيد محمد حرمل أنه تعرف على مشاغل الأحزاب الشيوعية وبخاصة منها العربية وأن لقاءه بخالد بقداش المناضل الشيوعي السوري المعروف قد أفاده ايما افادة. والتحق حرمل بمعهد العلوم الاجتماعية بالاتحاد السوفياتي حيث تخرج سنة 1964 وعمل في مجلة السلم والاشتراكية التي كانت تصدر في براغ.
وعلى اثر رجوعه من الخارج إلى تونس سنة 1972 ساهم في تفعيل أنشطة الحزب السرية يقول حرمل... بعد التونسة والمحنة بدأنا في عملية التفكير في تجديد الأطروحات، وجاءت قضية التعاضد فساندنا الأهداف التقدمية وعارضنا الأساليب التي أثارت ردود فعل وتفاعلنا مع الخلافات داخل النظام ودعمنا الاتحاد العام التونسي للشغل واعتبارنا ما قام به الحبيب عاشور نزعة نحو استقلالية المنظمة الشغيلة... وجاءت مسألة أحمد المستيري وظهور نزعة ديمقراطية وحدث خلاف بيننا وقررنا أن نبقي على مساندتنا لبورقيبة وبن صالح لكن دون أن نقاطع المستيري(!) وفي نهاية النقاشات أصدرنا سنة 1974 وثيقة اسمها «البديل الديمقراطي والتقدمي» ساهمت فيها اطارات جديدة قدمت من رحاب الجامعة وبدأنا فعلا في حركة التجديد وتقديم البديل الذي قلنا أنه لن يكون اعادة تجربة سابقة وقلنا «نأخذ تجربة التعاضد لكن مع اضافة النزعة الديمقراطية»... (!).
التحريفية و»اليساراوية»
** و»رفع الحظر»(!)
وأشار السيد محمد حرمل إلى أن المؤتمر الثامن للحزب والذي انعقد سنة 1980 جرى في أجواء المنع والمحاصرة وقال كنا نتحايل وكانت لنا قيادات على قسمين نلتقي ليلا وفي سرية تامة ووقع انتخابي السكرتير الأول ثم أصبحت الأمين العام....
واستعرض المتحدث أطوارا من الصراع مع اليسارية (مجموعة بريسبكتيف) يقول : ساندناهم لكن اختلفنا معهم على خلفية اليساروية وكانوا يقولون عنا في الجامعة أننا تحريفيون ومن ذلك أن نشر عبد العزيز كريشان كتابه : «اجابة على التحريف الحرملي» وعن سر هذه الخلاف وهذه الاتهامات يقول حرمل : «قلت في بعض الكتابات أن مقولة «أنجلس وماركس» الدولة هي التعبير على مصالح الطبقة الاقتصادية والأقوى والمهيمنة» لم تكن صحيحة 100 في المثال التونسي وقلت : «الطبقة هذه لم توجد إلا بعد الاستقلال وأن الدولة بنيت قبل وجود هذه الطبقة... لذلك قالوا عني أني كفرت وأني تحريضي(!).
ويضيف السيد حرمل أن المؤتمر الثامن أعطى أرضية للشباب الذين دخلوا الحزب وتمكنوا من امتلاك قدرات خاصة زمن الصراع مع اليساريين والإسلاميين مما أدى الى رفع الحظر وتم السماح لنا باصدار «الطريق الجديد» ويواصل المتحدث : «وتمت اتصالات معي من أجل ما اذا كنت أرغب في لقاء بورقيبة، وجرت الاتصالات عن طريق المنجي الكعلي بواسطة الدالي الجازي (حركة الديمقراطيين الاشتراكيين) وناقشت الموضوع مع الهيئة السياسية واتفقنا أن أقابل بورقيبة وبرغم أن المسألة قد تأخرت بعض الشيء فقد تم اقرار موعد للقاء يوم 18 جويلية 1981 وأعلمني مدير الديوان الرئاسي المنجي الكعلي بذلك وقالوا لي : تلتقيه في دار الحزب فقلت لا وقالوا لي تشكره على «الجريدة» فقلت لهم : لا(!)».
وعن أطوار اللقاء يقول حرمل «عند دخولي قصر صقانس في المنستير صباح أحد أيامات رمضان وجدت وسيلة في استقبالي وقالت لي «أتريد قهوة؟!» فقلت لها : لا... واعترضني كذلك المنصف بن محمود مدير التشريفات، وبقيت قليلا مع وسيلة وقلت لها : «الجريدة فقط، نحن نريد الحزب، فقالت : «يلزمكم عامين!» وجاء بورقيبة ولأول مرة أرى بورقيبة وقد بدت عليه علامات المرض والشيخوخة وقال لي : أعرفكم مجاهدين وتحدث عن الأصوليين وقلت له : فضاؤنا محرومون منه فتساءل : «أحزبكم ممنوع؟!» فقلت له : «تم توقيف نشاط الحزب الشيوعي التونسي!» فقال : نرفع الحظر اذن... وقبل أن يخرج بورقيبة قال لي : «تمشيش تدور عليّ»... وفي الحقيقة لم يكن هناك أي التزام والدليل هو البيان الذي أصدرناه في وقت لاحق للقاء رفضا للاعتقالات والانتهاكات(!) وأشار المتحدث الى نقاش جرى مع وسيلة التي بقيت تعد نص البلاغ الذي سيصدر : «بقرار من رئيس الدولة أصبح الحزب معترفا به قانونا ولم يكن أحد على علم بذلك حتى الوزير الأول محمد مزالي أعلمته وسيلة بورقيبة».
