مع عودة التحكيم الأجنبي.. تعيينات حكام الجولة 5 "بلاي أوف" الرابطة الاولى    استقالة متحدثة من الخارجية الأميركية احتجاجا على حرب غزة    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    ماذا في لقاء سعيد برئيسة اللجنة الوطنية الصلح الجزائي..؟    أخبار المال والأعمال    سليانة .. رئس الاتحاد الجهوي للفلاحة ...الثروة الغابية تقضي على البطالة وتجلب العملة الصعبة    وزير السّياحة: تشجيع الاستثمار و دفع نسق إحداث المشاريع الكبرى في المجال السّياحي    «الشروق» ترصد فاجعة قُبالة سواحل المنستير والمهدية انتشال 5 جُثث، إنقاذ 5 بحّارة والبحث عن مفقود    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    لدى لقائه فتحي النوري.. سعيد يؤكد ان معاملاتنا مع المؤسسات المالية العالمية لابد ان يتنزل في اختياراتنا الوطنية    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    حركة النهضة تصدر بيان هام..    بالثقافة والفن والرياضة والجامعة...التطبيع... استعمار ناعم    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    تراجع الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    وزارة التعليم العالي: تونس تحتل المرتبة الثانية عربيًّا من حيث عدد الباحثين    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    وزير الشباب والرياضة يستقبل اعضاء فريق مولدية بوسالم    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 25 أفريل 2024    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها الأول على الملاعب الترابية منذ 2022    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    هام/ بشرى سارة للمواطنين..    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث الأحد: د. محمد صالح الهرماسي ل»الشروق»: المقاومة تؤسس لمستقبل عربي جديد
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

هل يمتلك العرب القدرة على مواجهة التحديات الراهنة؟ سؤال طرحناه على الأستاذ محمد صالح الهرماسي عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي لتأتي الاجابة في سياق حوار طويل تطرق إلى قضايا أخرى ارتبطت بشكل مباشر أو غير مباشر بالسؤال الأم... وقد نختلف مع الأستاذ الهرماسي أو نتفق معه لكننا نستطيع أن نرصد في أجوبته ملامح مشروع فكري سياسي ينطوي على قدر كبير من التفاؤل بالمستقبل وثقة بقدرة الإنسان العربي على المقاومة.... هنا نص الحوار :
* خطورة التحديات التي يواجهها العرب في هذه المرحلة العصيبة من تاريخهم وما يظهر من عجزهم عن مواجهتها بجدية وفاعلية تثير قدرا كبيرا من الاحباط واليأس لدى أعداد متزايدة من جماهير الأمة ناهيك عن بعض المثقفين والكتاب والباحثين الذين وصل بهم التشاؤم إلى حد التشكيك في جدوى هذه المواجهة أصلا. ومع ذلك نراك في كل كتاباتك ومحاضراتك تؤكد على أن العرب قادرون على المواجهة... فهل يمتلك العرب القدرة على مواجهة التحديات الراهنة حقا؟
أخشى أن تتضمن صياغة سؤالك ايحاء بأن ما يعيشه العرب الآن من أوضاع شديدة التردي هو قدر اعتادوا عليه ولا فكاك لهم منه بسبب اختلال موازين القوى لصالح أعدائهم من جهة وغياب آليات المواجهة الفاعلة وتدهور مناعة الجسد العربي من جهة أخرى. كما أود أن أشير الى أن استخدام مفاهيم ومصطلحات غائمة الدلالة وشديدة العمومية يجعلها حمالة أوجه ومضامين مختلفة، بل وحتى متناقضة... وقد توظف هذه العمومية لغايات سياسية وايديولوجية معادية... ومن هنا فإن مفهوم العرب بصيغته العامة والفضفاضة التي وردت في سؤالك يمكن أن يثير بلبلة فكرية وسياسية ويشيع بالتالي المزيد من الاحباط واليأس. وأنا هنا لا أثير اشكالية لغوية وانما اشكالية سياسية، فمفهوم العرب كما ورد غير محدد الدلالة في الفضاء السياسي وبالتالي فإن أي جواب على سؤالك (ايجابا أو سلبا) دون تحديد هذه الدلالة لا يمكن تجاوز عمومية المفهوم حتى لو دعمته أدلة قوية وبراهين واقعية... ثم ان السؤال في تركيزه على اللحظة الراهنة كأنه يضفي عليها معنى الاطلاق مصادرا بذلك اللحظة القادمة أي المستقبل ونافيا امكانية التغيير التي يمكن أن ينطوي عليها هذا المستقبل... لكل هذا سأجيب عن سؤالك من خلال تحديد المقصود بمفهوم العرب أولا ودون اختصار لمفهوم الزمن في لحظة الضعف العربي الراهنة ثانيا. فإذا كان المقصود بالعرب الأمة العربية. وهذا صحيح من حيث المبدأ، فإن السؤال يصبح : هل تشكل الأمة العربية حاليا وجودا سياسيا موحدا؟ أعتقد أن الأمة في وضعها الراهن هي عبارة عن وحدة ثقافية ولكنها أمة مجزأة سياسيا. واذا اتفقنا على أن الإرادة التي تصنع القوة لا وجود لها إلا في الاجتماع السياسي والوحدة القومية فإن الأمة في وضعها الراهن لن تتمكن من قهر التحديات. وأقول أكثر من ذلك أن التجزئة السياسية قد لا تقف عند انتاج ارادة مجزأة بل قد تجعل من الأجزاء أجزاء متناقضة ومتناحرة تدفعها الأنانيات والمصالح الضيقة الى الاحتماء حتى بالاعداء...
