على كرسي بمطبخها «الوضيع» بمنزل والديها جلست «ليلى» مثقلة تحرك قدرها على موقد غازي وعلى وقع دموعها، تحاصرها ذكريات المكان المؤلمة تسكب دموعا حارقة كالماء الساخن الذي أحرق فلذة كبدها قبل أيام...بينما كان طفلها «لؤي» الذي تبقى لها من أمل الدنيا يسألها في حيرة بريئة «أماه أين ابنتك»؟(يقصد شقيقته لؤى) تلك التي تشاطه كل شيء حتى أغلب الحروف في اسميهما. تحاول تبسيط الاجابة وحين تعجز عن اقناعه تذرف دموعا تدفع الطفل الى الالتفاف على نفسه في مقعده يحول نظراته بين جديه. فقد لفظت طفلة في ربيعها الثاني أنفساها صباح الخميس بعد اسبوع من إقامتها بالمستشفى متأثرة بحروق بماء ساخن بمنزل والديها بمنطقة(الرويسات) القيروان. وحسب ما جمعته «الشروق» من معطيات عن الحادثة فإن الطفلة وتدعى لؤى (عام و8 أشهر) كانت مؤخرا تلعب بالقرب من الموقد عندما تسلقت الى الاعلى وسحبت الإناء الذي كان يغلي على النار فاندلق على الجانب الايسر من جسمها مما أدى الى اصابتها بحروق تبدو سطحية لكنها كانت كافية لوفاتها رغم تدخل الاطار الطبي لانقاذ حياتها. وبحثا عن أوفر التفاصيل، «الشروق» تنقلت الى منزل والدي الطفلة اثر تشييع جنازتها ووقفت على قصة الحادثة وعن ظروف العلاج وظروف أخرى رسمت الدموع تفاصيلها. على نحو 15 كلم غرب القيروان تستلقي منطقة الرويسات بين سهول ممتدة وسلسلة هضاب. كان يقف على تلّة فاصلة بين أرضه وموقع المشروع، يسبح بخياله في سحابة دخان أسود يمني النفس بفرصة ما أين يلقي بصره. هكذا التقت «الشروق» السيد علي الخليفي (56 سنة) جد الطفلة «لؤى»... استقبلنا بمنزله أين استمعنا لتفاصيل الحادثة. ماء حارق تقيم السيدة ليلى (33 سنة) والدة الطفلة لدى أبويها بينما يشتغل زوجها في أعمال الفلاحة ويقيم بعيدا عن أسرته. كانت حياة الأسرة الصغيرة تمر عادية بسيطة حد الوضاعة أحيانا قبل ان تنقلب رأسا على عقب. يوم الحادثة كانت «لؤى» تلعب بجوار والدتها التي انهمكت في اعداد طعام الغداء وقد ملأت القدر ماء على موقد من الحجم الكبير. وفي الاثناء وداخل المطبخ البسيط افترشت «لؤى» خرقة سجاد تتمرغ عليها. كذلك تركتها والدتها مطمئنة لسلامتها تحت أنظارها... فجأة تحركت الطفلة من موضعها في غفلة من والدتها واتجهت صوب الموقد وسحبت خرطوم قارورة الغاز مما أدى الى تحرك الموقد وميلان القدر لينسكب بعض مائه الساخن على جسدها (على مستوى جانبها الايسر). انتبهت الوالدة الى حركة ابنتها قبل ان تتلقى صرختها لكن الماء الحارق سبقها الى جلد طفلتها، «أسرعت اليها ووضعت أماكن الحروق من جسمها تحت الماء البارد أملا ان يخفف عنها الألم»، تؤكد الوالدة قبل ان تلف ابنتها في لحاف وتتجه بها الى المستشفى برفقة والدها علي (الجد). وأكد الجد علي انه نقل حفيدته الى المستشفى (قسم الاغالبة بالقيروان) أين تلقفها الاطار الاستعجالي وقدموا لها الاسعافات الاولية اللازمة بعد ان تسبب الماء الساخن في حروق سطحية على مستوى وجه حفيدته وكتفها وفخذها، ذكر ان الاطار الطبي أكد لهم