عدا بعض الاستثناءات والأحداث العابرة، لا حديث وسط الساحة السياسية والحزبية هذه الأيام الاّ عن الاستعدادات للانتخابات البلدية المقبلة المقرّرة ليوم 9 ماي 2010. أربعة أسابيع تقريبا ويُفتح باب الترشح لعضوية 264 مجلسا بلديا موزّعة على مختلف ولايات الجمهورية، رهان سياسي وحزبي على غاية من الأهمية في تقدير أحجام الأحزاب السياسية المعارضة ومدى انتشارها وتوسّع قاعدة منخرطيها وتحديد مراكز ثقلها ومواقع ضعفها من حيث القدرة على استقطاب مترشحين من عدمها. كما أنّ الانتخابات المقبلة ستكون مناسبة لتقييم القدرات الّتي يمتلكُها المستقلون في تشكيل قدر من القائمات الانتخابية بعد التقدّم الّذي سجلوه في الانتخابات التشريعية الأخيرة حيث تمكّنت القائمات المستقلة حينها من الحصول على 15 وصلا نهائيا وهو رقم يفوق ما حصلت عليه بعض الأحزاب آنذاك. فائض في الترشحات وعلى عكس أحزاب المعارضة فانّ الحزب الحاكم، أي التجمّع الدستوري الديمقراطي، وبحكم ما له من رصيد واسع من المنخرطين وتجربة ثابتة في الرهانات الانتخابية فانّه وكبقية المواعيد الانتخابية يعيش هذه الأيام حالة من التنافس الواسعة جدّا تُثير حالة موازية من الحيرة في الاختيار وسط الكم الهائل والمألوف من رغبات الترشّح ضمن «القائمات الحمراء»، وتتّجه الأنظار داخل العائلة التجمعيّة في آن واحد وعلى نفس القدر الى الأسماء الّتي سيتمّ تعيينها والتي من المرجّح أن يكون من بينها رئيس القائمة (الثلث) والأسماء الّتي سيتمّ انتخابها قاعديا (الثلثان من كلّ قائمة) ويبدو جليّا من خلال الحراك التجمعي أنّ «فائضا» في عدد الراغبين في الترشّح سواء عبر التعيين أو الانتخاب تعرفهُ كلّ الدوائر الانتخابية البلدية دون استثناء. سباق وصعوبات وفي المقابل فانّ أحزاب المعارضة أقرّت ومنذ فترة بعجزها عن التقدّم في جميع الدوائر الانتخابية البلدية، وربّما كان الرهان الأكبر عند مختلف الأحزاب هو السعي الى تثبيت حجم مشاركتها في انتخابات 2005 أو تدعيمها ببعض القائمات على غرار ما هو موجود في أحزاب تقليدية من مثل حركة الديمقراطيين الاشتراكيين وحزب الوحدة الشعبية والاتحاد الديمقراطي الوحدوي التي ترفع شعار «لا للتراجع»، أو تأكيد ما حقّقته من تطوّر ونماء خلال التشريعية الأخيرة على غرار حزب الخضر للتقدّم والحزب الاجتماعي التحرّري اللّذين يدخلان أوّل سباق انتخابي بلدي بقيادتيهما الجديدتين ممثّلة في السيدين منجي الخماسي ومنذر ثابت، وثالثا ستتّجه الأنظار الى «التحالف الانتخابي» الّذي تنوي حركة التجديد والتكتّل الديمقراطي من اجل العمل والحريات تشكيله وترك القائمات تحت يافطة «المواطنيّة» مفتوحة أمام الوجوه المستقلة والتي ليس لها انتماء حزبي. ارادة وتأكيد حركة الديمقراطيين الاشتراكيين وحزب الوحدة الشعبية ينطلقان بارادة واسعة لتثبيت جدارتهما بتصدّر قائمات الفائزين في بلدية 2005 حيث جمّعا في ما بينهما ما يُقارب 215 مقعدا بلديا