* أستاذ الهرماسي... دعني أقاطعك هنا لأسأل لماذا هذا المنطق المثالي الذي كثيرا ما انتقد الفكر القومي بسببه أعني (كل شيء أو لا شيء) فإما الوحدة القومية وإما العجز؟...
سؤالك مشروع وأنا ضد هذه ال»إما وإما». الوحدة في هذا السياق ليست الوحدة الناجزة اندماجية كانت أم غير اندماجية كما تبادر إلى ذهنك ما أقصده بالوحدة في هذه المرحلة هو كل عمل عربي مشترك على طريق الوحدة، وبالتحديد التضامن العربي بل الحد الأدنى من التضامن العربي السياسي والاقتصادي المفتوح على الوحدة والذي يمكن أن يتحقق اذا اقتنعت الأنظمة العربية بحقيقة أنها مستهدفة ومهددة، وأن لا مخرج حقيقيا لها إلا من خلال العمل العربي الجماعي... أتابع، بعد هذا، الجواب عن سؤالك الأول لأقول أنه اذا كان المقصود بمصطلح عرب الحركات والأحزاب القومية بمختلف أطيافها وأوضاعها السياسية سواء أكانت في السلطة أو في المعارضة، فإن السؤال يجب أن يوجه اليها كونها الحامل التاريخي للطموحات الوحدوية والمبشرة بوحدة الإرادة تمهيدا لامتلاك القدرة. لكن ما نلاحظه للأسف هو أن هذه الحركات والقوى ليست بمنأى عن حالة التجزئة والتشرذم والانقسام.
وقد عبرت الحركة القومية عموما عن حالة التجزئة هذه في برامجها ومواقفها وقراءاتها وخطابها وموقعها في الحركة السياسية اليومية.
ولذا أعتقد أن هذه الحركة مطالبة هي الأخرى بتجديد نفسها فكرا وممارسة على قاعدة نقد تجربة المرحلة الماضية والعمل بشكل جدي وواقعي على بناء مرجعية قومية فكرية وسياسية منفتحة على كل الأطياف السياسية في الأرض العربية ومتجذرة في ثقافتنا وتراثنا وتجربتنا الحضارية ومنفتحة أيضا بوعي وإدراك عميقين على المستقبل وعلى الآخر.
أما إذا كان المقصود بالعرب الجماهير العربية فإن حالة القهر السياسي والاجتماعي والاقتصادي التي تعيشها هذه الجماهير وغياب المشاركة السياسية اضافة الى الخيبات المريرة التي ولّدت لديها إحباطا عميقا... كل هذه العوامل أدت بها الى أن تفقد الثقة ليس بالأنظمة الحاكمة فقط بل وبالحركات والقيادات التي تدعي التعبير عن أهدافها والتحدث باسمها.
