تفتقر الساحة الفنية والثقافية عموما الى نصوص كوميدية وهزلية، جيدة وتجلى هذا الفقر في الغياب الباهت للكوميديا (سوداء كانت ام بيضاء) في تلفزاتنا واذاعاتنا. وهذا الفقر الكوميدي ساعد على ظهور نوعية جديدة من الكوميديا. لاقت رواجا كبيرا لدى المستمع والمشاهد التونسي .. كوميديا قطعت مع السخرية من شخصية الريفي، وتغلغلت في السخرية من شخصية الأحمق وتقليد سلوكات وطريقة حديث بعض الشخصيات المعروفة او الشهيرة. وفي هذا السياق برزت شخصية «بهتة» في سلسلة «سايس خوك» على اذاعة موزاييك وبسرعة البرق راجت شخصية «الحبيب ميقالو» في برنامج «ستاد 7» على قناة تونس 7. لكن هذه النوعية الكوميدية التي تبدو طريفة وجديدة بالنسبة للمتلقي ليست كذلك وانما هي كوميديا كلاسيكية، ليست بغريبة على من شاهد «القلابس» سنة 1995 مثلا. ثم إن كل من تابع تاريخ الكوميديا في الوطن العربي على الأقل منذ كان لدينا قناة واحدة تونسية يقف عند نوعين من الكوميديا، النوعية الأولى ، قائمة على السخرية من شخصية الريفي البسيط، والنوعية الثانية قائمة على السخرية من شخصية الأحمق وهذه النوعية برزت خاصة في الأعمال المصرية، وهي مضحكة لأن المشاهد العادي يرى نفسه في كل الأحوال أرقى من شخصية الأحمق. هجرة الى المسرح ولئن كان هناك شبه اجماع على أزمة النصوص الكوميدية فإن واقع الساحة الفنية والثقافية يبسط حقيقة أخرى تتمثل في كون النصوص الكوميدية تسجل حضورها بكثافة في الساحة المسرحية التي غزتها مسرحيات ال «وان مان شو» خاصة مع بعض المسرحيات الكوميدية. وفي هذا الصدد سجلنا هجرة بعض نجوم الكوميديا منذ فترة طويلة الى المسرح ومنهم «لمين النهدي» و «رياض النهدي» ثم في ما بعد «نصر الدين بن مختار» .. كما يمكن أن نلاحظ بوضوح تعدد مسرحيات ال «وان مان شو» في السنوات الأخيرة فمن «واحد منا» الى «سعدون 28 SDF» الى «Made in Tunisia» و «عشيري التاسع» «مادام كنزة» .. وغيرها من ال «وان مانشوات»... هذه الأعمال المسرحية وإن كانت ظاهرة صحية في ظل هجر الجمهور للمسرح في فترة من الفترات وفي ظل غياب الكوميديا في الاذاعات والتلفزات فانها تجسد الجانب التجاري الرامي الى الربح المادي السريع، فكانت من أبرز أسباب غياب الكوميديا عن شاشاتنا واذاعاتنا. ولما كان ذلك كذلك (على حد تعبير الجاحظ) فان «بهتة» و «الحبيب ميقالو» وغيرهم ان ثمة نصوص بصدد الكتابة في مثل هذه النصوص الهزلية سيجدون فرصة البروز في الساحة الفنية والثقافية مادامت النصوص الكوميدية غائبة عن المجال السمعي والسمعي البصري، ومادامت القدرات للممثل وشخصيته الكوميدية تجسد على الركح (وهذا من حق الممثل طبعا)، بتكاليف بسيطة، وبنجاح مضمون في أغلب الأحيان. «بهتة» نجح اذن في ظل «بهتة» مؤلفي السلسلات الكوميدية في تونس، استفاقتهم من بهتتهم» وكتابة نصوص لممثلين لا لشخصيات افتراضية ..!