وتقول مصادر من داخل هاذين الحزبين أنّ الهدف هو عدم التراجع عن المشاركة السابقة وربّما العمل على تدعيمها بقائمات اضافية وما يشجّع على ذلك هو هدوء الأوضاع الحزبية في هذه الفترة وتماسك جلّ الهياكل، يليهما الاتحاد الديمقراطي الوحدوي الّذي له ما يُقارب 55 مقعدا بلديا حاليا، ورجّح عضو المكتب السياسي للوحدوي السيّد منصف الشابي مؤخّرا في تصريح صحفي له أن يتراوح عدد قائمات حزبه في الانتخابات المقبلة في ما بين 10 و30 قائمة، في مقابل سعي التحرري لدعم عدد مقاعده السابقة (في حدود 12 مقعدا) ويتطلّع حزب الخضر للتقدّم الى انجاح مشاركته البلدية الأولى تأكيدا وتثمينا لما أحرزه من نتيجة لافتة في أوّل تشريعية بحصوله على 6 مقاعد برلمانيّة. ومن المنتظر أن تعرف القائمات الانتخابية لهذه الأحزاب التقليد المألوف في انتقال المناضلين في ما بينها في علاقة بأوضاع حزبية وهيكلية معيّنة أو عدم توافق مع القيادات الحزبية أو تشكيل قائمات موحّدة على غرار ما أعلن عنه كلّ من التحرري والخضر أنّهما متفقان بخصوصه بصفة مبدئيّة، كما لم تستبعد مصادر مقرّبة من هذه الأحزاب أن يتمّ تطعيم عدد من القائمات بوجوه مستقلة. تحالف انتخابي ورهان بارز والرهان الأبرز في القدرة على استمالة المستقلين سيكون في كفّة «التحالف الانتخابي» بين التجديد والتكتّل وبقية شركائهما والّذي وضع هدفا له فتح القائمات أمام كلّ الراغبين لدخولها من الشخصيات والوجوه ذات المرجعية التقدميّة الديمقراطية وذلك توسيعا للمشاركة السياسية المحلية ومن المنتظر أن يُعلن هذا التحالف قريبا عن توجهات جديدة في ما يخصّ شعار القائمات وكيفية تقديمها للجهات الادارية ولاحقا للناخبين، على أنّ مصادر متعدّدة لها اطلاع على رؤى وأفكار عدد من المستقلين ترجّح أنّ السباق البلدي المقبل سيُتيح الفرصة لتشكيل قائمات مستقلة في حلّ من أيّ ارتباط حزبي أو سياسي على اعتبار ما تؤمن به هذه الأوساط من أهداف في خدمة الشأن العام وتحسين ظروف المواطنين اليومية من سكان المناطق البلدية اضافة الى أنّ القانون الانتخابي يُساوي بين القائمات الحزبية والقائمات المستقلة في الدائرة الواحدة (يقع توزيع ال25 % بين كلّ القائمات المترشحة عدا قائمات التجمّع الّتي من المرجّح أن تغنم النسبة المقرّرة للقائمة الأولى أي 75 % من المقاعد) وهو ما يعتبره البعض عاملا يدفع الى تأكيد عدم الحاجة الى لون حزبي بقدر ما يحتاج أساسا الى تشبّع بروح المواطنة وسلوك التطوّع لخدمة مصالح الناس. الى ذلك، تذهب كلّ التوقّعات حيال الاستحقاق الانتخابي البلدي المقبل الى تثبيت المزيد من العزلة في المشهد الانتخابي والسياسي من حول الحزب الديمقراطي التقدّمي الّتي عبّرت قيادات له عن دعمها لمقترح تقدّمت به شخصية يسارية لم يلق حظوة كبيرة في أوساط الحركة الديمقراطية التقدميّة الّتي يتّجه اللفيف الواسع منها للانخراط في «القائمات المواطنية» لحركة التجديد والتكتّل وشركائهما.