في الوقت الذي تشهد فيه البلاد من شمالها الى جنوبها أنشطة سينمائية مكثفة ربما لم تشهدها في مواسم سابقة وخصوصا في افتتاح كل موسم نصطدم مرة أخرى بأزمة أصبحت مثل المرض المزمن وهي أزمة القاعات التي باتت تبرز في كل موسم مؤكدة حدتها وذلك كلما تكثفت الأنشطة والعروض والتظاهرات. وفي لقاء مع المخرجة السينمائية رجاء العماري لم تخف هذه الأخيرة صدمتها لما آلت اليه قاعات السينما في تونس حتى انها فوجئت لما علمت ان فيلمها «الدواحة» سيعرض في ثلاث قاعات فقط نظرا لقلة القاعات المتوفرة بالبلاد وندرة الصالحة منها للعرض وتساءلت المخرجة : لماذا نصنع افلاما اذا لم تكن هناك قاعات؟ وما ذنب الجمهور في باجة والكاف والوطن القبلي ومدنين وتطاوين حتى يحرم من مشاهدة الأفلام وخصوصا التونسية منها؟ واذا كانت رجاء العماري قد عبرت عن صدمتها لما آل اليه الوضع لتأكدها من حدة الأزمة فان مخرجين كثيرين نبهوا الى خطورة ذلك ليس على الجمهور والسينما فحسب وانما على عملهم كذلك لان وجودهم هو رهين وجود القاعات واذا ما اختفت القاعات فهذا يعني عدم جدوى وجودها. في المقابل ورغم تواصل سيناريو غلق القاعات نلاحظ ان الأنشطة السينمائية في تزايد مستمر حتى أنها تكاد تعم كامل البلاد مثل أيام السينما الأروبية التي امتدت في هذه الدورة لتشمل سبع مدن تونسية هي تونس وجندوبة وسوسة وصفاقس والقيروان وقابس والمهدية. وأيام السينما الفرنسية التي تنشط بدورها في ثلاث مدن وحديثا أيام السينما الأمريكية التي تحاول بدورها ان تجد لها موقعا بين السينماءات الأروبية والأجنبية بتونس. ولسائل أن يتساءل هنا كيف نجحت هذه السينماءات في اثبات حضورها في تونس والانتشار في أكبر عدد من المدن التونسية وأين يعرض اصحاب هذه السينماءات افلامهم في وقت تعاني فيه البلاد من قلة القاعات وهل يصبح الأوروبيون والأمريكيون أكثر منا غيرة على السينما في بلادنا؟ بل هل نطلب منهم ان يستثمروا في قطاع الاستغلال والتوزيع السينمائي في بلادنا خصوصا وأن المستثمرين التونسيين لا يودّون الاستثمار في هذا القطاع والقطاع الثقافي عموما ؟!! أسئلة كثيرة ستظل مطروحة الى أن يصحو وعي المسؤولين على أزمة قطاع الاستغلال والتوزيع السينمائي وقطاع الثقافة عموما لأن البلد الذي ليس فيه سينما تنعدم فيه الحياة. وعلى حد قول غودار «من يحب الحياة يذهب الى السينما».