حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي في تونس المستقلة حديثا، وضمن المشهد السياسي والتنموي، الذي طبع فترة بداية الستينات، يواصل صاحب المذكرات الحديث عن المشهد التعاوني بين تونس وعدد من البلدان، في مجالات متعددة منها الصناعة والسياحة والفلاحة.. في هذا المضمار يقول «سي أحمد» بن صالح ان الاجتماع الذي يتم بيننا كجهة تونسية وبقية البلدان التي يفوق عددها العشرة، والتي مهتمة بالتعاون معنا كان يعنى ببسط تقرير عن الذي أنجز والذي هو منتظر في الفترة الموالية.. كان من بينها ما أذكره بكل اعتزاز ذاك التعاون المثالي مع السويد وكندا... فالتعاون مع هذين البلدين بالذات، وغيرهما من البلدان الأخرى لا يقتضي اي شرط أو طلب من لدنها... كأن تشترط الاستعانة لتنفيذ مشروع لها له علاقة في تونس، بالخبرات الكندية او السويدية.. أبدا.. هنا سوف أقدّم مثالا على ذلك، اعتبره من الأمثلة ذات الدلالة على ما أقول.. وهو مثال، للتعاون ومع السويديين، فقد ساعدتنا السويد على بناء ميناء للصيد البحري بقليبية بداية الستينات بالطبع وكنت شخصيا أعرف قليبية وما يحدث بها من حوادث فقد كان كل اسبوع يشهد وفاة عدد من الصيادين، لأنهم لا يمتلكون سوى قوارب قديمة ومتقادمة وليس بقليبية ميناء للصيد البحري.. كما ان الصيادين لم يكونوا يحظون بتكوين في مجال الصيد خاصة منهم الذين يبحرون في أعماق البحر.. فكان الوضع يقتضي بناء ميناء للصيد البحري، ومدرسة لتكوين الصيادين، وبناء عمارة كبيرة نقضي بها على الأكواخ Les gourbis. كما يحتوي مشروع التعاون على أول مركز صحي للأم والطفل.. هذا المشروع وقع إقراره لأنني أعرف قليبية جيدا وما يمكن ان تتطلبه من مشاريع لرفع المآسي التي كانت تحصل..». قلت ل «سي أحمد»: لماذا السويد بالذات، فلقائل ان يقول: ما دخل السويد البعيدة بتونس حديثة الاستقلال؟ ردّ «سي أحمد» وهو يبتسم ويذكّر بأنه «كان لي صديق سويدي مقيم بتونس، ممثلا لمكتب الأممالمتحدةبتونس اسمه «Torsten gardhund» «تورستن قاردلند» وهو أستاذ جامعي وكان يبعث أحيانا بعضا من طلبته السويديين يتدرّبون في وزارة المالية بتونس.. في شكل تدريب بيداغوجي تابع لمجرى دراستهم بالجامعة، وذلك في إطار التكوين الأكاديمي. قلت لصديقي هذا: أريد شيئا جديدا مع السويد أريد مشروعا متكاملا والمشروع يقتضي تشييد ميناء ومدرسة صيد بحري (لتكوين الصيادين والتقنيين) ومحطة للماء الصالح للشرب، وعمارة للقضاء على الأكواخ والمساكن غير الصالحة ومصحّة الأم والطفل التي تدخل ضمن برنامج تنظيم النسل قلت له: أنت كأستاذ اقتصاد، أبسط أمامك هذه المتطلبات.. ثم اتفقنا، وقدّمنا المشروع بتأييد منه كأمم متحدة اي كجهة أممية، الى الحكومة السويدية.. اتفقنا معه، والحادث الذي وقع، ان وزير المالية السويدي (نظيره) كان سيأتي لإمضاء الاتفاقية حول القرض، الذي ستسديه السويد الى تونس.. وكانت زيارته لإمضاء الاتفاق ولتنفيذ القرض، لم يستطع الوزير السويدي القدوم.. الحادث المبهر الذي وقع، ولم يقع من قبل وأظن انه وقع في اي مكان من العالم... هو حادث جميل طبعا، يتمثل في ان نظيري السويدي بعث كاتبه (برتبة رئيس ديوان) ليعوّضه وتمّت الجلسة معه ومع سفير السويد في تونس. وكان سفير السويد هو من سيمضي (بروتوكوليا) على القرض، وكان المشروع الذي أنجزناه وتفاوضنا بشأنه مع السويديين، تهم ملفاته عددا من الوزارات المختصة.. وقبل دخولنا الجلسة، كان لي موعد مع كاتب الوزير الذي جاء يعوّضه فبسط أمامي الوثائق بشأن القرض ممضاة من الوزير نفسه وقال لي: أنا مكلف بأن أقول لك ان الوزير (السويدي) ترك فراغين يهم الاول مدة تسديد القرض والثاني يهم نسبة الفائدة وقال لي: الوزير يقرئك السلام، ويطلب منك ان تملأ الفراغين بما يناسب ظروف تونس..