كرة اليد: الترجي يتفوق على المكارم في المهدية    بلاغ هام لرئاسة الحكومة بخصوص ساعات العمل في الوظيفة العمومية..    عاجل/ المحامون يدخلون في اضراب عام بكامل محاكم الجمهورية..    الاشتباه في وفاة 4 أشخاص بسبب احتسائهم "القوارص"..#خبر_عاجل    عاجل/ وفاة ثلاثة اطفال غرقا في خزان ماء بهذه الجهة..    وزير الخارجية يُشيد بتوفر فرص حقيقية لإرساء شراكات جديدة مع العراق    العثور على شابين مقتولين بتوزر    حفوز: العثور على جثث 3 أطفال داخل خزّان مياه    باجة: اطلاق مشروع "طريق الرّمان" بتستور لتثمين هذا المنتوج و ترويجه على مدار السنة [صور + فيديو]    افتتاح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك وسط العاصمة لعرض منتوجات فلاحية بأسعار الجملة وسط إقبال كبير من المواطنين    وزارة التجارة: تواصل المنحى التنازلي لأسعار الخضر والغلال    قادة الجيش يتهمون نتنياهو بتعريض حياة الإسرائيليين والجنود للخطر وهاليفي يؤكد إن حرب غزة بلا فائدة    مؤشر جديد على تحسن العلاقات.. رئيس الوزراء اليوناني يتوجه إلى أنقرة في زيارة ودّية    رجة أرضية بقوة 3.1 درجة على سلم ريشتر بمنطقة جنوب شرق سيدي علي بن عون    البطولة العربية لالعاب القوى (اقل من 20 سنة): تونس تنهي مشاركتها ب7 ميداليات منها 3 ذهبيات    رسمي.. فوزي البنزرتي مدربا للنادي الإفريقي    أخصائي نفسي يحذّر من التفكير المفرط    سليانة: عطب في مضخة بالبئر العميقة "القرية 2 " بكسرى يتسبب في تسجيل إضطراب في توزيع الماء الصالح للشرب    التهم الموجّهة لبرهان بسيّس ومراد الزغيدي    وفاة 3 أشخاص وإصابة 2 اخرين في حادث مرور خطير بالقصرين    المحكمة الابتدائية بسوسة 1 تصدر بطاقات إيداع بالسجن في حق اكثر من 60 مهاجر غير شرعي من جنسيات افريقيا جنوب الصحراء    شركة "ستاغ" تشرع في تركيز العدّادات الذكية "سمارت قريد" في غضون شهر جوان القادم    مدنين: نشيد الارض احميني ولا تؤذيني تظاهرة بيئية تحسيسية جمعت بين متعة الفرجة وبلاغة الرسالة    سيدي بوزيد: تظاهرات متنوعة في إطار الدورة 32 من الأيام الوطنية للمطالعة والمعلومات    مصر تهدد الاحتلال بإنهاء اتفاقيات كامب ديفيد    زهير الذوادي يقرر الاعتزال    صفاقس تتحول من 15 الى 19 ماي الى مدار دولي اقتصادي وغذائي بمناسبة الدورة 14 لصالون الفلاحة والصناعات الغذائية    سبيطلة.. الاطاحة بِمُرَوّجَيْ مخدرات    امين عام التيار الشعبي يلتقي وفدا عن حركة فتح الفلسطينية    ر م ع الصوناد: بعض محطات تحلية مياه دخلت حيز الاستغلال    في الصّميم ... جمهور الإفريقي من عالم آخر والعلمي رفض دخول التاريخ    سيدي بوزيد.. اختتام الدورة الثالثة لمهرجان الابداعات التلمذية والتراث بالوسط المدرسي    المالوف التونسي في قلب باريس    الناصر الشكيلي (أو«غيرو» إتحاد قليبية) كوّنتُ أجيالا من اللاّعبين والفريق ضحية سوء التسيير    نتائج استطلاع رأي أمريكي صادمة للاحتلال    إصدار القرار المتعلّق بضبط تطبيق إعداد شهائد خصم الضريبة من المورد عبر المنصة الإلكترونية    حضور جماهيري غفير لعروض الفروسية و الرّماية و المشاركين يطالبون بحلحلة عديد الاشكاليات [فيديو]    اليوم: إرتفاع في درجات الحرارة    حوادث: 07 حالات وفاة و اصابة 391 شخصا خلال يوم فقط..    