* اسمح لي أستاذ الهرماسي بمقاطعتك مرة أخرى... لماذا تصر على أن المقصود بالعرب هو إما الأنظمة العربية أو الحركات القومية أو الجماهير... لماذا لا يكون المقصود هو كل هؤلاء مجتمعين كما أردت من سؤالي..؟
لأن واقع الحال يقول أن الأنظمة في واد والحركات في واد والجماهير في واد ثالث. مع ذلك لا أريد أن يفهم من جوابي اصرار على تأكيد وضع التقابل وحالة التناقض ولا سيما بين الأنظمة والجماهير. فأنا لا أحمّل الأنظمة أكثر مما تتحمل كما لا أعفي الجماهير من مسؤوليتها عن الوضع العربي الراهن، وما أراه تجاوزا لهذه الاشكالية هو تجديد الوعي العربي وتجديد الخطاب السياسي العربي بما يحرك العمق الجماهيري بمستوياته الثقافية والسياسية والروحية كافة وبما يسمح بعد ذلك باعادة الاصطفاف حول الأهداف القومية أو ضدها. وأغلب الظن أن جزءا من السلط الحاكمة وأغلبية من القوى والأحزاب والحركات السياسية العربية الوطنية والقومية وشرائح واسعة من الجماهير ستلتف حول الأهداف القومية والمشروع النهضوي العربي فيما سيقف جزء آخر من السلط وبعض القوى السياسية ضد هذه الأهداف... ما أود أن أخلص اليه من اجابتي على سؤالك الأساسي هو اننا من خلال استعراض دلالات مفهوم العرب في الفضاء السياسي نلاحظ أن عنصر الإرادة من حيث هو البناء الضروري والمؤسس للقوة هو الحلقة المفقودة في حياتنا السياسية العربية في اللحظة الراهنة على الأقل.
* الإرادة وبالتالي القوة غائبتان إذا وهذا يعيدنا الى السؤال الأول : متى الخروج من النفق العربي المظلم؟...
الحلول تصنع بالعمل والجهد والتضحيات ولا تقدم على أطباق من ذهب. أما استعجال الحل بما يتضمنه من أهداف الوحدة والتقدم والديمقراطية وغيرها من منطلق الرغبة الشخصية فقط فأمر مجاف للواقع وبعيد عن المنطق... أنا من جانبي واثق بالمستقبل وأعتقد أنه سيحمل من العوامل ما يساعد على مواجهة الأخطار التي تهدد الأمة، كما أستطيع أن أرى في اللحظة الراهنة وبالرغم من أجواء الإنكسار والخيبة المسيطرة حالة مخاض تبشر بولادة عناصر الإرادة والقوة وانبعاث حالة سياسية وثقافية ذات عمق شعبي عربي واسع قادرة على قهر التحديات الخطيرة وفي مقدمتها احتلال فلسطين والعراق والجولان ومزارع شبعا. وليس هذا من باب التفاؤل الثوري أو غيره ولكنه نتيجة قراءة لما يبرز في الواقع العربي حاليا من تنامي حركة المقاومة العربية للاحتلال ورفض مشاريع الهيمنة الأمريكية والصهيونية على المنطقة العربية.
كأنك ترى في المقاومة طريقا للخروج من النفق ومؤشرا كافيا على مستقبل عربي واعد؟..
الواقع هو الذي يؤكد عمق تأثير المقاومة إلى حد ربط المصير القومي العربي بنتائجها. والحقيقة أن انتصار المقاومة في العراق مثلا لا يعني تحرير العراق ودحر المشروع الأمريكي فقط، بل يعني أيضا نهاية أسطورة الإمبراطورية الأمريكية... أي أن مفعول المقاومة لا ينحصر في الواقع العربي بل سيمتد ليشمل العالم عبر اعادة صياغته وتصحيح العلاقات الدولية المختلة. وما دام للمقاومة هذا التأثير الحاسم في تغيير مصير العرب والعالم فإن دعمها سياسيا واعلاميا وماديا هو اليوم من أوكد واجبات الدول العربية أنظمة وشعوبا، وقوى الحرية والعدل في العالم...
* كأنك تراهن على المقاومة وأكثر من ذلك على حتمية انتصارها... وهذه نظرة غير موضوعية... خذ المقاومة الفلسطينية التي ما زالت بعد عقود من الزمن بعيدة عن تحقيق أهدافها؟..
