الوجه الممتلئ للكأس في مؤسساتنا التربوية تؤثثه إبداعات بعضها تجاوز صداه حدود الوطن لتحتفي به منظمات إقليمية ودولية... مجموعة من تجارب الحفز على المطالعة والتعلم حضرناها بمناسبة انعقاد ملتقيات وطنية لتحفيز التلاميذ على المطالعة نعرض بعضها دعما للجهد والاجتهاد. «ورود باستور» مجموعة قصصية ألفها تلاميذ إعدادية باستور بمدينة ماطر تحت إشراف أستاذتهم عبير الطرابلسي ونُشرت على الأولياء والتلاميذ وإطارات الإعدادية وغيرهم لتلقى أحسن الصدى... المطالعة أم العلوم مشروع تربوي تعليمي أنجزته المعلمة هندة عبد العزيز الرحموني مع تلاميذها في المدرسة الابتدائية حي السعادة بالمرناقية مشروع انتقته مؤسسة الفكر العربي للعرض في ندوة المدرسة كمنبع للتطوير التربوي الذي انعقد في السنة الدراسية الفارطة بالعاصمة المصرية. السيدة الرحموني تقول: «إن مشاركتها في الندوة المذكورة قد لفتت الأنظار إليها وأبرزت مرة أخرى قيمة ما يحصل في المدرسة التونسية المعترف لها بالكفاءة أصلا..». المربية هندة الرحموني والأستاذة عبير الطرابلسي قدمتا إنجازين يتمثلان في مجموعات قصصية الأولى من إنشاء تلاميذ المرحلة الابتدائية والثانية من إنشاء تلاميذ المرحلة الإعدادية الإنتاجان كلاهما كان ثمرة جهد تلمذي خالص ابتداء وانتهاء وعلى مدار دراسي كامل خُتم بحفل توقيع للمجموعات حضره التلاميذ المبدعون وزملاؤهم والأولياء وثلة من إطارات التربية والتعليم. تجارب ناجحة السيدتان الرحموني والطرابلسي قالتا إن هذين التجربتين هما بعض من تجارب أخرى كثيرة تشهدها المؤسسة التربوية التونسية تبرزان ما يدور بين أسوارها من جهد.. فواقع المدرسة التونسية أثرى من أن يختزل في هنّات الممارسة التي قد تطالعنا من حين إلى حين من هنا وهناك المدرستان أضافتا أن نشر التجارب الناجحة والجهد المبذول ضروري حتى تبرز الصورة على حقيقتها الموضوعية فيستقيم الأمر ويتوازن عند عامة الناس تصورهم لواقع المدرسة التونسية. وردّا عن سؤال (الشروق) حول كيفية التوصل إلى جعل التلاميذ كتّاب قصص محترمة المستوى أوضحت المدرستان أن الإنجاز يمر بمجموعة من المراحل المتدرجة، فالانطلاق يكون من محاولات تحرير قصص ووقائع تتصل بشواغل التلميذ وحياته محاولات ينشئها التلاميذ فرادى ثم يشرعون في قراءتها وإصلاحها جماعيا من خلال ورشات عمل يشرف عليها المدرّس ويوجهها حيث ينشط التلاميذ على نحو تشاركي تفاعلي في إصلاح العبارة وتجويد البناء الحدثي وتقنيات القصّ، يستمرّ هذا الجهد إلى أن يصل إلى منتهاه ليتحول المسار إلى تصوّر الصور ورسمها ثم الرقن والتسفير وكل ما تتطلبه عمليات طباعة مجموعات قصصية.. هذه الأنشطة بصيغتها التشاركية التفاعلية تمكّن من إدراك أكثر من هدف عرفاني ووجداني ومهاري إذ يستفيد التلاميذ بعضهم من بعض فيتجاوزون متآزرين صعوبات مختلفة في التعلم وهم يتواصلون فيما بينهم وفي علاقتهم بالمدرس بل هم يتجاوزون بهذه المناشط صعوبات تعترضهم في مواد دراسية أخرى قد تبدو ظاهريا بعيدة عن الكتابة والمطالعة. المطالعة أم العلوم تقول إحدى محدثاتنا إنها مقتنعة أن المطالعة هي أمّ العلوم إذ بها يمكن تمرير أكثر من قدرة عرفانية ومهارية، فمن الممكن مثلا أن يكتسب التلميذ من خلال المطالعة قدرات على التعامل مع المسائل الرياضية. إن متابعة القصة في عقدها وحلولها تعوّد التلميذ على الصبر في البحث وإن التمييز بين زمن الخبر وزمن الخطاب يساعده على مراعاة التفكير المنطقي في حل الوضعيات بطرق مختلفة ثم إن البحث عن القرائن لدعم الإجابات يكسب التلميذ القدرة على الاستقراء وتوظيف الجمل الرياضية لتحليل المعادلات.. هذا إضافة إلى ما في المطالعة والكتابة من استحضار لمعارف من علم التاريخ والجغرافيا والإيقاظ العلمي والإنسانيات وعلوم الحياة.. والقيم الأخلاقية الإنسانية... المطالعة بهذا الفهم هي سبيل لتجاوز صعوبات تعلم في أكثر من مجال تعليمي تربوي وهي سبيل لإدراك تميز كلي.. لذلك يجب دعم تدريسها والبحث لها عن صيغ مبتكرة تحفّز على تعاطيها في مختلف المستويات الدراسية ابتداء من الأقسام الأولى من المرحلة الابتدائية. في هذا السياق عرضت علينا المربية هندة الرحموني تجربة طريفة في تعليم اللغة والحروف، تجربة تقول محدثتنا إنها تنطلق من بيداغوجيا «الذكاء المتعدد». طبخ الحروف السيدة هندة الرحموني تعلم تلاميذها في المستويات الأولى اللغة من خلال طبخ الحروف وأكلها. يحضر التلاميذ مستلزمات إعداد المرطبات ليتولوا بأنفسهم عجنها وتشكيل حروف تطبخ لتنضج ومن ثمة يشكل بها التلاميذ كلمات وجملا يتعرفون عليها مستعملين ألوانا صحية وإضافات نكهة مختلفة تمييزية... التلاميذ يصوغون الكلمات التي يرغبون فيها لأكلها أو لإهدائها لمن يحبون..هذه الطريقة تناسب التلاميذ الأطفال في المرحلة الحسية النفسية وتمكنهم من التدرج من الإدراك الحسي الميسر لهم إلى مستوى التجريد... تجربة طريفة نعتقد أن مثيلاتها كثيرة في المؤسسات التربوية تخبر عن جهد حقيقي تبذله الإطارات التربوية من معلمين وأساتذة في المدرسة التونسية التي نريد جميعا أن تبرز هنات التصور والممارسة فيها للمراجعة وتلافي العوائق لكن نريد كذلك أن يُشهر أداؤها المتميز دعما للاجتهاد وحتى لا يشعر المجتهدون أن جهدهم كصرخة في واد تذهب أدراج الريح وحتى تتأكد في أذهان الناس حقيقة: «قف للمعلم وفّه التبجيلا».