الرابطة الثانية: مرجان طبرقة يلتحق بركب الفرق النازلة إلى الرابطة الثالثة    النقل في الأعياد: بين فرحة العودة للقاء الأهل و شقاء الانتظار    حجز 1380 لترا من الزيت المدعم لدى تاجر جملة بهذه الجهة    البنوك ومكاتب بريد مفتوحة الى حدود هذا التوقيت    كيف سيكون طقس اليوم ؟    أكثر من مليوني حاج يقفون بعرفة لأداء ركن الحج    بشرى لمرضى السكري: علماء يبتكرون بديلا للحقن    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    أخبار النجم الساحلي ..بن ساسي يلعب الهجوم والهيئة تعالج ملف المستحقات    أخبار النادي الصفاقسي: هل ينجح الكوكي في مباغتة النجم؟    ذبح الأضاحي وتخزين اللحوم: توصيات هامة من المصالح البيطرية    لأداء ركن الحج الأعظم.. ضيوف الرحمن على عرفات    «لارتيستو»: الفنان محمد السياري ل«الشروق»: الممثل في تونس يعاني ماديا... !    رواق الفنون ببن عروس : «تونس الذاكرة»... في معرض الفنان الفوتوغرافي عمر عبادة حرزالله    المبدعة العربية والمواطنة في ملتقى المبدعات العربيات بسوسة    محقق أمريكي يكشف آخر التحقيقات مع صدام حسين: كانت نظراته مخيفة ... وكان رجلا صادقا !    حجاج بيت الله يؤدون ركن الحج الأعظم على صعيد عرفات    مجموعة السّبع تؤيد مقترح بايدن بوقف إطلاق النار في غزة    رئيس منظمة إرشاد المستهلك ل«الشروق» «لوبي» وراء الترفيع في أسعار لحم الضأن واختفاؤه من «الجزارة» مدبّر    يحذر منها الأطباء: عادات غذائية سيئة في العيد!    مستودعات للتهريب و تلاعب في الموانئ ...أباطرة «الفريب» يعربدون    مع تأجيل التنفيذ... 6 أشهر سجنا لوزير أملاك الدولة الأسبق حاتم العشي    مع تواصل المجازر الصهيونية .. وتعثر المفاوضات ... غزّة تذبح... في العيد    المواجهة تتوسّع شمالا ومخاوف الصهاينة تتزايد...صواريخ حزب الله قد تحسم الحرب    الحشّاني يلتقي تبون خلال أشغال قمّة مجموعة السبع    حصيلة منتدى تونس للاستثمار TIF 2024 ...أكثر من 500 مليون أورو لمشاريع البنية التحتية والتربية والمؤسسات الصغرى والمتوسّطة    رئيس الحكومة يلقي كلمة في الجلسة المخصّصة لموضوع ''افريقيا والمتوسط''    مذكّرات سياسي في «الشروق» (54) وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... سفارة تونس بواشنطن واجهة للاتفاقيات المتعدّدة والمتنوّعة    رئيس الحكومة يجري محادثات جانبية مع عدد من الزعماء والقادة    الصحة السعودية تدعو الحجاج لاستخدام المظلات للوقاية من ضربات الشمس    وزير الفلاحة يدعو إلى نشر التكنولوجيا ونتائج البحث في المجال الفلاحي    غدا: درجات الحرارة في إرتفاع    الرابطة 1 : التعادل يحسم الدربي الصغير بين الملعب التونسي والنادي الافريقي    الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه في أريانة    الدورة الخامسة من مهرجان عمان السينمائي الدولي : مشاركة أربعة أفلام تونسية منها ثلاثة في المسابقة الرسمية    "عالم العجائب" للفنان التشكيلي حمدة السعيدي : غوص في عالم يمزج بين الواقع والخيال    قفصة : تواصل أشغال تهيئة وتجديد قاعة السينما والعروض بالمركب الثقافي ابن منظور    جامعة تونس المنار ضمن المراتب من 101 الى 200 لأفضل الجامعات في العالم    وزارة الخارجية تعلن الغاء تأشيرة الدخول الي تونس لحاملي جوزارات السفر العراقية والايرانية    فتح 76 مكتب بريد بصفة استثنائية يوم السبت 15 جوان 2024    يوم عرفة .. فضائله وأعماله    رئيس الحكومة يسافر الى إيطاليا لتمثيل تونس في قمة مجموعة الدول الصناعية السبع    سوسة: شركة النقل بالساحل تطلق برنامجا استثنائيا لضمان نقل المواطنين خلال فترة عيد الاضحى    الرابطة 1 : نجم المتلوي ينتزع التعادل من مستقبل سليمان ويضمن بقاءه    جلسة عمل على هامش منتدى الاستثمار تبحث سبل تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص في مجال الأدوية    قرارات المكتب الجامعي البنزرتي مدرّبا للمنتخب الوطني وبن يونس مساعدا له    تونس : عقود عمل وهمية للسفر نحو دول أجنبية    المصادقة على الدراسات الأولية لمشروع إعادة تهيئة المسبح الأولمبي بالمنزه    أنس جابر تتأهّل إلى ربع نهائي بطولة برمينغهام    عاجل/ وزيرة العدل تصدر قرارات هامة..    