دعني أقول أولا أن اختيار المقاومة ليس من أجل المقاومة. انما هو طريق تسلكه الشعوب لتحرير أرضها واستعادة سيادتها وكرامتها وإذا ما توفرت حلول سياسية تحقق هذا الهدف فلا أعتقد أن هناك من يرفض هذه الحلول... التجربة الفلسطينية تؤكد أن العدو المحتل هو الذي يفرض على الفلسطينيين خيار المقاومة لأنه هو من يرفض اعادة الحقوق لأصحابها ويصر على فرض الاستسلام على الفلسطينيين وقد استنفدت السلطة الفلسطينية كل الوسائل السياسية بما فيها تقديم التنازلات دون جدوى بل أدى ذلك بالعكس الى استشراس العدو الصهيوني وازدياد غطرسته التي تجسدت بشكل سافر في بناء جدار الفصل العنصري... صحيح أن المقاومة الفلسطينية لم تحقق أهدافها بعد، ولكنها ماضية نحو تحقيق هذه الأهداف وقد أنجزت حتى الآن الكثير... لا أقصد فقط الضربات الموجعة التي ما انفكت توجهها إلى الكيان الصهيوني والخسائر الاقتصادية التي تلحقها به وغير ذلك مما يضيق المجال عن ذكره... فالمقاومة، أهم من كل ذلك، غذت وتغذي الصمود الفلسطيني والتمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية كما أنها نجحت في تحويل القضية الفلسطينية الى قضية انسانية واخلاقية تلقى تأييد شرفاء العالم وأحراره وكشفت الطبيعية الاجرامية للكيان الصهيوني أمام الرأي العام العالمي الذي شهد تحولا نوعيا ضد اسرائيل ولا سيما في أوروبا التي أظهر استطلاع للرأي فيها أن 60 من مواطنيها يعتقدون أن إسرائيل والولايات المتحدة هما مصدر الخطر على الأمن والسلام في العالم... وفي اعتقادي أنه اذا ما رفع الغطاء الأمريكي عن اسرائيل، وفعّلت الأنظمة العربية سياسة مقاطعة اسرائيل وقبل هذا وذاك اذا ما تعززت الوحدة الوطنية الفلسطينية بما فيها السلطة المحاصرة التي لم تعد تملك من خيار سوى التحول الى صف المقاومة. وإذا ما تنامى الدعم العربي والإسلامي والدولي للمقاومة فإن هذه الأخيرة ستحقق أهدافها لا محالة... هذا عن المقاومة الفلسطينية، لكن هناك تجربة أخرى أثبتت جدوى المقاومة بشكل رائع هي التجربة اللبنانية التي لا يختلف اثنان على عظمة الانجاز الذي حققته. واذا فإن ضرورة المقاومة وجدواها لا تنبعان من رغبات أفراد أو جماعات بقدر ما تنبعان من واقع الصراع الذي يقول أن العدو الصهيوني لا يفهم إلا لغة المقاومة.
* إذا أنت ترى في المقاومة عاملا أساسيا لاسترداد الإرادة والقوة؟
دون شك... ففي المقاومة اثارة للحمية الوطنية والقومية واستنفار لعناصر القوة في الشخصية العربية بما فيها العناصر الروحية والثقافية. ومن خلالها يتم احياء الذات العربية الفاعلة التي تعرضت خلال عقود طويلة من الزمن الى المسخ والتشويه والإضعاف والتفكيك... نعم إن المقاومة لا تحررنا من الاحتلال فقط ولكنها تحررنا أيضا من مفاعيل العجز والقعود التي تكبل إرادتنا وتعيق حركتنا... إنها تؤسس بالتالي لمستقبل عربي جديد.
* قد لا نخالفك الرأي حول أهمية المقاومة، ولكن لماذا استبعاد السياسة كليا... هناك من يعتقد أن الحل السياسي للصراع العربي الصهيوني ما زال ممكنا؟..
أي حل هذا...! لقد ركضنا وراء الحلول السياسية لمدة طويلة، وحتى قبل أن تبدأ المقاومة بشكلها الراهن وكلما قبل العرب بحل رفض الصهاينة تنفيذه وأقدموا بدعم أمريكي على تخفيض سقفه، وهكذا توالى تقزيم الحلول وتنزيل سقوفها واضطر العرب الى تقديم التنازل تلو التنازل حتى وصلنا الى ما وصلنا اليه... لا شك عندي أن هدف اسرائيل الحقيقي من هذه السياسة هو كسر إرادة العرب والغاؤها الى أمد طويل حتى تتمكن من تحقيق مشروعها التوسعي وهيمنتها على المنطقة. ألم يتقدم العرب بمبادرة بيروت التي رضيت باستعادة الحد الأدنى من الحقوق المغتصبة. فماذا كانت النتيجة؟ من المستهجن الآن وفي ظل ما نشهده من تفاقم الإجرام الصهيوني وتعاظم الانحياز الأمريكي لإسرائيل الذي وصل إلى حد مطالبة الرئيس الأمريكي العالم بشكر شارون على جرائمه ضد شعبنا في فلسطين، واتبع ذلك برسالة الضمانات التي أطلقت يد شارون للمضي قدما في محاولة تصفية القضية الفلسطينية وإبادة الشعب الفلسطيني... من المستهجن والحالة هذه أن نتحدث عن حلول سياسية وعن راع أمريكي لعملية السلام وغير ذلك من مزاعم لم يعد يصدقها أحد من أبناء شعبنا العربي كي لا أقول أنها باتت تثير القرف لفرط ما تنطوي عليه من كذب ونفاق....
