لم يكد وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس ينهي اجتماعاته بالمسؤولين الأفغان وبكبار القادة العسكريين في حلف شمال «الأطلسي» بقاعدة قندهار الجوية جنوبأفغانستان حتى وصلت طائرة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد الى مطار كابول في زيارة تحمل معاني كثيرة، خصوصا وأنها تزامنت مع زيارة أرفع مسؤول عسكري امريكي، فهل هي الصدفة وحدها جمعت عدوّين تحت سماء واحدة أم أن الأمر مقدمة لأن تصبح أفغانستان ساحة جديدة لمعركة غير مباشرة بين واشنطنوطهران؟ ربما لم يكن الوزير الأمريكي على علم بزيارة نجاد، وربما كان يدرك ذلك جيدا من خلال لقاءاته بالمسؤولين الأفغان لكن ما لا يدركه غيتس ان طهران التفتت هذه المرة الى حدودها الشرقية وهي التي تنظر بغير عين الرضا الى الحشود العسكرية الأمريكية التي ازدادت كثافة بما ان الاستراتيجية الأمريكية التي جاء بها الرئيس باراك اوباما بعد استشارات موسعة مع القادة العسكريين تقضي بخفض تدريجي للقوات المنتشرة في العراق مقابل تدعيم الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان بما يصل الى 30 ألف جندي على أمل إضعاف «طالبان» وإرساء شيء من الاستقرار في البلاد بعد مضي نحو تسع سنوات من الغزو. وحتى الساعة لم تكن إيران تهتم كثيرا بما يجري في أفغانستان ولم تتدخل بشكل لافت للانتباه في هذا البلد بما أن الشأن العراقي كان يأخذ كل اهتمامها وكانت حريصة اشد الحرص على أن تكون الحكومة في العراق على قدر عال من الولاء لها، وهذا ما كان.. ولعل ما يعزّز هذه القراءة أن زيارة نجاد الى أفغانستان جاءت بعد أيام من إجراء الانتخابات العراقية، وكأن طهران أرادت ابلاغ واشنطن بأنها ماضية في منازعتها مناطق نفوذها وبعد الاطمئنان الى نتائج الانتخابات العراقية ومع استمرار سيطرة الشيعة على الحكم كان ينبغي ان تلتفت ايران الى الساحة الأفغانية عساها تجد موطئ قدم لها هناك. ويبدو ان قراءة إيران لما يجري على الساحتين العراقية والأفغانية كانت جيدة ومدروسة فهي تستند بالاساس على ما تقوله واشنطن وتقرره فكلما زاد الاهتمام الأمريكي بملف ما كانت طهران حاضرة للتدخل فيه وبما ان سياسة أوباما قائمة على طمأنة العراقيين وأجوارهم بأن الوجود العسكري الأمريكي لن يستمر الى ما لا نهاية وأن الجدول الزمني لانسحاب يضع أوت 2011 موعدا أقصى لسحب جميع القوات القتالية مقابل تلويح أمريكي متكرر بأن الحرب في أفغانستان ماتزال طويلة فقد أدركت طهران ان أفغانستان ستكون بالضرورة الساحة المناسبة للمرحلة الراهنة في صراعها الدائم مع واشنطن. فوزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس لم يخف مخاوفه من الأيام والشهور القادمة في أفغانستان وبادر بتحذير قواته من أنها ستواجه معارك قوية في قندهار حيث تعتزم قوات «الأطلسي» بقيادة أمريكية شن هجوم واسع على «طالبان» الصيف المقبل، وهيأ جنوده لتحمل خسائر أكبر حين قال ان معركة هلمند الجارية منذ أسابيع هي ليست سوى جولة من جولات عديدة مقبلة في إطار حملة أطول قال إنها تتركّز على حماية شعب أفغانستان. ولذلك كان ردّ الرئيس الايراني على هذه التصريحات قاسيا ولاذعا حيث لم يفوّت نجاد فرصة وجوده في كابول ليسخر من غيتس ويسأله: هل أنت هنا من أجل محاربة الارهاب؟ قبل ان يدعو الامريكان وقوات «الأطلسي» الى مغادرة المنطقة وتنبيهها الى أن الحل العسكري في أفغانستان ليس الحل الأمثل. كلام نجاد فيه رسالة واضحة الى واشنطن وحلفائها مفادها ان الفشل الذي تجرعوا مرارته في العراق وأفغانستان هو ذات الفشل الذي ينتظرهم ان هم أقدموا على محاربة إيران، بل ربما يكون الأمر أشدّ صعوبة مع مخاوف الغرب المعلنة من أن طهران تسعى الى امتلاك السلاح النووي، وهذا ما يدفع الأمريكان وحلفاءهم الى أن يفكّروا ألف مرة قبل اللجوء الى الخيار العسكري ضد إيران. أما الرئيس الايراني فقد بلّغ الرسالة بالطريقة المناسبة وأثبت مرة أخرى ان بلاده تستفيد بالشكل الأمثل من المأزق الذي وقعت فيه واشنطن بإقدامها على غزو العراق وأفغانستان لتبقى طهران العقبة الأساسية في إدراك واشنطن أهدافها في المنطقة والورقة الصعبة في بناء مستقبل المنطقة على النحو الذي تريده أمريكا ولا ترتضيه الجمهورية الإيرانية.