كان لا بدّ للاحتلال الأمريكي في العراق أن يسقط ما بيده.. أمام تلك الهبّة العراقية الخالصة، والتي جسّدها أبناء الفلوجة تجاه أبناء وطنهم واخوانهم في النّجف.. كان لا بدّ أن يصاب الاحتلال الأمريكي برجّة قد تعيد له جزءا من الصّواب، حين رأى أبناء العراق شيعة وسنّة يتوحّدون فيتّحدون على قاسم مشترك وطني، بعد أن راهنت أمريكا وأقامت شعاراتهاعلى أساس حرب أهلية، في العراق، حتى تبدو مهمتها أسهل من مهمة الانقليز في بداية القرن الماضي، وليبتلع العراقيون الطّعم الذي هيّأته الادارة الأمريكية مخطّطا طويل المدى في العراق، يبدأ فعليا مع اسقاط الأمريكان المحتلّين للنظام. الأمريكيون، وهم يشاهدون وفدا من الفلوجة الصابرة المنتصرة حديثا على خبث الاحتلال يقصد النجف الأشرف يحمل المؤونة والغذاء لإخوانهم المحاصرين والمجاهدين ضد الاحتلال، كان أجدر بهم أن يقرّوا بأخطائهم في التخطيط، لأن خطة «الدّومينو» «Dominoس التي تباهى بها الاستراتيجيون الأمريكان في العراق، نجدها اليوم تنقلب على السّاحر، وتصبح القوات الأمريكية والديبلوماسية الأمريكية هي «الدومينو» ذاته، بحيث تهاوت جميعها بمجرّد أن صمدت الفلوجة، وتمسّكت قوات الشاب مقتدى الصّدر بحقها في مقاومة المحتلّ، وبمجرّد أن تفطّن معذِّبو (إسم فاعل) العراقيين في سجون «أبو غريب» و»أم قصر» و»الناصرية»، الى أن ضحاياهم لهم «صبر أيّوب» وبأس «القعقاع» وهم يخضعون الى التعذيب حتّى الموت، ليقرّوا بما يرنو إليه العدو.. كان أجدى بالأمريكيين أن يحزموا أمتعتهم ويلوذوا بالفرار من العراق، فليس العراق هو المكان الأفضل لانطلاق مشاريعهم للهيمنة. كان على القوات الأمريكية التي تحتلّ العراق، أن تعي أنها تحرث البحر إذ هي حلمت يوما بأنّ العراق سيخضع لها أو أن العراق مختزل في حفنة تروم الكرسيّ المفخّخ، ذاك الكرسيّ المصنوع من جماجم الوطنيّين.. كان لا بدّ للأمريكان أن ينجزوا ما أقدم على التصريح به «بول بريمر» حين قال لن نبقى في بلد غير مرغوب فينا به، فهو العارف أكثر من الادارة الأمريكية كم يحبّ العراقيون الاحتلال؟ وكيف؟ وكان على الأمريكيين أن يقرؤوا ويقرؤوا الكثير عن العقل العراقي.. من حمورابي صاحب أول دستور مكتوب في الأرض الى المأمون باني بيت الحكمة، قبل أن يسقطوا في الفخّ..