تسليم مفاتيح 178 مسكنا اجتماعيا بهذه الجهة    ميلوني في قمة السّبع: "إفريقيا قارة أسيء فهمها وتم استغلالها طويلا"    وزيرة التربية…هذا ما ينتظر المتلبسين بالغش في امتحان الباكلوريا    الحجاج يتوافدون إلى مشعر منى لقضاء يوم التروية    عيد الاضحى : هؤلاء ممنوعون من أكل اللحوم    يوم التروية.. حجاج بيت الله يتوافدون على مشعر منى    الجزائر: مُسنّة تسعينية تجتاز البكالوريا    تعيين ربيعة بالفقيرة مكلّفة بتسيير وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انحدار صوت جمال الصليعي
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

على كف المحن يولد النص، ومن عمق المحنة ينبجس القلم يقطر شجنا، يقطر غضبا، والشاعر على صغر فؤاده مسكون بهموم الكون وبين الفينة والاخرى يزف للغة بكارة وحشية، وللأمة صهوة حلم شموس متمنع في زمن التحفت فيه اللغة الصمت، وأينعت الجبّّانات من بين شقوق الراهن اللغوي السطحي، وجمال الصليعي صوت تونسي متفرد، ينشد الفرادة في معجمه اللغوي، والجمالي، عكس ولادات شعرية خاوية تبشر بالفراغ والعدم المحيط بديوان العرب المشحون بكتابات تفتقر للغة النخل والطير والبيداء. ولا نجانب الصواب اذا قلنا ان ديوان وادي النمل للصليعي مرآة ناصعة، متينة تعكس فحولة الشاعرية والرؤى، وقدرة الشاعر على اعتلاء صهوة اللغة لحظة استقدامه للتراث ورموزه، فمن ليلى الى الهدهد الى عمورية الى يوم ذي قار الى هارون، مرجعيات احسن الشاعر بعمق رؤيته وشامل ثقافته وواسع درايته هضمها واحياءها وبثّها في صور شعرية متوسلة بلغة عتيقة، معتّقة منحوتة من علو النخلة وضياء القمر وحلكة الليل الصحراوي البهيم الموغل في الفتوة ورباطة الجأش والاقدام، صوته صوت متزن قادم من الجنوب التونسي على مهل يحكي الامة ويحاكيها، ولعل قوله «أنا المشغول بالايام أمضي الى زمن وبي زمن عقيم» يحيل على تأصل شاعريته وانحداره من أعلى قم القول الشامخ والحامل لرسالة كشأن كبار شعراء الامة. اذن ديوان وادي النمل يعد هرم الشعر التونسي الثاني بعد ديوان أغاني الحياة لأبي القاسم الشابي، هذا عمله البكر، أما عمله الثاني الموسوم ب»محاولة في القول لتمييع المعنى» جاء مغايرا لأخيّته من جميع الزوايا وعلى جميع الاصعدة، فالبون شاسع والفرق بيّن وجلي بين العملين الواقفين على طرفي نقيض، اذ صوت الشعر تدحرج من أعلى قمم الخطاب والجمالية الى أسافله، وانحدرت اللغة الرافلة في عمق التراث وسحيق الاساطير ومن علياء التصوف الشعري الى اسفل دركات الابتذال، ويظن القارئ المتعجل ان العمل الاول في متانته قد ولد صدفة والعمل الثاني في بلاهته يؤكد عدم قدرة الشاعر على المواصلة ما دام عمله الثاني كان أقل من الاول والحال انه على غاية من الابتذال والمباشرتية والسطحية من جنس «يشربوننا كوكتهم ونشربهم كوكتنا» هذا في الظاهر. أما الباطن فهو العاكس الحقيقي لأصالة شاعريته وتأصلها وتجذرها في أرض الشعر والشعرية الحقة. الكلمات في مطولته الثانية خرجت علينا في زي مبعثر، يتوسل بالفوضى ومستندا في الآن نفسه الى الفراغ العاوي في الصور والكلمات والايقاع المهلهل المتعثر، ولعلنا نستطيع حمله بلغة الفنانين التشكيليين على الفن الساذج، وللسذاجة عمقها ومواقفها ومرجعياتها، والمطولة الثانية لجمال الصليعي تتناول تناولا غير معهود في المدونة النقدية لأنها تقرأ من خلال اللحظة السابقة عليها، اللحظة الماقبلية على حد تعبير الاستاذ محمد لطفي اليوسفي، اي لحظة الدوافع والمبررات التي حدت بالشاعر لقول مثل هذا القول، وهنا تكمن رؤية الشاعر ومرجعيته التي بشّر بها في خواتيم عمله الاول حين قال : «وعوى الفراغ.. عوى الفراغ.. عوى الفراغ....» فإزاء موت القيم وتشبث الامة بسطحيات الامور وازاء لف الليل لراهنها بجناحيه السوداوين.