ان الحروق سطحية وان الطفلة بخير قبل ان يتم الاحتفاظ بها لمواصلة العلاج وقد لازمتها والدتها وأقامت معها بالمستشفى لتسهر على راحتها. فاجعة رغم العناية... تحت العلاج مكثت لؤى نحو أسبوع تتلقى العلاج تحسنت بموجبه تدريجيا، «ماما عندي أحيّة»، كان ذلك أقصى ما يمكن لتلك الطفلة ان تعبّر به لوالدتها عن مبلغ ألمها ترد على قبل والدتها بالقبل بينما كانت الوالدة تذرف دموع الرجاء بتعافي صغيرتها. اليوم السابع.. يوم الخميس الماضي، حمل معه مفاجأة غير سارة... كانت لحظة الوداع،فذلك المساء الذي سبق وفاتها تعكرت صحة لؤى فطلبت الوالدة الى أحد الاطار الطبي ان يتدخل لفحصها لكنهم «كانوا يأمرونني بالصبر والصمت بينما يترشف بعضهم فنجان قهوة دون ان يحرك أحدهم ساكنا»، تؤكد الوالدة ليلى، مضيفة ان المتربصين من الممرضين كانوا أكثر ترددا عليها. لم تستطع ليلى نسيان ما حدث وهي تشيح بوجهها نحو والدتها زهرة التي أكدت ان يوم وفاة حفيدتها، حضر الطبيب حوالي الثامنة صباحا، وبمجرد فحصها أمر بنقلها الى غرفة الانعاش لعلاجها. وذكرت انها طلبت مرافقة حفيدتها لكنها منعت كما أكدت أنهم تعوّدوا تقديم العلاج لها على عين المكان لكن هذه المرة كان الامر مختلفا مؤكدة ان الطبيب بدا عليه الغضب وهو يتحدث الى الممرضين بلغة لم تفهمها بعد ان وضع أصابع يده على موضع قلب الطفلة. ما ضاعف ألم الوالدة انها لم تكن بجوار ابنتها لحظتها. فقد خرجت لاقتناء بعض المشتريات من ماء معدني ومشتقات الحليب لابنتها. إغماءات وتساؤلات عادت الأم بعد دقائق ودخلت الغرفة فلم تجد صغيرتها سألت والدتها فأعلمتها بأن الطبيب أخذها للعلاج... تسارعت دقات قلب الوالدة يتدافعها الخوف والشوق لابنتها وهي تشعر ان هذه المرة مخالفة لحصص العلاج السابقة قبل ان تتلقى خبز الفاجعة وكان سبب الوفاة انتفاخ قلب الطفلة التي لم تتحمل حصة العلاج الاخيرة. بعد نحو ساعتين من ادخالها غرفة الانعاش والانتظار جاء الخبر الصاعقة ينعى الطفلة الى والدتها، قبل ان يهرع الوالد خليفة على وقع العويل يأتيه عبر الهاتف نذير فاجعة أدخلته في دوامة اغماء. وذكر الجد علي ان مشاعر صهره ارتبكت فهو لم يبك ولم يسمع له حديث فكان صامتا الى ما بعد تشييع الجنازة ظهر يوم الجمعة. أما والدتها فنقلت الى المستشفى في مناسبتين كانت آخرها يوم الدفن فعندما رأت طفلتها مسجاة في كفنها ابتسمت لكن لما رغب الناس في أخذها للدفن بكت حد الاغماء. «هل كان ليحدث هذا لو أخذت ابنتي حظها من العناية اللازمة، سؤال ألقته الوالدة ليلى على عاتقنا دون ان نجد لو اجابة لعلمنا بما يبذله الاطار الطبي من مجهودات خارقة في حدود الامكانيات المتاحة. أما الجد علي فرجح انه لو توفر المستشفى على قسم خاص بالحروق لكان بالامكان ضمان علاج أوفر وأدق لحفيدته. كان الطفل لؤي (3 سنوات) يسأل والدته عن شقيقته دون ان يجد لسؤاله جوابا يروي حاجته الى من يؤنس طفولته... أما الوالدة فقد ضاعف ألمها عدم امتلاكها صورة طفلتها تمرغ فيها شوقها وخزنها بعد فراقها.