انشيلوتي.. مبابي خارج حساباتي ولن أرد على رئيس فرنسا    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مع الشروق .. زيت يضيء وجه تونس    قيادات فلسطينية وشخصيات تونسية في اجتماع عام تضامني مع الشعب الفلسطيني عشية المنتدى الاجتماعي مغرب-مشرق حول مستقبل فلسطين    حل المكتب الجامعي للسباحة واقالة المدير العام للوكالة الوطنية لمقاومة المنشطات والمندوب الجهوي للشباب والرياضة ببن عروس    الدورة 33 لشهر التراث: تنظيم ندوة علمية بعنوان "تجارب إدارة التراث الثقافي وتثمينه في البلدان العربيّة"    النادي الافريقي - اصابة حادة لتوفيق الشريفي    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    مدير مركز اليقظة الدوائية: سحب لقاح استرازينيكا كان لدواعي تجارية وليس لأسباب صحّية    نحو 6000 عملية في جراحة السمنة يتم اجراؤها سنويا في تونس..    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    أسعارها في المتناول..غدا افتتاح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك بالعاصمة    عاجل : إيلون ماسك يعلق عن العاصفة الكبرى التي تهدد الإنترنت    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    بعيداً عن شربها.. استخدامات مدهشة وذكية للقهوة!    تونس تشدّد على حقّ فلسطين في العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتّحدة    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القنديل الثاني: الكاتب الحر سليم دولة ل «الشروق»: بالفلسفة... حولت هزائمي الى غنائم
نشر في الشروق يوم 07 - 12 - 2009

في نصه الطوفان والتبر، نزيف الحجر، وبيان اللغات والأديان، غريق متنه سابح في فضائه الشاسع المجهول، متخفٍّ في أطياف المقيمين والعابرين على الأرض، مرتحلٌ أبدي، فكيف تلتقيه وهو أسير وجعه والبحث الجليل عن الحرية والحقيقة؟ كيف تلتقيه وهو الهارب الأكبر في حكايات ثوراته وتمرده؟ انشغل بالمتن الخلاق فأغلَق على القلب أبواب العزلة، والعزلة تتيح لمن مثله إقامة جادة الحساب مع الدهر مع النفس ومع الذات، والعزلة فضاء أكثر رحابة لسبر المجهول والبحث عن السر. سر المعادلة لكيمياء الحياة. في المدينة، في هذا النقيض الخلاق يمارس فعل الكتابة ويقترف حكمة التأمل، شق سراب عمره الأولي في متاهات قفصة صحرائه الأبدية، في عيش النقيض وحزن جليل يصيب عقله، هو ذلك القفصي يجري خلف ظلّه في الخلاء الأكثر خلاء، وفي المكان الأكثر قسوة حيث يتعادل العدم والروح، الماء والسراب، الممكن والمستحيل، الأمل والألم.
سليم دولة لا يشبه أحدا إلا سليم دولة، دكتور جيكل ومستر هايد، شخصيتان التحمتا لتجعلا منه هائم الروح والجسد، يتهمونه بالعنف وسلاطة اللسان، اتهمه باللطف وكثرة الحنان، مخلص لنفسه ولمبادئه وصداقاته، شاسع المعرفة كريم بعطائها،معقد الشخصية دامي الجراح، أتيت للحديث باحثة عن باب أفتحه أو نافذة للعبور على هذا المنغلق، كيف نعبر إليه وماذا سنفتح وهو كصحرائه شاسع غامض بلا أبواب ولا نوافذ.