* أنت ترى في المقاومة ردا على تحدي الاحتلال... ولكن ماذا بشأن التحديات الأخرى لا سيما وأن بعض الباحثين والمفكرين يعتقدون أن لا سبيل إلى النهوض والتغلب على التحديات بما فيها الاحتلال إلا باحداث قطيعة جذرية مع المفاهيم السياسية والثقافية البالية وطرق باب الحداثة بمضامينها العقلانية والديمقراطية والعلمانية؟...
أعتقد أن لا أحد ينكر ما يعصف بواقعنا العربي من أزمة عميقة تتطلب منا بكل تأكيد العمل على تجديد الفكر العربي واعادة الاعتبار الى العقل الذي غيبته السلط السياسية والسلط الثقافية والدينية التي تدور في فلكها... لكن الاختلاف القائم هو حول طبيعة عملية التجديد ومصادرها... أنا من جانبي أرفض استيلاد الأفكار والمفاهيم الحداثية بعملية قيصرية، وأعتقد أن ذلك غير ممكن أصلا، واذا كان ممكنا فهو غير مجد، ان عملية التجديد المطلوبة والمشروعة هي تلك التي يجب أن تولد من الحراك السياسي والاجتماعي والثقافي في منطقتنا العربية بعيدا عن كل الاملاءات والإكراهات الخارجية التي لا تغيب عنا أهدافها ومراميها... وعلى خليفة صراع الوجود الدائر بيننا وبين أعدائنا الصهاينة وحلفائهم الأمريكيين لا يمكن لأي مشروع نهضوي وتجديدي عربي أن يتم إلا من خلال المقاومة والممانعة ورفض المشاريع الواردة من الخارج سواء على ظهر الدبابات أو بوساطة الدبلوماسية الأمريكية...
* لعلك تقصد مشروع الشرق الأوسط الكبير؟
نعم وأنا لا أكتفي بالقول أن هذا المشروع مشروع استعمار معاد لمصالح أمتنا العربية بل أذهب أبعد من ذلك إلى القول أنه، وهو الذي يزعم أن هدفه اصلاح المنطقة، مشروع مضاد كليا للإصلاح في حقيقته ذلك أن السياسة الأمريكية كما نعلم محكومة بالمصالح وليس بالمبادىء والمثل الأخلاقية والمصلحة الأمريكية تقضي بأن لا تعرف المنطقة العربية اصلاحا حقيقيا (ما انفكت الجماهير العربية تطالب به وتناضل في سبيله منذ عقود) لأن مثل هذا الاصلاح يتطلب انهاء الاحتلالين الصهيوني والأمريكي لفلسطين والعراق كما يتطلب ديمقراطية حقيقية وتنمية عربية مستقلة وهو ما يعني عمليا نهاية الوجود الأمريكي في المنطقة سواء كان احتلالا مباشرا أو تواجدا عسكريا أو تبعية لأمريكيا أو سيطرة اقتصادية ونهبا للثروات العربية...
* فكيف ترى الإصلاح إذا....
أشرت إلى بعض عناوينه في الجواب السابق وأضيف أنني أنظر اليه كمشروع شامل يشمل السياسة والثقافة والتربية والدين... الخ. ولكن في اطار هوية المنطقة وليس ضدها... خذ منطقة المغرب العربي على سبيل المثال هل يمكنك أن تتصور قيام عملية اصلاح شاملة فيها تتجاهل هويتها العربية الإسلامية أو تقفز فوقها؟ لا أعتقد أن ذلك ممكن بل ان عملية الاصلاح والتجديد ينبغي أن تبدأ من هذين الركنين المندغمين تماما في الحالة المغاربية، العروبة والإسلام... ولا شك أن تجديد الفكرين القومي والإسلامي في هذه المرحلة التي تتعرض فيها العروبة والإسلام الى حملة تشويه مغرضة خارجية وداخلية سيفتح أفقا واسعا أمام امكانية تحقيق المشروع النهضوي العربي المنشود.