وتحدث حرمل عن «الحدث الكبير» الذي مثله رفع الحظر عن الحزب وما رافقه من نشاطات ناجحة تمثلت خاصة في مهرجانات «الطريق الجديد» وحدث تحول كبير خاصة في اطار الصراع مع اليساريين والإسلاميين لكن السلطة غيرت موقفها وجاءت انتخابات 1981 التي شهدت تزييفا كبيرا وتراجعا للمسار نتيجة الضغط من اليسراوية والأصوليين وهي ضغوطات بالأساس فكرية ترمي إلى تكفيرنا ونحن كنا رافضين لكل توظيف للدين في السياسة وقد عبرنا عن ذلك صراحة وكنا نعتبر أن الدين مسألة مقدسة تجمع الكل ولا يجب لأحد أن يوظفها في عمله السياسي.
**المطلوب
وجاء المؤتمر التاسع للحزب (جوان 1987) الذي انعقد تحت شعار «ايقاف التدهور» وكان في ذلك جرأة كبيرة على حدّ تعبير محمد حرمل وشاركنا في مظاهرة تضامن في اطار لجنة شاركت فيها كل أطراف المعارضة مع ليبيا وتم ايقافنا....
ويواصل المتحدث : وبعد التغيير أنهينا العمل في اطار لجنة المعارضة دون أن تحدث عداءات وتفاعلنا ايجابيا مع « نوفمبر» وبدأنا نفكر في حركة التجديد مع التمسك بالجذور... وقال حرمل : أنا لا أتنكر لجذوري الشيوعية وأنا أستفيد منها لكن دون اعتبارها جذورا سرمدية مقدسة.
ويواصل حرمل «ورغبتنا كانت التأسيس لحركة فكرية وسياسية متطورة وحزب ديمقراطي تقدمي جديد وأنجزنا عدة ندوات ووقع نقاش وقناعة وتخلى البعض بحجة أننا تراجعنا عن المبادىء والأسس.. وبدأ البعض العمل ضدنا من ذلك أن محمد بالحاج عمر الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية اتصل بوزير الداخلية وطلب منه أن لا يمنح تأشيرة للحزب الجديد..»
ويقول السيد حرمل أنه اتصل بمصطفى بن جعفر وأنه طرح عليه الانضام للحزب الجديد واستغلال رخصة الحزب الشيوعي لكنه رفض وذكر بانضمام وجوه بارزة للحزب من قبيل محمد علي الحلواني ولخضر لالة.
وفي اطار تداعيات مواقفه من المسألة الدينية أضاف الأمين العام لحركة التجديد أن الحزب منحاز للشيوعية دون خلفيات سياسية وهناك من يستعملها للإساءة للحزب وألح المتحدث على أن الماركسية ليست دينا وليست تعويضا للدين والحزب ليس فكرة إلحادية وأضاف : «الجو الذي عرفته في الحزب منذ انخراطي به لم يكن يطرح تلك الاشكالية فعدد من مناضلي الحزب يؤدون فرائضهم الدينية من ذلك عمر صحابو وكذلك محمود السهيلي المناضل الكبير في الحركة الوطنية والحزب والذي كان من القيادة كان يصلي في المحتشد... وتطرق حرمل إلى أدائه للصلاة في جامع الزيتونة وقال : دعاني الرئيس بن علي بمناسبة المولد النبوي الشريف وتزامن ذلك مع أداء صلاة العصر ودخلت المسجد وأقيمت الصلاة وصليت مع الناس وعلى اثر ذلك هناك من ارتاح وهناك من أحدث مشكلة واعتبرها «ردة» في حين أنني اعتبرها عادية(!)..
ويرى السيد محمد حرمل أن حركته وحزبه قد قطعا مع الأخطاء السوفياتية باقرار الديمقراطية السياسية وقال : «ان كل من نادوا بالديمقراطية جاؤوا من خارج الحركة الوطنية باستثناء الحزب الشيوعي الذي نادى منذ انبعاثه بالديمقراطية وقال «لقد فشلت تجربة اليسار وسط الحزب الدستوري كما لم تنجح الديمقراطية التي خرجت من الحزب الدستوري متمثلة خاصة في حركة الديمقراطيين الاشتراكيين.
وأضاف أن السؤال اليوم هو كيف السبيل إلى بناء حركية ديمقراطية تقدمية متطورة تفيد البلاد. وقال : برغم المآخذ التي حملها بعض الحاضرين على هامش يوم الذاكرة الوطنية «لقد شعرنا بثغرات المفهوم الماركسي التقليدي ومنها الثغرة الديمقراطية وأضاف : لقد تأصلت الديمقراطية عندنا وأصبحت مسألة مصيرية وحاسمة لا رجعة فيها(!)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.