دخل رئيس الوزراء اللبناني سعد الدين الحريري بعيد تشكيله الحكومة وانفراج أزمة الطاقم الوزاري الذي كان محل خلاف على مدى أشهر مع عدد من الشخصيات السياسية البارزة، دخل في خلافات مع الوزير غازي العريضي... خلافات وصفها البعض ب «التقنية». والبعض الآخر ب «السياسية وثمة من ذهب الى القول بأن السجال بين الرجلين مع بداية عمل الحكومة مرجح لمزيد من المواجهة والتصعيد، وثمة من فسر السجال باستقبال دمشق لسعد الحريري وتريثها في قبول استضافة الزعيم الدرزي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وهو الحزب الذي ينتمي اليه العريضي. وأيا كانت التفسيرات والتأويلات والقراءات يبقى حدث السجال المعلن بين الحريري والعريضي أمرا لافتا على اعتبار انهما ينتميان الى تكتل «قوى 14 آذار» وبتعبير أدق، كانا الى زمن قريب ضمن حلف سياسي واحد في مواجهة «قوى 8 آذار» (المعارضة). محور الخلاف الخلاف يبدو طبيعيا في اطار مناقشة شأن لبناني معين، ما لم يأخذ أبعادا سياسية وما لم يتطور الى «صدام» في التوجهات. محور الخلاف بحسب ما نشر من معلومات مرده طرح سعد الدين الحريري التمديد للشركة المتعهدة بخدمات مطار بيروت الدولي وتوزيع ملحق يتضمن بندا ينص على تكليف مجلس الانماء والإعمار باستدراج العروض. لكن غازي العريضي وباعتباره وزيرا للأشغال رفض طرح الحريري وطلب ان تتولى وزارته استدراج العروض مادامت تدفع من ميزانيتها، فرفض الحريري وأصر على طرحه، وسرعان ما تحول النقاش الى سجال حاد بين الرجلين، مما استدعى تدخل وزير الدولة وائل أبو فاعور ورئيس الجمهورية ميشال سليمان وايجاد حل وسط ينهي ظرفيا السجالات بتمديد عمل الشركة الحالية 6 أشهر، وبعدها يتم النظر في «القضية». وأكدت مصادر لبنانية أن النقاشات كانت حادة جدا حيث هاجم العريضي مجلس الانماء والاعمار وتحدث عن وجود سرقات، بينما شدد الحريري على أن أي عرض لتجديد الصيانة في مطار بيروت الدولي يخضع لمعايير الشفافية والنزاهة. وتساءل الحريري لماذا يرفض العريضي طرحه بالرغم من أن أي مناقصة (عرض) تتم في اطار قانوني شفاف، فيما تساءل العريضي مجددا لماذا لا تتم المناقصة تحت ادارة وزارته. مرحلة جديدة المصادر اللبنانية ذاتها قالت انه في حال لم يتم التوصل الى حل واذا استمرت السجالات على حالها فان لبنان قد يقبل مجددا على مرحلة جديدة عنوانها «الصدام». يملك غازي العريضي من الخبرة السياسية والجرأة ما يؤهله لأي نزال سياسي وقد خاض في أكثر من مناسبة مواجهات عنيفة مع شخصيات سياسية بارزة من أمثال العماد ميشال عون، وأيضا شخصيات من «حزب الله» وحركة «أمل». ومعروف عنه قدرته على الخطابة والاقناع، والتأثير، وقدرته على المناورة السياسية طالما ان الأمر يتعلق بمصلحة لبنان. سجل الرجل السياسي نظيف، ومشرف والكل يشهد له بالمهنية والكفاءة، كيف لا وهو الذي تقلد اكثر من منصب وزاري فمن وزير للإعلام في مناسبتين (2000 و 2005) الى وزير للثقافة (عام 2003) ثم وزير للأشغال العامة والنقل (عام 2008) وتم تعيينه في نفس المنصب في نوفمبر 2009. عمل طويلا مع رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، وتحالف لاحقا مع نجله سعد الدين الحريري، وعين وزيرا في أول حكومة له. على طرف نقيض يقف سعد الدين الحريري فهو حديث عهد بالسياسة لم يدخلها الا بعد رحيل والده مع دخول لبنان في دوامة العنف والسجالات والانقسامات السياسية، إرث والده الراحل وتحالفاته السياسية أهلته الى منصبه الحالي، لكن تبقى خبرته الأساسية في مجال المال والأعمال. الخلافات مع الوزير العريضي - بحسب مصادر لبنانية - ليست جديدة وانما كانت في الغرف المغلقة، وتتعلق في مجملها بحسابات سياسية، خاصة بعد حلحلة الأزمة التي كانت قائمة مع قوى «8 آذار» وسوريا التي ناصبها حزب جنبلاط العداء على مدى السنوات الماضية. الوزير غازي العريضي اكد في مقابلة صحفية نشرت مؤخرا أن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط على توافق تام مع سعد الحريري وأنه لا توجد خلافات قبل وبعد زيارة الحريري الى سوريا، لكن مصادر لبنانية رجحت ان الوضع على عكس ما هو معلن وأن سجال الحريري العريضي أثناء أول جلسة لمجلس الوزراء نتاج خلافات في الغرف المغلقة. في النهاية تقف السجالات عند حد ما هو معلن اي سجالات تندرج في اطار النقاش الديمقراطي، على أمل ان لا تفسد خلافات الغرف المغلقة الود بين الرجلين، وأن لا تأخذ طابعا سياسيا يعكر فرحة تشكيل حكومة التوافق.