تحتفل تونس غدا مع بقية الشعوب والدول الاسلامية بذكرى المولد النبوي الشريف وهي فخورة بما حققته خلال عقود من الزمن من إحاطة بالدين الإسلامي ومن انتصار لقيم الاعتدال والوسطية والتسامح. وفي الحقيقة فإن تونس، التي لم تعرف على مدى تاريخها التطرف والطائفية، توفقت في نشر الفكر المستنير، إذ نجحت المدرسة التونسية في ترسيخ ثقافة دينية قامت على فهم واع لمقاصد القرآن الكريم وإدراك صحيح لمقومات الشريعة الإسلامية، بعيدا عن الغلوّ والتزمّت. وحرصت تونس على الاستثمار في المعرفة والتعليم لتحصين أجيالها ضد الخرافة والوهم والبدع التي تحاول بعض الفضائيات ودكاكين الافتاء ترويجها وتسويقها لدى الشبان العرب والمسلمين لتملأ صدورهم بالضغينة والطائفية وتدعوهم إلى القتل والارهاب، وهي بضاعة راجت في دول كثيرة وفي مجتمعات لم تبن على المعرفة واحكام العقل فعاشت اضطرابات وموجات من التطرّف عرقلت نموّها وازدهارها. وجاء المشروع المجتمعي للعهد الجديد قبل عقدين ونيف متمسّكا بثوابت الاسلام السمحة وحريصا على نشر فكر ديني مستنير ينهل من فكر علماء تونس وأئمتها الأجلاّء وداعيا إلى العناية بالتعليم الديني من خلال نشر المعرفة الدينية الصحيحة في المؤسسات التربوية وما قبلها وأساسا في الكتاتيب والمحاضن. كما حرصت الدولة على العناية ببيوت اللّه وتعهّدها وصيانتها وبناء مساجد وجوامع جديدة في كامل أنحاء البلاد وإقامة الدروس الدينية للتونسيين في الداخل والخارج وأساسا خلال شهر رمضان والمناسبات الدينية. احصاءات عديدة تؤكد أن ما بنته تونس من مساجد وجوامع خلال العقدين الماضيين فاق بكثير ما تمت إقامته خلال تاريخها السابق. ويبقى مطلوبا من الاطارات الدينية والوعاظ والأئمة والخطباء مزيد ترغيب التونسيين في القيم الدينية السمحة القائمة على الاعتدال والتسامح والنابذة للغلوّ والتزمت، ومزيد تحصينهم ضد الفكر السلفي المتطرف ودعوتهم إلى التمسّك بمكارم الأخلاق ونبذ التفسخ والانحلال.