كيف ترى نفسك كفيلسوف؟
- فيلسوف صفة لا أدعيها، ذلك أنه يتعذر علي أن أكون عقلانيا دائما في سلوكي وحياتي اليومية، وفقاً لمقتضيات العقل النقدي، إذ أني عاطفي إلى حد تبذير العواطف، من ذلك مثلا أخذت على نفسي عهدا بمعنى عقد عاطفي أن لا آكل لحم الأضاحي، لإحساس سري ربما بعلاقة الحميمية مع الحيوان وآل الحيوان، وأنت تعرفين الرسالة التي كتبها إخوان الصفاء والموسومة بتداعي الحيوان على الإنسان، لماذا أنحر خروفا؟ هل رمح أمي أم أبي؟ وقد يكون للتأثير السري أيضا لشعر أبي العلاء مفعوله حين يخاطب الديك الذي قدم له ذات مرض بأنه الشفاء الضروري، وحين تحسسه بأنامله وهو الضرير كف عن الأكل ومنطق الأكل وحاجات الأكل، حين اجتاحته حاجات الشعر مخاطبا شقيقه الحيوان: «استضعفوك ووصفوك، فهل وصفوا شبل الأسد؟» يعني أن الخرفان وهي البديل الرمزي من إسماعيل لم تكن تملك القدرة للدفاع عن نفسها، وبذلك أحس أنه ثمة ما يشبه العقد العاطفي بيني وبين الحيوان. في زمن الأزمنة التي يوجد فيها أزمة الجميع يذهب إلى الحيوان، الجاحظ، الأعشى، عندما ينكسر العقل العاطفي يلتجأ إلى الحجر. .. إلى الحيوان.
أنت فيلسوف يجول المدينة؟
- لقد وصفت أكثر من مرة وأكثر من مقال بأني سقراط المدينة، - وياللمفارقة – أن التهم إياها التي وجهت لسقراط وجهت إلي، وهي: إفساد الشبيبة، إذ كتب أحدهم تقريرا سريا يصفني بأنني «أحضّ الطلبة والتلاميذ على التمرد على كل المؤسسات» وهذه التهمة تلاحقني منذ مايزيد عن 27 سنة، كما تلتصق هذه التهمة بتهمة نفي الألوهية، ولقد سمح لنفسه أكثر من إمام أن يركب أحرف إسمي ولقبي في سنوات معلومة، وفي أكثر من جهة من البلاد متهماً إياي وفق الصياغة التالية: «يبدو أن الرجل مرتد، والردة شأنها خطير في الإسلام» وأكثر من ذلك، فقد تماوت أحدهم من على المنبر حاثاً أهل مدينته لتطهيرها من شخص إسمه سليم دولة، لما أحدثه من إرباك في صفوف شبيبتنا.
كيف كان ردك؟
- توقفت ذات صباح عن الدرس، وخاطبت تلامذتي «أعتذر لكم واحداً واحدة هذا الصباح لأنني أجدني مضطراً للدفاع عن نفسي، بعض أئمة الزور والدهر قد توغلوا في شتيمتي من منابرهم الفاخرة،أنا مضطر لشتمهم من على مصطبتي المتواضعة، هم من موظفي الدولة التونسية وأنا من موظفي الدولة التونسية، فباسم أي سلطة يتطاولون علي؟ وأكثر من هذا لقد أضربت عن التدريس وطالبت حينها وبعد تهديدات بالقتل أن أدرس في أكثر المدارس علمانية، فما كان من الوزارة إلا أن أرسلت متفقداً أتى في زيارة فجئية، ترددت في قبوله، وحين دخل كنت في حوار مع تلاميذي حول أخطر أشكال الإغتراب، لم يعن المتفقد بالدرس، بل أخذ ثلاث كراسات للتلاميذ يراقب ما كنت أدرسه، ولم يرفع رأسه إلا حينما قلت: «إن ماركس هو فيلسوف الحب بإمتياز»، وبررت ذلك أن أكبر أشكال الإغتراب وأكثرها قسوة، ليس الإغتراب الديني، ولا الإغتراب في العمل، ولا الإغتراب الإجتماعي، وإنما هو الإغتراب العاطفي، وأحلت على النص المثبت في كتابهم المدرسي، وطالبتهم بصفة شخصية فلسفية تتعلق بتصريف اليومي: الإقتصاد في الخيانة مع ذواتهم، فنهض المتفقد وشكرني وعاد إلى كرسيه، لكن المفارقة أنه عندما قدم تقريره وبعد مدحي منهجيا ولغويا، أضاف ملاحظا: «لقد أطال الأستاذ في محور الدين وهو على قدر متأخر من البرنامج، فأجبته أنني لم أكمل في أي سنة من سنوات التدريس البرنامج، وليس بنيتي ان أنهي برنامجاً طالما بقيت أدرس، كل من يزعم أنه استطاع أن ينهي البرنامج في مادة الفلسفة أعتبره شخصيا جاهلا، لا يمكن نهي القول الفلسفي في قضية من القضايا مرة واحدة وإلى الابد، مع الملاحظ أنه كان معدل الساعات لتلاميذ الأداب في مادة الفلسفة رسميا سبع ساعات، وإحدى عشر ساعة معدل تدريس تلامذتي الإستثنائيين والرائعين بمعهد الوردية سنة 1983.
