من الصعوبات التي تواجه الطالب الجديد الذي التحق لأول مرّة بالجامعة صعوبة الاندماج بالوسط الجامعي الجديد والتأقلم معه وتتعمق هذه المشكلة خاصة بالنسبة للطلبة الذين يلتحقون بكليات ومعاهد عليا بعيدة عن مدنهم الاصلية. وقد سعت العديد من الدراسات النفسية الى طرح هذا الموضوع ودراسته من كل الجوانب منها الدراسة التالية التي يقول كاتبها: إن مرحلة الشباب مرحلة مهمة وحساسة من مراحل حياة الانسان بالنظر الى ما تشهده شخصيته خلالها من تغيرات ونمو، لذا فلا عجب في أن تكثر الدراسات حول هذه المرحلة. ولعل دخول الشباب الى الجامعة هو خبرة جديدة ومختلفة نوعا ما عما سبقها حيث تقوم فكرة الجامعة كما يقول بال وهثزر (Ball & Heather 1989) على تجميع الطلبة والأساتذة من كافة التخصصات في معهد واحد أو جامعة واحدة من أجل توسيع المدارك والمساعدة في فهم القيم المتبادلة. ومما لا شك فيه أن دخول الشاب الى عالم المجتمع الجامعي يطرح عليه بشدة مشكلة التوافق (Adjustment) مع هذا المجتمع، والتفاعل (Interaction) معه، مع ملاحظة أنه من التعسف الفصل بين مشكلات التوافق عند الشباب ومشكلات النمو والتغيير الذي يطرأ على المجتمع الذي يعيشون فيه، وفي هذا الصدد أشار ايركسون (Erickson) وولمان (Wool man 1989) الى التوافق على أنه عبارة عن علاقة تكيفية مع البيئة، ويتضمن القدرة على تلبية الفرد لاحتياجاته، وتلبية معظم المتطلبات الاجتماعية منها والفسيولوجية. والواقع هو أن الجامعة كمجتمع صغير يعيش فيه الطالب تؤدي دورا كبيرا في حياته، حيث تعده لوظيفة انتاجية، وتساعده على النمو بأشكاله الفسيولوجية، والنفسية والاجتماعية. وتشيرمشاهدات وملاحظات كثيرة الى أن الشباب الجامعي يواجه مشكلة التوافق بحدة في الجامعة حيث تتسم العلاقات في الجامعة بطابع لا شخصي (Impersonal) وحيث تتفاعل جماعات كبيرة من الطلاب والطالبات بدون عمق، ولا استمرارية ولا مراعاة لظروف كل الاشخاص. وفي الواقع فإن توافق الطلبة مع بيئتهم الجامعية يتطلب منهم تعديلا في أساليبهم واستراتيجياتهم، ومهاراتهم من أجل النجاح والانجاز. اختلاف التفاسير ومن خلال استعراض نظريات التوافق الاجتماعي نلاحظ أنها نظرت الى التوافق من زوايا عديدة: فنظرية التحليل النفسي رأت ان التوافق يتم من خلال اشباع الحاجات وتعلم كيفية التعامل مع الصراعات الداخلية، ونظرية التعلم الاجتماعي فهمت التوافق السوي من خلال مهارة الفرد في التفاعل بنجاح مع بيئته، والنظرية الانسانية فسرت التوافق طبقا لاتجاهات النمو عند الافراد كعملية مستمرة. أما النظريتان المعرفية والسلوكية فلم تعرفا موضوع التوافق مباشرة، ولكن الأولى رأت أن التوافق عند الأفراد يعني التفكير بطريقة منطقية، في حين رأت الثانية أن السلوك ما هو الا محصلة للتعليم السوي. وقد فسر البعض التوافق بأنه عملية اشباع للحاجات النفسية والاجتماعية، ولا يتكفل الشخص بتنظيم اشباع حاجاته فحسب، بل هو قد يتعرض لصراع بين هذه الحاجات. وفي هذه الحالة تنشأ مشكلات التوافق لديه ويصبح عليه ان يحل هذا الصراع، وأن يتعلم كيف يواجه المواقف التي تتصارع فيها حاجاته كلما تعرض لمثل هذه المواقف وصراع الحاجات النفسية ينشأ إذا تعارض اشباع حاجة مع اشباع حاجة أخرى، بحيث يؤدي إشباع الحاجة