يحتفل العالم بميلاد تشارلز داروين قبل مائتي عام في إنقلترا، كان داروين شديد الذكاء متعدد المواهب، أراد أبوه الطبيب أن يخلفه في المهنة نفسها ولكنه رفض الاستمرار في المدرسة المنتظمة، كان ينمي قدراته بالقراءة في المنزل واستطاع أن يدخل الجامعة التي كانت تسمح بالدخول بعد امتحان شخصي بغض النظر عن الشهائد، وكان الأب يقول إن هذا الابن لن يفلح، لكنه أفلح بما أنه ما زال يثير الجدل بنظرياته إلى اليوم .. تزوج داروين عام 1839، وقرر الانفصال عن العالم في سبيل العلم وتوقف عن استقبال الزوار باستثناء صديقين من العلماء. باشر دراساته الميدانية الدقيقة والمعمقة للأجناس المختلفة، من فوق السفينة الحربية «أتش إم إس بيجل» لمدة خمس سنوات ما بين 1831 و 1836، وعمره لا يتجاوز 22 سنة، كانت رحلته منطلقا لنظريته حول تطور الأجناس. مؤسسا بذلك نظرية قوية عدت أحد أهم أعمدة العلم الحديث، التي عرضت قوانين الوراثة المسؤولة عن انتقال الخصائص الوراثية بين الأجيال واصطفاء الأصلح منها وتطوره إلى أجناس جديدة. نظرية داروين تقوم على مبدإ بسيط وهو أن أي كائن حي يتغير بمرور آلاف وملايين السنين، وتنقرض منه أجزاء لم تعد تستعمل أو قلت وظائفها وتكبر وتتعاظم أجزاء أصبح استعمالها أكثر وأكبر أهمية، ويؤيد داروين نظريته بكثير من الأبحاث والملاحظات من الطبيعة وذلك بدراسة الحفريات القديمة والحيوانات التي انقرضت. وأصبحت النظرية تراثاً علمياً مهماً بني عليه الكثير من علوم البيولوجيا والأنثروبولوجيا، وأصبحت جزءاً من المقرر الدراسي لعلوم البيولوجيات في المدارس في العالم كله. وقد ظن الكثيرون أن محور الخلاف في النظرية هو ادعاؤها بأن الإنسان يعود أصله إلى القرود، ومع أن هذه نقطة جوهرية في النظرية إلا أنها ليست كل ما تشمله وتدّعيه، النظرية وضعت لتأصيل عقيدة ورسم معالم منهج لحياة مجموعات من البشر رأت أنه لا بد لها من ربط علمي وتبرير منطقي لمعتقدها وسلوكها في الحياة.. تميز كتابه الأول «أصل الأنواع» برزانة منهجه العلمي، لاستناده على دراسات ميدانية دقيقة ومعمقة للأجناس المختلفة لمدة عشرين عاما،وأردف داروين كتابه الظاهرة بكتاب آخر يحمل عنوان «سلالة الإنسان» في سنة 1871 الذي طور فيه نظرية نشوء الإنسان وارتقائه عبر قوانين نظريته السابقة، كما طور فيه نظريته إلى آفاق شواهد وأسباب الاختلافات بين الحيوانات في قدرات العقل والتفكر والذكاء والأخلاق وتذوق الجمال. وأكد أن الاختلافات الملحوظة بين الأجناس هي في الحجم وليس في النوع، ذلك أن العديد من الحيوانات تملك الذكاء ولها عاداتها وطقوسها.. خلال رحلته شاهد جزيرة منعزلة مليئة بالحشرات والنباتات التي لم يلمسها إنسان وأخذ عينات من الطيور والنباتات. وعلى غرار غيره من علماء الطبيعة وجد العالم البريطاني لدى الحيوانات العديد من السمات المشتركة التي بحث عن أصل نشوئها. وأراد أن يفهم على سبيل المثال لماذا جميع أولئك الذين يملكون منقاراً يملكون أيضا ريشاً، أو لماذا الذين لديهم أطراف لديهم أيضاً فقرات.. وباستناده إلى الجيولوجيا أظهر داروين تطور الأصناف بفضل الانتقاء الطبيعي الذي يفضل بعض السمات (القامة اللون الشكل...) أو تصرفات الكائنات الحية في بيئة معينة... ونظريته التي كشفت في 1859 في «أصل الأصناف من خلال الانتقاء الطبيعي أو صون الأعراق المميزة في الصراع من اجل البقاء» صدمت بقوة جميع الذين يؤمنون في الخلق الإلهي لأنواع ثابتة ودائمة.. وسرعان ما استغل فكر داروين من بعض الذين استخدموا شعار «بقاء الأفضل» لتبرير هيمنة العرق الأبيض أو الحضارة الغربية، مثل هتلر مثلاً ... كتب داروين في الفصل الخامس أن الإنسان هو نوع من الثدييات نشأت مع القرود، وأن الأصناف التي تصمد ليست هي الأصناف الأقوى ولا الأذكى بل هي تلك التي تتكيف بشكل أفضل مع التغيير. والدليل هو الديناصورات». وفي كتابه «تدرج الإنسان والانتقاء المرتبط بالجنس» الذي نشر بعد 12 عاما . يوسع داروين نظريته، ليشمل الإنسان الذي يحمل دوماً مع كل طاقاته الجليلة في تكوينه الجسدي البصمة الثابتة عن أصله. ويظهر داروين كيف أن الانتخاب الطبيعي» انتقى في التطور البشري تنمية الغرائز الاجتماعية وزيادة ملكاته العقلية» . ونتيجة لما يتميز به الإنسان المعاصر من عقل وتفكير، ومنطق وترجيح فإنه كانت هناك مرحلة بين القرود والإنسان سميت بالحلقة المفقودة. والتطور البشري مستمر منذ وجود الإنسان الأول، و هذا التطور صاحبه هجرات الأنواع البشرية المتطورة عن أسلافها إلى مناطق أخرى جديدة لتتكيف مع الأوضاع الجديدة، و أخذ منحى آخر وهو في العقل والذكاء والمنطق، ولا يعتمد كثيرًا على الشكل والأعضاء، ونتيجة التسلسل في التطور البشري، فإن الأجناس في أسفل السلسلة أقرب للطباع الحيوانية من حيث الإعتماد على الوسائل البدائية والقوة البدنية والجسدية ، من الأجناس في أعلى السلسلة والتي تتميز بالإعتماد على إستخدام العقل والمنطق، وهي أكثر ذكاء وإبداعاً وتخطيطاً وتنظيماً ومدنية من الأجناس السفلى في السلسلة . ونظرية التطور في علم الأحياء التي حجبت في الخمسينات مع إكتشاف الحمض الريبي النووي، والتطورات الفيزيائية الكيميائية على مستوى الجزئيات، تشهد منذ نحو عشرين سنة انطلاقة جديدة، أظهرت لدى الإنسان مشكلات تكيف مرتبطة بالتغيرات السريعة جداً، فمثلاً إستهلاكنا الكبير للسكر سبب إنتشارا مفاجئا لحالات البدانة وقصر النظر وحب الشباب. وبعد مرور 150 سنة على ظهور نظرية داروين، فإنها لا تزال نموذجاً علمياً مهماً ومستقراً في البحث العلمي والمعرفي للبشرية، بعدما أيدتها حزمة واسعة من البراهين والأدلة والاكتشافات العلمية الدقيقة، التي عززت قوتها كمدخل أساسي في عالم البيولوجيات. وأنا أقرأ دراسات داروين تساءلت في أي درجة من التسلسل البشري نحن .