لم يكن من السهل على من تابع مسلسل مكتوب 1 ان يتقبل فكرة انتظار سنة كاملة حتى يتسنى له معرفة آخر التطوارت. هل مات دالي؟ هل قتل منتصر؟ كانت أبرز التساؤلات التي أرقت المشاهد طيلة أشهر ناهيك عن أخبار مشاركة أسماء كبيرة في مجال التمثيل على غرار «هند صبري» و«محمد ادريس» و«دليلة مفتاحي». السياسة التسويقية التي اتبعت في انتاج المسلسل أثقلت كاهله حتى يكون في مستوى انتظارات الجمهور التي طال أمدها. عرف مسلسل مكتوب في جزئه الاول مجموعة من الهنات كان مصدرها الأداء التمثيلي الجامد لبعض الممثلين المبتدئين وضعف الاخراج وزحم العقد الدرامية التي ارتبطت بجملة من القضايا تشابك جميعها في محيط درامي ضيق، فشاهدنا مجموعة من الصراعات دارت حول العنصرية والطبقية والسحر والارث والانحراف والعلاقات غير الشرعية والجنون وطيش المراهقة وزواج المصالح وقد تم المرور على بعضها مرور الكرام ولم يكن لذكرها من تأثير ولا حتى من معنى سوى ملء مساحة زمنية أطول في حين ان دور الدراما ليس ذكر الظاهرة بل يكمن في معالجتها عبر تبيين جذورها وتداعياتها على المجتمع في اطار درامي واقعي. وكغيره من الاعمال الدرامية فقد نجح مسلسل مكتوب 1 في مواطن وفشل في أخرى، واعتقدنا ان التجربة الاولى ستكون درسا للقائمين على العمل حتى يكون الجزء الثاني اكثر نضجا وواقعية لكن مكتوب 2 لم يأت الا ليزيد الطين بلة. كوكب «مكتوب» لم يعد مشاهد اليوم هو نفسه مشاهد الابيض والاسود، ولا هو نفسه المشاهد الذي يبتعد فكّه السفلي عن فكّه العلوي عند مشاهدة مسلسل مكسيكي او فيلم هندي بأحداثه البريئة والساذجة. ما شاهدناه الى الآن من مسلسل «مكتوب» اكد لنا ان كتابته الدرامية من حيث بناء الشخصيات والاحداث تعجز عن تحقيق الشروط الابداعية للكتابة الدرامية الحقة. يقوم المسلسل عادة على معالجة عقلانية هادئة لحكاية ميلودرامية في الاصل أساسها بناء درامي منطقي وصادق وقد عجز مسلسل مكتوب عن تحقيق هذه المعايير عبر احداثه السخيفة وشخصياته الخيالية والمسقطة. فكيف للمشاهد التونسي المتفتح والواعي ان يصدّق مثلا ان «شلبية» (كوثر الباردي) قد تزوجت من أجنبي عبر الانترنات ترك دينه وأسلم في ظرف أيام من وقع حبها على قلبه؟ وكيف لنا ان نصدق ان جميع من في المسلسل يعرف بعضهم البعض وكأن احداث المسلسل تدور في «كوكب مكتوب»؟ ولعل اكثر المشاهد مدعاة للضحك هو مشهد سباق الخيول بقصر سعيد حيث اجتمع فيه أغلب أبطال المسلسل فصار جميع من يعيش على هذا الكوكب يهوى سباق الخيول. مسلسل مكتوب يعج بالاحداث «السخيفة» وغير المنطقية ولا سبيل لذكرها جميعا لانها واضحة للعيان وضوح الشمس، وهي ان دلت على شيء فهي تدل على التسرع الواضح في كتابة النص الدرامي الذي قام على تمطيط الاحداث وتمغيطها. وحتى لا يقع الاستخفاف بالمشاهد الى حد كبير فإن خطأ التركيب الذي ورد بالحلقة التاسعة عشرة قد تفطن له حتى النائم عندما ظهر مشهد «لمين» (عبد الغني بن طارة) وهو يطلب الدخول الى غرفة سيرين (سميرة مقرون) تلاه مشهد لنفس الممثل في منزله الخاص ثم العودة الى مشهد جلوسه بجانب سيرين في غرفتها، سبحان ا&، ففي مثل هذه الاخطاء يكون السكوت أصدق وأبلغ من التعليق. تصميم بصري متقن لئن فشل «مكتوب»في اثبات واقعية احداثه ومصداقية العلاقة بين شخوصه، الا انه نجح على الاقل في التفنن في جمالية الصورة والتصميم البصري للمسلسل. ما يحسب لمسلسل مكتوب بجزأيه هو حسن اختيار الممثلين الملائمين للأدوار، بقطع النظر عن مهارة التمثيل وصدق الاداء، حيث تم تقديم وجوه ملائمة لعبقرية وجاذبية الصورة بما يتناسب والطبقة الاجتماعية الممثلة وهنا لا نتحدث عن الجمال الطبيعي بقدر ما نتحدث عن مدى قابلية الوجه لأن يكون جذّابا وغير منفر على الشاشة. واتسم مسلسل مكتوب بالذوق الرفيع في اختيار الأثاث والملابس والماكياج ما تعجز عنه أغلب الاعمال العربية اذ رغم ضخامتها تتنافر فيها الالوان وتخلو من الذوق والانسجام. مسلسل مكتوب توفق ايضا في اختيار الألوان والاشكال المناسبة وغير المتنافرة فتصميم الديكورات والاكسسوارات كان متقنا ومتناسقا مع الوضع الطبقي او الاجتماعي للشخصيات وقد اعتمد على أثاث فخم وماكياج بسيط وملابس أنيقة وغير مبالغ فيها مما يوحي بالجهد الكبير المبذول في التصميم البصري الذي أضفى جمالية خاصة على هذا العمل الدرامي حيث يبدو ان «مكتوب» فعلا قد أرهق الجيوب. اجمالا يمكننا القول ان مسلسل مكتوب لم يعرف في جزئه الثاني تغيرا كبيرا مقارنة بجزئه الاول لا بل اصبحت احداثه اكثر سذاجة وشخصياته اكثر بعدا عن الواقع، لكن هذا لا ينفي ان المسلسل يلقى تجاوبا ملحوظا من قبل المشاهدين ويبدو ان سر الاعجاب والاهتمام بالمسلسل يكمن في «المكتوب».