وازاء تحطم الشاعر ومدنه الفاضلة وازاء استفحال السطحية والارتجال والابتذال وازاء الانكسارات انبجست لغة تافهة مبتذلة ومن العنوان نفهم طبيعة القصيدة المسبوقة بكلمة «محاولة» فمع تهدم الذاكرة، وانصرام الايام الخوالي وتعمق الجراح وضبابية الراهن رحلت ذاكرة الشاعر تلك التي فقدت ملامحها ومرجعياتها ومستنداتها، أفليس الادب انعكاسا للواقع على حد تعبير الجمالية الماركسية. قصيدته الثانية حاملة في فوضاها معالم المناخ الشعري لدى جمال الصليعي، ونلتمس من خلالها ذهول الشاعر ازاء ما يحصل كما نقف على الوجه الحقيقي للمواقف المنشودة من خلال سطحية القول وخلوّه من كل مرجعية ورؤية، ففي فوضى العمل جماليته المتلبسة بالهشاشة والعاكسة لهشاشة الراهن وهشاشة طموحات الشاعر ورؤاه وانتمائه الآني لأمة تتخبط في اللامعنى، وبذلك جاءت مطولته خالية من المعنى وكان الشاعر فيها طفلا فقد لسانه وذاكرته لذلك وجدناه يتعثر في القول ومن هذه الزاوية تجد كلمة «محاولة في القول» شرعية وجودها داخل تركيبة العنوان هذا جانب ومن جانب اخر كان النص مشحونا بالسخرية المبطنة من الواقع القيمي والانطوثقافي المؤسس على ذئبوية ماكرة ترفل في الحمامات البيض المبشرة بالسلام للقطيع الهادئ المتوسط جثث قبائله المشرّدة هنا وهناك.
وعليه ففراغ القصيدة ليس انعكاسا لفراغ الشاعر الجمالي واللغوي وانما هو انعكاس لفراغ الواقع المتوحش وعوض ان يبث الشاعر رؤيته هذه كلماته خيّر ان يحدثنا عن الفراغ بذات الفراغ اي بلغة هشة وضحلة ومهلهلة وغائمة يقبع وراءها في السطور الخلفية شاعر منكسر اصبح ازاء ما يجري في أمته عاجزا حتى عن التعبير، فتعطلت لديه اللغة ولعل في عطالتها روية الشاعر الذاتية والموضوعية.
اذا القرائن التي يمكن ان تؤدي لفهم الفراغات الموحشة الفاصلة بين «وادي النمل» و»محاولة في القول لتمييع المعنى» هي ذاتها المحققة لفعل الدهشة على حد تعبير هايديقر الدهشة الناتجة عن خيبة امل القارئ لحظة مقارنته العمل الاول بالعمل الثاني فمكانة اللغة في الديوان الاول وعمق رؤيته واتساع الرؤيا مفقود في العمل الثاني الذي خرج على الناس بوجه يعزف الخواء، قرين القفر، أفليس الخواء المعيش قد انعكس في القول فجاءت القصيدة خواء مقيتا تسفّه احلام القراء وأفق انتظارهم، انها في الحقيقة، اي مطولته الثانية، مرآة ترى فيها ذاتك المحبطة ازاء بغداد الجريحة وفلسطين المنتهكة واسرائيل المعربدة في أرضنا دون رادع ومن هنا كانت القصيدة مرآة مقدودة من الفراغ الرهيب الذي نحياه في عالم انتحرت فيه القيم على عتبة الجشع والتجارة بقضايا الامة، فالانحدار لدى شعر جمال الصليعي نص يقرأ على حد تعبير بول ريكور : «الحلم نص يقرأ» ومنه تتجلى صورة الشاعر ورؤيته الحضارية لفعل القول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.