لم تجبني على سؤالي؟
- لقد نسب نيتشه الفلاسفة إلى الطبابة إذ أعلن: «الفلاسفة هم أطباء الحضارة» أنا لم افلح في تشخيص أدواء الحضارة، لكني على علم بأدوائي الخاصة، إني موجوع لغة تكاد لا تسميني، أقصد اللغة العربية، وموجوع أمة خذلت تاريخي، وموجوع رفاق لم يلتزموا بالعقد العاطفي، يعني الإنتماء إلى الذات واللغة والوطن والأمة، فتجديني أعاني اليتم العاطفي، أحس باللقاطة الحضارية، لا لافتقاري إلى تاريخ تليد، وإنما لمعاناتي من ثقل حضاري قد تخففت منه أمم أخرى، قد تتعجبي وأنا أتحدث عن الأمة وأنا اليساري؟ تتعجبين وأنا أتحدث عن الوطن في زمن العولمة؟ وعن اللغة العربية زمن الثورة الرقمية؟ والمرور من حروفية قوتنبرغ إلى ميكروسوفت، ما يبرر تشبثي بشيء اسمه لغة الأم والوطن وعقل التراب، إنما هو الإكتساح لما يسمى الهويات المحلية، ذلك الذي يسميه جاك أتاري «البداوة الحديثة» لرساميل البضائعية، والرساميل المالية، ليست مجرد جولان للتقنيات وإنما هي إختراقات قاتلة من شأنها أن تستفز الهويات القاتلة فعلا، والتي هي هويات على جاهزية مطلقة للمرور من بعدها الإجتماعي والحضاري المسالم إلى بعدها القتالي الإستشهادي، وفقا للدلالة العدمية للإستشهاد، حينما ترفع هذه الهويات ذاتها من المجال الدنيوي إلى مجال القداسة، عندها يكون المقدس خزانا للعنف، ذلك أنه ليس ثمة أعنف ممن يمارس العنف باسم المقدس، أي مقدس كان، إذ يمكن للدنيوي أن ينتحل صفة القدسية، لأول مرة أعلن الرئيس الأمريكي المدان من قبل النخب الفكرية بما فيها الأمريكية «لأول مرة أشعر أن الله في البيت الأبيض «فهل ثمة أصولية أكثر من هذا البلاء؟ أن تزاول حياتك الفلسفية يعني أن تعترف بأنك فشلت فشلا ذريعا في المساهمة في التدخل في الشأن العام والعمومي، وأنه لم يبق لك سوى قلعة الاقتصاد في تبذير ما بقي لك من حياتك،
هل ساعدتك الفلسفة في مسيرة حياتك؟
- ساعدتني بما هي حكمة لتحمل هزائمي الشخصية، وجعلتني أحول الهزائم إلى غنائم، لهذا كتبت:
«إن غنائمي من أمتي هزائمي» «وسلمت أمري العاطفي إلى قططي».
