في الوقت الذي أظهرت الادارة الامريكية عجزا واضحا عن تحقيق أي تقدّم في مسار «السلام» بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي بدأ الاتحاد الاوروبي تحرّكا تقوده السويد نحو الضغط على اسرائيل لوقف أنشطتها الاستيطانية وانتهاكاتها خصوصا في مدينة القدسالشرقية التي يصر الاتحاد على تسميتها عاصمة للدولة الفلسطينية المقبلة. الأمر الذي أثار حنق الصهاينة بشكل كبير ومتزايد... فهل هو اعتراف أوروبي أحادي بدولة فلسطينية أم أنه ليس سوى تصوّر نظري للاستهلاك الاعلامي سرعان ما ينهار تحت تأثيرات دوائر الضغط اليهودية في أوروبا؟ بداية الجدل كانت قبل أسابيع حين نشرت الرئاسة السويدية للاتحاد الاوروبي بيانا حول المستوطنات الاسرائيلية في القدسالشرقية أكّدت فيه «وجوب ايجاد تسوية لحل وضع القدس بصفتها عاصمة لدولتين فلسطينية واسرائيلية، كما ذكّر البيان بأن الاتحاد الاوروبي لم يعترف أبدا بما تسمّيه «ضمّ» القدسالشرقية عام 1967، وهي لهجة أوروبية متشدّدة لم يعهدها الاسرائيليون وعبّروا عن خشيتهم من أن يخلق ذلك سابقة. وزاد الجدل مع تسريب مشروع قرار أوروبي يناقشه وزراء خارجية الاتحاد الاثنين المقبل ينص على تأييد قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة تضم الضفة الغربية وقطاع غزّة مع القدسالشرقية كعاصمة. وقد بدأت الماكينة الاعلامية الصهيونية تتحرّك للتشويش على هذه المبادرة الاوروبية ورأت أنها تتضمّن اعترافا أحاديّ الجانب من قبل الاتحاد بدولة فلسطينية، وهو ما نفته المفوّضة العامة لفلسطين لدى الاتحاد الاوروبي ليلى شهيد التي أشارت الى أن وزير الخارجية السويدي كارل بيلت اعتبر أن مثل هذا الاعتراف «سابق لأوانه». والحقيقة أن كلام الوزير السويدي منطقي ومتوازن، فهذا الاعتراف ليس بيد السويد وحدها وليس من اليسير الحصول عليه، خاصة إذا علمنا ان نصف الدول الاوروبية ليست موافقة على الطرح السويدي ويبقى احتمال اقرار النص بصيغته الحالية ضئيلا وفق تأكيدات ديبلوماسي أوروبي. وبدأت الديبلوماسية الاسرائيلية بالتوازي مع ذلك حملة واسعة في أوروبا وفي واشنطن بهدف احباط هذه المبادرة، وتحدّْثت مصادر سياسية اسرائيلية عن أن خطوة السويد ترمي الى «إحباط المحاولة الامريكية لاستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين والسعي الىفرض تسويات واملاءات تتنافى مع الخط الذي ينتهجه الرئيس الامريكي باراك أوباما». ويُفهم من هذا الخطاب الاسرائيلي الكثير من المكر والخداع والمناورة، فالآن وحين ظهرت ملامح تحرّك يُفضي الى بعض الانصاف للفلسطينيين أصبحت اسرائيل تتحدث عن مرجعية أمريكية للتسوية وصارت تتحدث عن «تسويات» و«املاءات» مفروضة عليها وهي التي عملت وتعمل منذ عقود طويلة على احباط كل جهود لانهاء احتلالها ولو بشكل جزئي ومنح ولو بعض الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. ويُفهم من هذا الخطاب أيضا الطبيعة العدوانية للكيان الاسرائيلي الرافض لأي تسويات وفق أي قاعدة، والذي يعمل دائما على المراوغة ومحاولة كسب الوقت وانتظار ما ستفرزه مناوراته من تنازلات من الجانب الفلسطيني. ومع أن اسرائيل لم تلتزم من قبل بأي مبادرة للسلام فإن تعاملها مع التحرّك الاوروبي كشف حجم نفاقها وهي التي عملت بكل الوسائل على الالتفاف على الطلب الامريكي بوقف الاستيطان كشرط لاستئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني وأجبرت ادارة أوباما على التراجع عن هذا المطلب والرضا بالأمر الواقع. ولا شك أن المبادرة الأوروبية ستنتهي الى نفس المآل إذا لم تعمل الديبلوماسية الاوروبية بجدية واستقلالية على تحقيق هذه الرؤية وايجاد خطوات وآليات تنفيذية تعيد بعض الحقوق الى أصحابها وتعيد بعض المصداقية الى الشرعية الدولية ومؤسسات المجتمع الدولي القائمة على تطبيقها.