* أين الديمقراطية من هذا المشروع... هل ترى فيها تعارضا مع ثوابت الهوية لا سيما وأنك من الذين يركزون كثيرا على قضايا الهوية والخصوصية الثقافية...
لا أرى تعارضا من حيث المبدأ ولا شك عندي في أن الديمقراطية هي أحد المفاتيح الرئيسية للأزمة العربية الراهنة. لكن لي اعتراضا عميقا على النزعة (الديمقراطية) اذا جاز التعبير وهي التي تختزل مشاكل العرب كلها في غياب الديمقراطية وتعتقد أن هذه الأخيرة هي عصا سحرية قادرة بضربة واحدة على تغيير الواقع العربي بين عشية وضحاها. كما أني أرفض بالشدة نفسها النمط الجاهز للديمقراطية الغربية الذي غالبا ما يتعارض مع الثوابت الثقافية والروحية للأمة بل وقد يصل إلى حد التعارض مع الثوابت الوطنية والقومية. ما أراه هو أن الديمقراطية عملية تراكم اجتماعي واقتصادي وثقافي طويلة المدى لا تقوم بقرار ولا تلغى بقرار... وقد احتاجت الديمقراطية الغربية الى قرون من التطور حتى وصلت الى ما وصلت اليه... لا أقصد من هذا أن علينا انتظار قرون من الزمن لإنجاز ديمقراطيتنا العربية ذلك أن ماضينا وحاضرنا لا يخلوان من ارهاصات في هذا المجال، أن التجارب الديمقراطية في العالم بما فيها التجربة الغربية يمكن أن تفيدنا وتساعدنا على اختصار الزمن. لكن علينا أن نتصدى الى العوامل الخارجية والداخلية التي تقطع علينا الطريق الى الديمقراطية من جهة وأن نجتهد في اقامة الديمقراطية المنسجمة مع ثقافتنا وقيمنا من جهة أخرى. صحيح أن جوهر الديمقراطية واحد ولكن التطبيقات تختلف باختلاف الخصوصيات الاجتماعية والثقافية. واذا كان من بين العرب من يبالغ في التأكيد على هذه الخصوصية فلأن ثمة اليوم تهديدا حقيقيا لذاكرتنا الوطنية وهويتنا القومية وذاتيتنا الثقافية... احتلال العراق يغذي هذه المخاوف فقد تبين أن أهدافه تتجاوز اغتصاب الأرض ونهب الثروات الى تفكيك الوحدة الوطنية وتدمير الثقافة والتراث... وفي ذهني واقعتان لهما دلالة بالغة في هذا الخصوص أولاهما : قوات الاحتلال تدخل بغداد في ربيع 2003 وتترك متاحف ومكتبات العراق عرضة للنهب والتدمير، بل تحرض على ذلك في حين تسارع الى حماية وزارة النفط... ويؤكد بعض شهود العيان أن من قاموا بتلك الجريمة لطمس هوية العراق تمهيدا لإلغاء وجوده المتميز ليسوا فقط من الرعاع كما قال اعلام الاحتلال، بل كانت تتوسطهم، وهذا هو بيت القصيد، مجموعات من المخابرات الصهيونية الحاقدة... وثانيتهما قول جورج بوش الأب عام 1992 (لقد ربحنا الحرب الباردة بعد سقوط الامبريالية الشيوعية... ان القرن القادم سيشهد انتشار القيم الأمريكية والسلوك وأنماط العيش... القرن القادم قرن أمريكي...) وبالفعل فإن ما نشهده اليوم هو محاولة أمركة العالم باسم نشر الديمقراطية وتحرير الشعوب... واذا كانت دول صناعية متقدمة وذات ثقافات عريقة كفرنسا قد أبدت تخوفها من الأمركة الثقافية واتخذت الاجراءات الكفيلة بمواجهتها فلماذا يستكثر علينا البعض ونحن نتعرض للاحتلال الأمريكي المباشر ان نخاف على هويتنا وثقافتنا وأن نعمل على حمايتها... والخلاصة انني لا أري ضرورة أوكد من التمسك بثوابت الهوية والثقافة، ولكني أرفض أن تتخذ الخصوصية الثقافية ذريعة لتغييب الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان مثلما أرفض أمريكة الثقافة ونمط الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.