أنت فيلسوف برداء شاعر؟
- بدءا هذا الكلام يلزمك، ليس من سبيل الصدفة أن يوجه ردولف كارنا في كتابه «العلم والميتافيزيقيا «نقدا لاذعا لفلاسفة كبار مثل ديكارت وهيدغر، بأنهم شعراء ضلوا سبيلهم إلى الفلسفة، كلنا ولدنا شعراء عفويين وفلاسفة عفويين، وما التصنيف إلا ذهنية وصفها نيتشه «بذهنية أصحاب العقل الحانوتي «وبهذا المعنى لست حانوتياً، أما كان المعري فيلسوفاً وشاعراً، أليس محي الدين بن عربي فيلسوفاً وشاعراً؟ ابن الفارض؟ والنظم الذي صاغه ابن سينا أو ابن طفيل؟ أليس نيتشه شاعراً؟ألم يجرب التلحين؟ كيف نفهم علاقته مع فاجنر؟ كيف نقرأ «هكذا تحدث زرادشت؟ أميز بين الأداء الكتابي الشعري، والأداء الفلسفي، غير أني لا أفصل بين أروقة المعرفة، الشعر موجود في إيقاع الحياة اليومية، ليس صدفة أن يردد سقراط أن فيلسوفاً لا يرقص غير جدير بالإنتماء إلى الفلسفة. وما الشعر إن لم يكن إيقاعاً؟ ويزعزعه تواضعي أنا شاعر قبل أن أكون فيلسوفاً. وما كنت أنشر نصوصي الشعرية إطلاقاً خجلاً مني، إذ لا أساوي حرفاً من مجنون ليلى أو المتنبي أو أصحاب المعلقات. لكن الشعر ترهل على مستوى الخارطة العربية مع استثناءات ليست بالكثيرة، جعلني أواصل نشر نصوصي الشعرية التي كان يمكن أن تصدر باسم غيري لو لم يتراجع هذا الغير ويصبح هاجسه غير شعري، إنه ثأري الشخصي والحبري، إذا كان الشعراء في تونس تحديدا قد نضب لديهم من نسغ الإندفاع، فإنني أخاطب الذين يتجاوزهم الأمر، بأنه ما زال في الذوات مداد لم يعمل أحد على إستئصال نسخه.
أين جيل شعراء الثمانينات وأنت منهم؟
- في الثمانينات خرج جيل من المتمردين كتابة ومسرحا وفنا وسينما، وشاءت صدفة الميلاد أن أكون واحدا منهم، وكان المطلوب حضارياً ممارسة النقد دون إستحضار لسلطة أي رقيب، وأوت مجلات هذه الأقلام مثل «الراي» و«أطروحات» و«المغرب العربي» المأسوف على إختفائه. أنا لا أؤمن بشيء إسمه جيل، أؤمن بأصحاب المواقف والمبادئ، كان المطلب الرئيسي: المساواة والحرية بأسمى معانيها،المساواة في توزيع الثروة والمساواة في حرية التعبير. إن للعمر منطقة، فقد أصبحت اليوم أطالب بمساواة لا تقل خطرية عن مساواة بالمعنى التقليدي للكلمة، المساواة للتوزيع العادل للقمع، ذلك أنه تبين لي أن التوزيع العادل للثروة أو في التعبير، والفرص في العمل مثلا إنما هو عمل طوبائي، لقد حلمت به شخصيا من بين الحالمين، لقد قضى نشر أشعاري الازدواج فيها ودون اصطناع بين الشأن السياسي والشأن الاستيقي، أعتبر أن كتابي «ديلانو شقيق الورد «من أجمل وأجرإ الدواوين التي صدرت في تونس مما يزيد عن نصف قرن، وسيظل وثيقة إن لم تكن جمالية ستبقى حضارية، بأنه ثمة عطب ما قد أصاب الروح العربية، وليس مطلوبا من الشاعر أو السينمائي أن يقدم بديلا مطبخيا جاهزا عما تقدمه المطابخ السياسية.
