القاهرة (خاص للشروق): من محمد دسوقي التقت «الشروق» الدكتور بطرس بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة ذلك العربي الوحيد الذي شغل ذلك المنصب والأمين العام الحالي للمجلس القومي المصري لحقوق الانسان. طرحت «الشروق» على الدكتور غالي عددا من التساؤلات حول القضايا الراهنة في المنطقة وأجاب عليها بتراكم خبراته كبروفيسور للعلوم السياسية.. ومزاول للعلاقات الدولية سواء بحكم المناصب الوزارية في مصر أو منصبه في الأممالمتحدة أو امانة منظمة الفرانكوفونية. أكثر من عنوان أدلى به غالي إلينا كان أبرزها تشاؤمه من مسار القضية الفلسطينية التي عادت إلى نقطة البداية مشيرا إلى أن المتوقع في السنوات القادمة ليس تسوية ولكن جهود متواصلة لوقف الممارسات الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، كما توقع ان تستمر الأحوال المتردية في العراق حتى انتهاء الانتخابات الأمريكية. وفيما يلي نص الحوار: «الشروق»: ما هو تقييمك للوضع في العراق حاليا.. وما هي فرص نجاح عملية انتقال السلطة في 30 جوان القادم؟ الدكتور بطرس غالي: ما حدث وما سيحدث كان متوقعا، وقد سبق وأكد الجميع في المنطقة أو خارجها ان العراقيين لن يسكتوا ولن يستسلموا للاحتلال، بل سيقاوموه بشدة خاصة بعد تكشف الأبعاد الحقيقية لغزو بلادهم، وان ذلك جاء لتحقيق أجندة خاصة وليس لتحرير العراق، وقد كان العراق من أبرز ضحايا 11 سبتمبر على الرغم من عدم صلته بهذه الأحداث، ولكن ادارة بوش عملت على اقناع الرأي العام الأمريكي والدولي بقدرة قوتها على معاقبة أي دولة تخرج عن نطاق القواعد التي تراها أساسية لاستقرار النظام الجديد المعتمد على هيمنتها كقوة وكقطب عالمي وحيد، وكذلك لارضاء المطالب الاسرائيلية بالتخلص من جار يكرهها ناهيك عن النفط العراقي. وفي ما يتعلق بعملية نقل السلطة فإن العبرة فيها بمدى السلطة الحقيقية التي ستحصل عليها خاصة وان واشنطن أعلنت أنها ستكون سيادة منقوصة بمعنى ان السلطة العراقية الجديدة ستكون هامشية وستظل السيادة الفعلية في قبضة الاحتلال، وهو ما يعني بصورة أخرى استمرار الاحتلال. كما ان احلال قوات تابعة للأمم المتحدة بدلا من القوات الأمريكية أمر لابد أن يكون مقبولا ويحظى بموافقة الشعب العراقي، وإلا فإنه لن يرى فرقا بين هذه القوات أو تلك، وأضف إلى ذلك أيضا مدى السلطة التي سيتم منحها للأمم المتحدة وهل ستكون مجرد أداة أو واجهة للسياسة الأمريكية أم ستكون مستقلة، وأعتقد ان الأوضاع الحالية ستظل كما هي دون تغيير حتى موعد اجراء الانتخابات الأمريكية وتحديد هوية الرئيس الأمريكي القادم. الصورة ليست قاتمة «الشروق»: وكيف تنظرون إلى حالة الامتهان والمذلة التي لحقت بالعالم العربي ليس فقط لاحتلال العراق ولكن من الممارسات اللاأخلاقية وغير القانونية ضد المعتقلين العراقيين؟ الدكتور بطرس غالي: هي بلا شك صدمة لكل العرب إلا أنه يجب أن ننهض لتجاوزها، وقد تعودنا على مواجهة الأزمات كما حدث في العدوان الثلاثي 1956 أو استبعاد ملك المغرب ونفيه إلى مدغشقر وضرب دمشق من قبل القوات الفرنسية 1919 وغيرها من الأحداث العصيبة التي تغلبت عليها الحكومات والشعوب العربية طوال القرن الماضي، ولكن يجب أن نسعى إلى مساعدة الشعب العراقي في محنته بشكل جدي والعمل على إعادة بناء الدولة العراقية واستتباب النظام والعمل على إزالة الاحتلال وإعادة الحكم إلى العراقيين. «الشروق»: وما هو دور الجامعة العربية والعرب بصفة عامة لرأب الصدع والانقسامات غير الخافية بين الدول العربية؟ الدكتور بطرس غالي: للأسف الشديد نحن نمر بأسوإ أزمة في تاريخ الأمة والجامعة العربية ولكن يجب أن نتذكر ان الجامعة مرت بأزمات مماثلة على مدى الخمسين عاما الماضية وأنا واثق ان الأمة العربية تستطيع تجاوز هذه الأزمات ومواجهة كافة التحديات الاقليمية والدولية التي تواجهها. وأرجو أن لا يرى البعض الصورة قاتمة تماما فكما توجد انقسامات في الصف العربي توجد أيضا انقسامات داخل «منظمة الوحدة الأوروبية» الاتحاد الأوروبي وكذلك انقسامات داخل الأممالمتحدة، وتكون هنا وظيفة العمل الدبلوماسي التغلب عليها، وأكرر ثقتي في أنه عاجلا أم آجلا سيتغلب التضامن العربي على هذه الانقسامات بنفس ثقتي من أن العمل الأوروبي سيتجاوز انقساماته بدليل التوسعات التي شهدها الاتحاد الأوروبي مؤخرا، وعلى كل الأحوال فإن الوحدة والتضامن هو سبيلنا للخروج من النفق المظلم الذي نعيشه حاليا، وذلك لأن الوضع في المنطقة دقيق وصعب ومعقد حاليا، ويحتاج إلى التأني والمزيد من التضامن لانقاذ ما يمكن انقاذه والمسارعة إلى احتواء التدهور الحادث وخاصة على صعيد القضية الفلسطينية. الانحياز الأمريكي «الشروق»: الانحياز الأمريكي السافر وغير المسبوق لاسرائيل كيف تنظرون إليه.. وهل تتوقع ان يتغير ذلك في حال فوز المرشح الديمقراطي كيري في الانتخابات القادمة؟ الدكتور بطرس غالي: «بوش» خالف بكل تأكيد كافة قرارات الشرعية الدولية باعلانه الأخير والمتكرر تأييده لخطة شارون كما اعتبره رجل سلام وكلها أمور أثارت سخط العالم أجمع بدليل المعارضة القوية والشديدة من جانب الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي، كما أن التصعيد الاسرائيلي وجرائم الحرب التي مازال يرتكبها شارون لن تحقق الأمن والاستقرار للشعب الاسرائيلي، كما ان الانحياز الأمريكي لاسرائيل لن يساعد على الاطلاق على مقاومة الارهاب، وعلى العكس فإن التصرفات الأمريكية تساعد على تنمية الارهاب وتدعيمه خاصة وان العالم العربي يعمل على مكافحته لأنه تضرر منه أكثر من أي دولة أخرى. ويجب أن نعلم ان الانحياز الأمريكي السافر لاسرائيل مرتبط بالانتخابات الرئاسية الأمريكية بشكل كبير حيث يحرص المرشحون على كسب تأييد اللوبي اليهودي من خلال المزايدة على دعم اسرائيل، وهو الأمر الذي نراه في تصريحات بوش ومنافسه كيري، وهناك من يرى ان القيادة الأمريكية الحالية تختلف عن القيادات السابقة لأنها تؤمن بايديولوجية أصولية منحازة لاسرائيل بشكل غير مسبوق سواء كانت جمهورية أم ديمقراطية، ومن الصعب أن نحدد أو نتكهن بالوضع في المستقبل، وعلينا ان ننتظر نتائج الانتخابات الأمريكية لنتعرف على الرئيس الأمريكي الجديد وهل يصاحبه تغيير أم لا.. وهل إذا استمر بوش سيكون هناك أسلوب أكثر انحيازا من عدمه وهل يمكن أن يقل ذلك الانحياز على خلفية أن فترته ستكون الأخيرة بحيث لن يكون بحاجة إلى المزايدة على أصوات اليهود، وخلاصة القول ان الأيام وحدها كفيلة بالاجابة. البوليس الدولي «الشروق»: ولماذا لا يمكن المراهنة على الرأي العام الأمريكي خاصة في ظل تدهور شعبيته بسبب الأحوال المتردية في العراق؟ الدكتور بطرس غالي: هناك بالفعل انخفاض حاد في شعبية بوش وفقا لاستطلاعات الرأي التي تظهر عدم الرضا عن قيام الولاياتالمتحدة بدور البوليس الدولي لأنه مهما كانت درجة الجبروت فلا يمكنها بمفردها أن تلعب ذلك الدور، ومن هنا تزايدت المطالبة بتوسيع مشاركة الدول الأخرى في العراق، وأعتقد أن الساحة الدولية قد تشهد العديد من المتغيرات الدولية سواء بظهور دول كبرى جديدة تصبح ندا للولايات المتحدة ليتم العودة من جديد إلى التعددية السياسية في إطار الأممالمتحدة، أو أن يأتي رئيس جديد لأمريكا يعمل على احداث تغيير في سياسة بلاده الخارجية، وبشكل عام أؤكد ان التحيز لاسرائيل ناتج عن نشاط اللوبي الصهيوني داخل الولاياتالمتحدة وغياب جماعات الضغط العربية. الوصول للمنصب «الشروق»: على ذكر السياسة الخارجية.. هناك من يقول ان حصولك على منصب الأمين العام للأمم المتحدة عام 1992 كان نوعا من المكافأة لمصر على دورها في حرب الخليج الثانية؟ الدكتور بطرس غالي: هذا الكلام غير صحيح، فقد كانت هناك معارضة أمريكية لترشيحي للمنصب، كما امتنعت انقلترا عن التصويت وبالتالي لم يأت كمكافأة أو هدية، ولكن الدول التي ساعدتني في الوصول لذلك المنصب هي: فرنسا والصين وروسيا وقد فوجئت الولاياتالمتحدة بذلك الانتخاب وكان صدمة للإدارة الأمريكية! ولم يأت ذلك المنصب مصادفة فقد كانت خطواتي واضحة ومخططا لها فقد حاولت قبلها الحصول على منصب مدير عام اليونسكو ولم أنجح ولكن عملت في عدد من المنظمات الدولية وكان لي اتصالات بها. «الشروق»: من خلال خبراتكم في عملية السلام والتسوية السياسية للصراع العربي الاسرائيلي منذ زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى القدس.. ما هو تقييمكم لهذه العملية حاليا؟ الدكتور بطرس غالي: بصراحة أنا متشائم وأرى ان القضية عادت مرة أخرى إلى المرحلة التي كانت عليها قبل زيارة الرئيس السادات للقدس، وبالتالي ستكون كل المجهودات التي ستبذل خلال الشهور والسنوات المقبلة من وجهة نظري لاحتواء الوضع المتفجر والمجازر اليومية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وليس لايجاد تسوية للقضية. زمن الحرب «الشروق»: منذ توليت منصب الأمين العام للأمم المتحدة وحتى ترككم له كنتم تنادون بالسلام وأطلقتم وقتها «خطة السلام».. فلماذا فشلت.. وهل ترى أننا نعيش في زمن الحرب.. ولماذا أيضا لم تنجح الأممالمتحدة في احتواء ذلك التردي؟ الدكتور بطرس غالي: نعم نحن نعيش زمن الحرب منذ انتهاء الحرب الباردة وأحمد اللّه أنني لست حاليا في موقع الأمين العام للأمم المتحدة في ظل تلك الظروف بالغة التعقيد، فقد كان الأمر في الحرب الباردة: يتمثل في سيطرة القوتين العظمتين (أمريكا والاتحاد السوفياتي السابق) تسيطران على دول الحلف الذي تتزعمه كل منهما وتقوم بالسيطرة على أي صراعات قد تظهر فيها، ولكن بعد انتهاء هذه الحرب الباردة انتشرت الحروب ولم يعد هناك من يهتم بها. ولقد بذلنا جهودا كبيرة في عامي 1992 و1993 وحاولنا ان تتدخل الأممالمتحدة لتلعب دور الوسيط من أجل احتواء تلك الحروب، ولكن ومع الأسف فقد أدى تعرض 18 أمريكيا للقتل على أرض الصومال إلى رفض الولاياتالمتحدة الاستعانة بالمنظمة الدولية من أجل اجراء عمليات حفظ السلام، ولكن لا يمكن اغفال أن الأممالمتحدة تلعب حتى الآن دورا لا يمكن انكاره ونجحت في انهاء الحروب في العديد من المناطق المتفجرة في العالم. مبادرات الاصلاح «الشروق»: عادت للسطح وبقوة مبادرة الشرق الأوسط الكبير بعد فترة انزواء لها وازداد الجدل حولها مجددا مع قرب اجتماع قمة دول الثمانية الصناعية التي ستناقشها.. كيف تنظرون إلى هذا المشروع.. وإلى الآلية التي يتم بها الاصلاح.. من الداخل أم الخارج؟ الدكتور بطرس غالي: بداية فإن مشروع الشرق الأوسط الكبير ليس سوى مشروع لم يناقش بعد ولم يعلن بصورة رسمية لكن أستطيع التعليق عليه ولكنني بصفة عامة لا أرتاح إليه لأنه قد يؤدي إلى اضعاف تماسك الدول العربية وتهميش القضية الفلسطينية لأنه سيعمل على ادخال قضايا أخرى في مناطق أخرى قد يكون لها على المستوى الدولي «سخونة» وأولوية أكثر وفقا لأولوياتها، كما ان مطلب الاصلاح ليس مطلبا أمريكيا بقدر ما هو دولي والدعوة إليه لا تقتصر على العالم العربي ولكن على مختلف دول العالم، وقد بدأت هذه العملية مع نهاية الحرب الباردة حيث ظهر لأول مرة الربط بين الديمقراطية وحقوق الانسان وذلك في المؤتمر الذي عقد تحت رعاية الأممالمتحدة في فيينا عام 1993 حيث حدث تغيير جذري وبدأ المجتمع الدولي يربط بين منح المساعدات لدول بعينها وبين مدى اتباعها للنظام الديمقراطي وحقوق الانسان. وعلى هذا فإن مبادرات الاصلاح ليست دعوة أمريكية وإنما دولية، ولكن الملاحظ أن واشنطن تستغل مسألة الدفاع عن حقوق الانسان وتستخدمها لتحقيق مصالحها الشخصية رغم انها لا تمارسها، وأرى ان الاصلاح لابد ان ينبع من داخل الدول والشعوب ولا يمكن فرضه من خارجها، وذلك على أساس أنها الأدرى بشؤونها وما يتناسب مع طبيعتها الخاصة التي تختلف من دولة لأخرى. أما أن يتم فرض الاصلاحات عن طريق الضغوط والتدخلات الخارجية فهذا أمر مرفوض.