تعاني عديد الشطآن التونسية من مخلّفات الانجراف البحري الذي عطّل عديد الموانئ وأوقف نشاطها جزئيا أو كليا. وشملت هذه المشكلة الخطيرة الميناء التجاري بجرجيس وموانئ الصيد البحري بجربة أغير وقلعة الأندلس والهوارية وقابس. ويضيف الخبراء أن بعض الموانئ الأخرى مهددة بغزو الأتربة وتوقف نشاطها ما لم يتم التعجيل بعمليات الجهر والصيانة. تهديدات وتضم قائمة الموانئ المهددة ميناء بنزرت التجاري وميناء القنطاوي السياحي بسوسة والميناء الترفيهي بسيدي بوسعيد. ويرجح الخبراء ان تكون مخلفات الانجراف البحري وتعطّل نشاط الموانئ وأساسا الخاصة بالصيد البحري تعود الى سيطرة اللامبالاة عند انجازها والى غياب الصيانة الدورية (مرة كل 3 سنوات على الأقل) لمقاومة انعكاسات الانجراف البحري وتكدّس الرمال في مداخل ووسط الموانئ. غياب المقاولات الاستهانة بإنجاز الموانئ وبصيانتها وغياب استراتيجية واضحة في هذا المجال جعلت بلادنا تعيش غيابا واضحا للشركات او مقاولات الأشغال البحرية المختصة في انجاز او تعهّد المنشآت البحرية بل إن هذا الاختصاص يكاد يكون غائبا في الجامعة التونسية اذ لا يدرّس إلا في المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس ولعدد محدود جدا لطلبة لا يصل عددهم في السنة الواحدة الى عدد أصابع اليد الواحدة. ويبدو هذه الأمر غريبا لبلاد يمتد شريطها الساحلي على قرابة 1400 كلم وتضم شبكة موانيها ومرافئها 55 ميناء منها 41 للصيد البحري و7 تجارية و7 سياحية وترفيهية، وهي مقبلة على عدد من المشاريع العملاقة والمنشآت البحرية الضخمة ومنها ميناء المياه العميقة بالنفيضة والمرفأ المالي بقمرت والمشاريع السياحية المزمع انجازها بسبخة بن غياضة بولاية المهدية وبجرجيس (للاّ مريم، للاّ حليمة) ويقول العارفون بالميدان ان قلّة عدد المقاولات التونسية المختصة في الأشغال والمنشآت البحرية تعود الى مجموعة من الأسباب المجتمعة والتي يحددونها في غياب برمجة واضحة لعمليات الانجاز والصيانة الدورية للموانئ والمنشآت البحرية وبالتالي فإن طلبات العروض تكون مجزأة (تهمّ ميناء واحد) وفي أغلب الأحوال في الحالات الاستعجالية او الطوارئ اي عندما يصبح نشاط الميناء مهددا بالتوقف ويتطلب تدخلا عاجلا أو سريعا. ولا يمكن في مثل هذا المناخ أن يغامر المقاول المختص بالاستثمار في بواخر الجهر وبقية المعدّات المطلوبة لمثل هذه الاشغال التي تتطلّب تمويلات ضخمة للعمل لفترة وجيزة في العام لا تغطّي النفقات. هدية للأجانب وفي مثل هذا الوضع تكون الغلبة للمؤسسات الأجنبية التي تمارس نشاطها في عدّة دول والتي تتحصّل على المقابل بالعملة الأجنبية بعد أن تكون الجهات المعنية في تونس استقدمت الآليات والمعدّات على نفقتها الخاصة وبمبالغ مرتفعة جدا. وللإشارة فقط قالت مصادرنا ان جلب معدّات جهر ميناء حلق الوادي التجاري خلال الفترة الماضية (دون نفقات أشغال الجهر) بلغت 7 ملايين أورو أي ما يعادل 13 مليارا من مليماتنا!! ويقدّر الخبراء كلفة جهر أو صيانة ميناء تونس من قبل مؤسسة أجنبية بعشرين مرة أكثر من كلفتها اذا انجزتها مؤسسة وطنية، في علاقة بكلفة جلب المعدات وفاتورة الأشغال باعتبار ان التدخل عادة ما يكون استعجاليا وهو أمر توظفه المقاولات الأجنبية لنفخ الفاتورة. بداية الحلّ ولا يخفى على أحد اليوم أن الشواطئ التونسية تعيش اليوم مشاكل الانجراف البحري وهو موضوع كان تعرّض اليه رئيس الدولة خلال اجتماع المجلس الوزاري ليوم 12 فيفري 2010 ودعا الى معالجته والقضاء على أسبابه وإلى تعميق الدراسات حوله والاستئناس بالتجارب الدولية في الميدان. ويبدو اليوم مطلوبا مزيد تطوير مناخ عمل المقاولات التونسية المختصة في المنشآت والأشغال البحرية وتشجيعها على مضاعفة الاستثمار في القطاع لاقتناء التجهيزات والمعدات والاستعانة بها للقيام بالأشغال والدراسات عن طريق برمجة مستقبلية وطويلة المدى لطلبات العروض الخاصة بكل الموانئ والمرافئ والمنشآت البحرية بما يتيح أمامها ديمومة النشاط إضافة الى إمكانية تكليفها بإنجازات تصوّرات لمشاريع ومنشآت سياحية بحرية مواكبة للتمشي العالمي في هذا المجال على غرار ما قامت به عديد البلدان الخليجية التي انجزت مشاريع عقارية عملاقة في البحر بطراز معماري راق ومبتكر استقطب كبار المشاهير والأثرياء في العالم.