الاولى الى احباط الحاجة الثانية. ولتوضيح عملية التوافق النفسي ننظر إليها من ناحيتين: أولا: التوافق من حيث هو عملية سلوكية تؤدي الى التكيف، فالشخص وهو يسير نحو تحقيق التوافق يسلك سلوكا معينا، يواجه به حاجاته الداخلية،وحاجاته الخارجية، ويقضي به علىتصارع هذه الحاجات إذا نشأ هذا التصارع. والعملية السلوكية التي يقوم بها الشخص في مواجهة هذه الحاجات، وفي مواجهة تصارعها، هي العملية التي تحقق له التوافق النفسي في النهاية. ثانيا: التوافق من حيث هو تحصيل أو انجاز، أي أن الشخص يتعلمه، بمعنى أنه يتعلم منذ طفولته طرقا معينة للاستجابة في مواقف معينة، ويكون توافقه هو حصيلة هذا التعلم فإذا تعلم طرقا سليمة فيكون حسن التوافق، وإذا تعلم طرقا غير سليمة فيكون سيئ التوافق. لقد اهتم العلماء كثيرا بالتفاعل الاجتماعي بين الافراد والذي هو لب التوافق، واعتبروه كما فعل كيرت ليفين (Kart Levin) أساسا للجماعة، كما أشاروا الى أن تعديلا ينجم عن هذا التفاعل الذي يحدث عندما يتصل فردان أو أكثر (ليس من الضروري أن يكون اتصالا ماديا) ولعل من الأهمية بمكان ان نسجل هنا أن عمليات التفاعل الاجتماعي تشمل التعاون والتنافس، والصراع والمواءمة. والتفاعل الاجتماعي هو أهم عناصر العلاقات الاجتماعية. وهنا تأتي الثقافة التي يعيش فيها الفرد والجماعة لتلون بخط التفاعل الاجتماعي، ومن وجهة نظر أخرى فإننا نكون اكثر دقة لو وضعنا في حسابنا مفهوم التفاعل الاجتماعي الثقافي (sociocultural interaction). ان هناك اتجاهات ثلاثة في تفسير صياغة الشخصية الانسانية (المتوافقة وغير المتوافقة) هي: الاتجاه الانثروبولوجي الذي يعطي أهمية خاصة للحضارة في تحديد قيم الفرد ودوافعه. الاتجاه الوراثي الذي يؤكد على أهمية الاستعدادات الوراثية في تحديد سلوك الفرد. الاتجاه التفاعلي الاجتماعي الثقافي الذي يفترض أن بلورة شخصية الانسان تتم من خلال شكل العلاقات مع الآخرين والتفاعل بين الفرد وذاته، وبين ذاته والمؤسسات الاجتماعية القائمة، والتي تعمل في جو ثقافي معين. تفاعل ومن هذا المنطلق لا يمكن دراسة ظاهرة تكيف طلبة الجامعات على وجه الخصوص بمعزل عن تفاعلهم مع جو الجامعة التي يدرسون فيها. وقد تأكد أن التوافق الدراسي لطلبة الجامعات ينطوي على القدرة على اقامة علاقات اجتماعية مثمرة مع الآخرين، وعلى القدرة على التكيف مع العمل المنتج الفعال، واستثمار الطاقات الشخصية استثمارا يتسم بالكفاية يجعل الفرد شخصا نافعا في محيطه الاجتماعي. وهو التوافق مع المجتمع الجامعي الى درجة رضا الطالب الجامعي عن العلاقات الاجتماعية والعوامل النفسية والدراسية وعوامل الضبط التي يتعرض لها داخل اطار الجامعة. وبناء على ما سبق ذكره تتضح أهمية دراسة التوافق للطالب الجامعي من خلال فهم سياق تفاعله مع الاطار الاجتماعي الثقافي للجامعة التي يدرس فيها، وإذا كانت دراسة توافق الطالب الجامعي والمشكلات التي يواجهها لا تصبح ذات معنى الا اذا درس الجو الاجتماعي والثقافي للجامعة، فإن هذا الجو يصبح ذا أهمية أكبر بكثير اذا كان الطالب آتيا من بيئة تختلف عن بيئة الجامعة التي يدرس فيها في كل النواحي الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا الجو قد يخلق مشكلات أكثر عددا وأشد تعقيدا.