أن تتحدث مع مروان البرغوثي يعني أنك تحاور قائدا فذّا ورمزا ومناضلا وأسيرا وسياسيا محنّكا ومهندس الانتفاضة وعقلها المدبر... فهذا القائد البطل الذي يقبع في السجون الإسرائيلية لخمسة أحكام مدى الحياة بتهمة القتل يكفي أن شارون أبدى أسفه لأنه اعتقل حيا قائلا «كنت أفضّل أن يكون رمادا في جرّة».. لكن رغم سنوات السجن القاتلة فإنه ردّ على شارون وعصابته قائلا «إذا كان ثمن حرية شعبي فقدان حريتي فأنا مستعد لفقدان هذا الثمن».. الحديث مع مروان البرغوثي لم يكن بالأمر الهين بل استغرق أياما عديدة تمكنت خلالها «الشروق» إلى عبر مصادرها الخاصة من اجراء هذا الحديث الذي تطرق إلى أبرز المواضيع الساخنة في الساحة الفلسطينية وأجاب خلاله المناضل مروان البرغوثي عن كل أسئلة «الشروق»... صفقة تبادل الأسرى، المفاوضات مع إسرائيل، موقفه من إدارة أوباما وترتيب البيت الداخلي.. وغيرها من المواضيع الأخرى. وفي ما يلي هذا الحديث: بداية، كيف تتابعون الحراك القائم حول صفقة الأسرى.. وهل تتوقعون أن تكونوا ضمن هذه الصفقة؟ لقد أعلنت قيادة حركة «حماس» مرات عديدة أنني جزء من الصفقة ومن القائمة التي تشمل 450 أسيرا وأنها تتمسك بجميع الأسماء.. كما أنها أكدت على أعلى مستوى قيادي لزوجتي الأستاذة المحامية فدوى البرغوثي ولأصدقاء آخرين تمسكها بالإفراج عني في الصفقة... وأملي كبير بالعودة إلى بيتي وأسرتي في رام الله. وأريد هنا أن أؤكد أن تحرير الأسرى والإفراج عنهم واجب وطني على الجميع والأسرى هم مناضلون من أجل حرية شعبهم واستقلال بلادهم وهم مقاومون للاحتلال... ومروان البرغوثي جزء من قائمة قادة ومناضلين من مختلف الفصائل التي طالبت ولا تزال الفصائل الآسرة للجندي بالإفراج عنها... هناك من يطرح اسمكم إذا ما تم الإفراج عنكم، لخلافة الرئيس محمود عباس... فما هو موقفكم بهذا الشأن؟ عندما يتقرّر موعد نهائي للانتخابات في الضفة وغزةوالقدس وفي ظل وفاق وطني ومصالحة وطنية فإنني سأتخذ القرار المناسب في حينه... في هذه الحالة، ما موقفكم من مسألة المفاوضات مع إسرائيل... وكيف تنظرون إلىتعاطي السلطة مع هذا الموضوع؟ المفاوضات فشلت أولا بسبب غياب الشريك الإسرائيلي للسلام الحقيقي والعادل والشامل ومن المؤسف أن إسرائيل تزداد تطرفا ويمينية وتعصّبا وتزمتا وأنها تفتقد إلى الزعيم الذي يؤمن بالسلام ومستعد لأن يضع نهاية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وما تبقى من الأراضي العربية مثل الجولان السوري ومزارع شبعا في جنوب لبنان ولا يوجد في إسرائيل زعيم مثل ديغول الذي أنهى الاستعمار الفرنسي للجزائر أو مثل دوكليرك الذي أنهى نظام التمييز العنصري في جنوب افريقيا. لقد منح الفلسطينيون الرئيس أبو مازن فرصة للمفاوضات التي يؤمن بها ويدافع عنها منذ سنوات طويلة وقالت فيه أمريكا واسرائيل انه الزعيم الأفضل للفلسطينيين وانه شريك حقيقي للسلام ورحبوا بانتخابه قبل خمس سنوات ووافقوا على خارطة الطريق ونفذ كل ما هو مطلوب منه وذهب الى أنابوليس وفاوض أولمرت وليفني وعقد عشرات اللقاءات فماذا كانت النتيجة ؟؟ .. مزيد من المستوطنات ومزيد من مصادرة الأراضي ومزيد من تهويد القدس وهدم المنازل وطرد اصحابها وعزل المدينة وخنق السكان واقامة جدار الفصل العنصري ونشر مئات الحواجز العسكرية في الضفة وشن حرب عدوانية وهمجية على غزة وقتل آلاف الفلسطينين وتدمير آلاف المنازل واستمرار اسرائيل في اعتقال عشرة الاف أسير فلسطيني.. وثانيا لانه لم يتم اسناد المفاوضات بوحدة وطنية وببرنامج صمود وطني ومقاومة شعبية فاعلة يشارك فيها ومتفق عليها الجميع .. ونحن لا نرفض المفاوضات من حيث المبدإ بل دعونا دائما الى المزاوجة الخلاقة بين المفاوضات والمقاومة.. وفي الظروف الراهنة فان ممارسة المقاومة الشعبية الى جانب العمل السياسي سيكون مفيدا ويجب التمسك بالمقاومة التي يقبلها ويحميها القانون الدولي .. ويجب ان نتذكر انه من حق الشعب الفلسطيني مقاومة الاحتلال في اطار القانون الدولي الذي يمنح الشعوب الخاضعة للاحتلال حق مقاومة الاحتلال فان مقاومة الاحتلال العسكري والاستيطان هو واجب وطني وقومي وديني وانساني وأخلاقي وقانوني .. كيف تنظرون الى التعثر القائم في مسار المصالحة الوطنية .. وما هي الآليات الكفيلة، من وجهة نظركم،بدفع قطار الوحدة الفلسطينية؟ - ان الخطوة الأولى المطلوبة فلسطينيا في اطار خطة وطنية استراتيجية هي انهاء الانقسام الكارثي وانجاز المصالحة الوطنية على أساس الالتزام الدقيق والأمين بوثيقة الأسرى كبرنامج وطني شامل والتوقيع على الورقة المصرية للمصالحة لأن الوحدة الوطنية هي قانون الانتصار للشعوب المقهورة ولحركات التحرر الوطني .. وثانيا انجاز انتخابات رئاسية وتشريعية وللمجلس الوطني وابقاء ملفي المقاومة والمفاوضات والعمل السياسي في أيدي منظمة التحرير الفلسطينية التي يجب ان تشارك فيها «حماس» و «الجهاد» أما الحكومة فيتم تشكيلها بناء على نتائج الانتخابات القادمة على أن تكون حكومة وحدة وطنية على أساس مهني ولا تتدخل في الشأن السياسي.. ان ما تتعرّض له القدسالمحتلة من عدوان وتدمير ومضايقات واستيطان وتهويد وما تتعرض له الضفة من استيطان واسع واستمرار للحصار وحرب التجويع على غزّة يستدعي كل هذا تجاوز الخلافات والتفاصيل والعلوّ فوق الجراح والمصالح الحزبية من أجل القدس والشهداء والأسرى والشعب الصابر الصامد وأن تحقيق المصالحة أمر ممكن وضروري وواجب وطني مقدّس. بعد مرور نحو عام على وصول أوباما إلى الحكم.. كيف تحكمون على تعاطيه مع الحقوق الوطنية الفلسطينية.. وإلى أي مدى أوفى بوعوده في ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية برأيكم؟ لقد رحّب الفلسطينيون بانتخاب أوباما رئيسا لأمريكا أسوة بغالبية الشعوب في العالم وتفاءل الكثيرون به وخاصة تصريحاته في الأسابيع الأولى ثم خطابه في القاهرة ودعوته إسرائيل إلى وقف شامل للاستيطان كمقدمة لاستئناف المفاوضات ولكن بعد مرور عام على انتخاب أوباما أثبتت الولاياتالمتحدة أنها مازالت منحازة لإسرائيل وهي حليفة لها ومن المؤسف تراجع موفق أوباما عن ممارسة الضغط على إسرائيل للوقف الشامل للاستيطان وآمل أن لا يضيع الرئيس أوباما الوقت والفرصة لاحلال السلام في المنطقة وهذا يتطلب موقفا أمريكيا شجاعا وصريحا يجبر إسرائيل على إنهاء الاحتلال والانسحاب إلى حدود 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية والمفاوضات خلال 20 عاما لم تحصد سوى الفشل بسبب غياب الشريك الاسرائيلي للسلام وغياب الراعي الدولي النزيه والسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط مازالت مخيبة للآمال. كقيادي فتحاوي في الأسر، كيف تنظرون إلى واقع حركة «فتح» اليوم.. ماذا عن ترتيب بيتها وخياراتها في المرحلة القادمة.. ثم ماذا عن منظمة التحرير.. وهل مازالت هذه المنظمة برأيكم تملك مواصفات الصمود؟ إنّ انعقاد مؤتمر «فتح» في بيت لحم كان خطوة هامة في طريق طويل لإصلاح وتجديد وتعزيز وتقوية حركة «فتح» وقد جرى تجديد في اللجنة المركزية بنسبة 75٪ وفي المجلس الثوري بنسبة 90٪ وقد دخلت دماء جديدة وطاقات جديدة وعقول جديدة في قيادة الحركة.. والآن هناك تحديات كبيرة يتوجب على القيادة الجديدة مواجهتها وفي مقدمتها تحدّي إنهاء الاحتلال وإنجاز الحرية والاستقلال لأن هذه هي الاولوية الاولى والمقدسة لحركة «فتح» وللشعب الفلسطيني والتحدي الثاني إنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة الوطنية وإعادة الوحدة للوطن والشعب والسلطة والقيادة والتحدي الثالث استنهاض وإعادة بناء مؤسسات حركة «فتح» وتكريس الحياة الديمقراطية فيها والتمسّك بالثوابت الوطنية التي أكد عليها برنامج الحركة السياسي. أما بخصوص منظمة التحرير الفلسطينية فهي تحتاج الى تطوير وإعادة بناء والى انتخاب مجلس وطني جديد ولجنة تنفيذية جديدة بمشاركة كافة الفصائل بما فيها «حماس» و«الجهاد» حتى تكون ممثلة لكافة القطاعات والفصائل وللشعب بأسره في الداخل والخارج ولتعزيز دورها النضالي والقيادي لشعبنا في الوطن والشتات... والدولة الفلسطينية قادمة لا محالة لأن إقامتها بعد زوال الاحتلال هو مفتاح الأمن والاستقرار والسلام في الشرق الاوسط.