أصدرت الدائرة الجنائية الثالثة بالمحكمة الابتدائية بتونس حكم الاعدام شنقا ضد شاب تمّت ادانته من أجل قتل والده طبق أحكام الفصل 203 من المجلة الجنائية. وقد ورد بملفات القضية أن الأب الهالك كان يعامل زوجته معاملة سيئة ، حتى أصيبت بمرض عضال لازمها الى أن فتك بها وأودى بحياتها، وهو ما أدخل حالة من الاضطراب على العائلة المتكونة من ابنين توأمين وخمس بنات، غير أن الأب وبمجرد وفاة الأم، قام بطرد أبنائه وبناته من المنزل ولم يبق إلا على إبنة واحدة متزوجة لمساعدته على قضاء شؤونه، فيما بقي الباقون في حالة تشرّد. ويوم الواقعة، توجّه الابن، وهو المتهم في هذه القضية، الى منزل والده في حدود الساعة الرابعة فجرا وظل يراقب الأمر من فوق السطح، حتى أشرقت الشمس وبان الصبح، واستغلّ خروج شقيقته المقيمة مع والدها في اتجاه العمل، فنزل الشاب (33 سنة) من سطح المنزل، ودقّ الجرس، ففتح والده الباب واستقبله ثم أذن له بالدخول، وبادر الإبن بموضوع عودته هو واخوته الى المنزل، فرفض مخاطبه اقتراحه واشتدّ النقاش حتى توتّرت أعصاب الأب الذي اعتدى على ابنه بصفعات على وجهه بواسطةحذاء، عندها قرّر الابن الانتقام من أبيه، فأسقطه أرضا وتمكّن من شلّ حركته ثم أخذ منديلا (غطاء رأس كانت تستعمله والدته قبل وفاتها) وشدّ به وثاقه إذ ربط يديه الى الخلف ثم منديلا ثانيا وربط له ساقيه حتى عقله في مكانه، وأخذ منديلا ثالثا ولفّه حول رقبته وأحكم ربطه بقوةوظلّ يضغط عليه حتى ارتخى الأب، وأسلم الروح، وكان الموت عنوان حالته. وعندما تيقين الابن من قتل والده، جرّ جثته وتوجها بها الى بيت الراحة، إذ من فرط الخنق، سالت سوائل الهالك ساعة الاحتضار، ووضع الجثة كأن صاحبها كان بصدد القيام بحاجة بشرية فداهمه الموت على حين غرّة، عادت شقيقته المقيمة مع أبيها فرأت هول الواقعة، لتطلق عقيرتها للصياح، عندها، قفز »القاتل« عبر السور الخارجي ولاذ بالفرار، وبعد أن تيقنت الشقيقة من الجريمة أعلمت على الفور أعوان الأمن الذين حلّوا بالمكان ولاحظوا الجثة فأبلغوا ممثل النيابة العمومية وتمّت المعاينة القانونية، فأذن بفتح محضر تحقيقي، وسمع المحققون شهادة الأخت التي روت لهم ما رأت، فتمكن أعوان الأمن اثر القيام بجملة من الأبحاث من إلقاء القبض على الشاب المشتبه بقتله لوالده، وبعد التحرير عليه اعترف بكل ما نسب إليه، وروى لهم تفاصيل الجريمة مؤكدا أن والده هو من بادر بتعنيفه عندما طلب منه السماح له ولإخوته بالعودة الى المنزل، وقام المتهم بتشخيص الجريمة كما وقعت، وبعد انهاء الأبحاث في شأنه، أحيل على أنظار أحد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس حيث تمسّك المتهم بأقواله التي كان قد أدلى بها لدى باحث البداية، فأصدرت ضدّه النيابة العمومية بطاقة إيداع بالسجن بعدما وجهت له تهمة قتل القريب على معنى أحكام الفصل 203 الذي ينصّ على أن »قتل القريب يعاقب مرتكبه بالقتل، والمقصود بقتل القريب هو قتل الوالد أو الوالدة أو غيرهما ممن هو فوقهما من الوالدين«. وهو القرار الذي أبدته دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس، التي قرّرت بدورها احالة المتهم على أنظار الدائرة الجنائية الثالثة بالمحكمة الابتدائية بتونس لمقاضاته من أجل ما نسب إليه. وقد مثل المتهم خلال الأيام القليلة الماضية أمام هيئة المحكمة، حيث تراجع عن أقواله التي أدلى بها سواء لدى باحث البداية أو أمام قلم التحقيق، وصرح من جديد بأنه فعلا ظلّ يراقب المكان يوم الواقعة من فوق سطح المنزل، وانه دقّ الجرس بعد أن غادرت شقيقته المحل في اتجاه مكان عملها، واستقبله والده بشكل عادي، ثم توتر النقاش بينهما الى أن بلغ مداه عندما اعتدى عليه، وأضاف المتهم أنه ساعتها اضطرّ للدفاع عن نفسه فأمسك برقبة والده مستعملا يده وليس المنديل، ولم يكن يدري أن تراخي »خصمه« كان نهايته، واعترف بجرّ الجثة الى بيت الراحة مبرّرا ذلك بالسعي الى مساعدته لأنه اعتقد أن والده كان يرغب في قضاء حاجته ولم ينكر الفرار عندما رأى شقيقته وسمع صياحها خوفا من ردّة فعلها. لسان الدفاع طلب من هيئة المحكمة اعتبار ما اقترفه منوّبه من قبيل العنف الشديد الناجم عنه الموت، خاصة أمام انتفاء القصد الجنائي الخاص، وعدم وجود نية اجرامية لدى المتهم لقتل والده، فيما تمسّك ممثل النيابة العمومية بالمحاكمة حسب نصوص الاحالة، فقرّرت المحكمة في الختام بعد اعذار المتهم الذي طلب التخفيف في العقاب قدر الامكان القانوني، حجز القضية للمفاوضة والتصريح بالحكم، لتقضي اثر ذلك بإدانة المتهم والحكم عليه بالاعدام شنقا، وهو الحكم الذي تقوم النيابة العمومية آليا باستئنافه.