روحي سقطت بين غفوتين من صفحة من كتاب الأغاني
كتابك «ديلانو شقيق الورد» الذي صدر سنة 2008 هو نص بشكل ملحمة؟
ملحمة تتأسس على أن أحدهم رأى في المنام أنه مات، رفع إلى السموات، أو نزل إلى الأرضين، عند الألفية الرابعة، أي بعد قرنين، رجعت روحه تمارس ضربا من الترحال في خارطة الوطن العربي، وأخذ يتصفح أحوال البلاد، فحزن وطرب وبكى ورقص مع أجمل ما يعتبر من المتون الثقافية التي أنتجتها المنطقة، من ذلك «كتاب الأغاني» سلامبو «الفرج بعد الشدة» منامات الوهراني» نزل الأنباء في ما يوجد في كتاب «مستحضرا الشوارع التي مر بها والأبواب، باب الفلة، باب العسل، باب السور، باب بنات، باب المعظم في العراق، شاكيا متشكيا لما آلت إليه الأزمان، سائلا ضيفه كيف هي أحوال المكتبات والطلبة والطالبات، ما احتياطي من الشتائم التي يعترف أنها مقذعة إزاء كل من خان الوطن والأمة واللغة؟ يعني ذلك أن حيازته على مكان بين الكواكب بعيدا، لم يثنه عن تشبثه بوطنه وبلغته وبأمته وبالتراث الكوني، ليس صدفة أن يكون حضور إيديت بياف آسراً حينما تعلن «لا لست نادمة على شيء» التي «تشعل النار في الحب القديم والذكريات» كما أن الذات الكاتبة لم تعلن توبتها عن أي حماقة ارتكبتها، تمضي وهي في هشاشتها إلى بكاء نسائي أنثوي، يرتكبه الذكر، لم يتنكر ديلانو لأنوثته، آخر مطلع في الكتاب هو كلمة السر «روحي سقطت في أرض تونس بين غفوتين من صفحة من كتاب الأغاني»
أعدت إصدار كتاب السلوان سنة 2009؟
- الكتاب جامع لنصوص كتبت في أزمنة متفرقة منها ما يعود إلى القرن الميت وفي أمكنة متعددة، الأهم من الكتاب من حيث المتن هو عنوانه «كتاب السلوان» كل من يردد زمن المآتم «الصبر والسلوان» الذي يقترن بالصبر والعزاء ومشتقاتها، غير أن لسان العرب يبين لنا أن السلوان إنما هو وصفة طبية اختلف علماء اللغة في أصلها، والأكيد أن السلوان هو ما يمزج بتراب القبور ويشربه العاشق المريض بداء الحب والذي تعتبره العرب «حالة من حالات الموت» حين يسقاه العاشق أو الموطون المريض بحب وطنه «فينسى فيسلى فيشفى، كما يعرف السلوان بالخرزة توقع بها النساء من يردن الإيقاع به، وفي كل الحالات استعملت العنوان دلالة على النسيان، ذلك أن النسيان الثابت الرئيس، كما الذاكرة في حياة الإنسان، خصصت الحضارة اليونانية للنسيان الآلهة «ليتا»، يعني أن النسيان تأسيسي، ماذا لو لم ينس آدم وحواء الأوامر الإلهية؟ إكتشاف الإنسانية للجسد ولمواطن اللذة والألم، هذا يمكن تسميته بالنسيان التأسيسي، يعني ذلك أن الإنسانية جمعاء مدينة لحدث تدشيني إسمه النسيان، أما النسيان المرضي فهو ذلك الذي يغفل فيه أبناء الأمة عن لغتهم، وأبناء الوطن عن عقد ترابهم، والأصدقاء عن متن صداقتهم، ذلك أن الإنتماء إلى الرحم ومنها الرحمة، والإنتماء إلى الوطن يعني الإلتزام بتقاسم اللذات كما الآلام بالسوية،
من كتاب السلوان: ماذا سأقول لربي / عندما يسألني ربي /عن «الخير العميم» بالبلاد / من «فضل ربي»/ وأنا المتهم به / ماذا سأقول عندما يسألني عنك ربي / وأنت المتهمة. ..بي.
وفي تقديمه كتاب ديلانو شقيق الورد: تنبيه جمالي: من لم يكن موجوعاً من الخلق... عاطفيا، لا يقرب هذا الكتاب / وتنبيه طبي: من كان رهيف القلب من الخلق أنصحه لوجه الحبر تجنب هذا الكتاب / تنبيه شعري: هذا الكتاب في الصفاء الشعري الخالص المخلص للذات، ومن لم يعجبه فقد كتب لسواه / تنبيه عشقي: منعت من طلب يديها، أطلب رجليها أيها العاشق بلا ندم / هذا الكتاب في جني ثمار ألذ الخسارات /


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.