تقع مدينة المكنين بقلب المنطقة التي يلقبها الجغرافيون بالساحل البحري تتوسط مدينتي قصر هلال وطبلبة تتبع إداريا ولاية المنستير يحدها جنوبا سيدي بنور ومنزل فارس وشرقا سبخة المكنين وشمالا قصر هلال وغربا بني حسان. يبلغ عددد سكانها حسب التعداد السكنى لسنة 2004 (48389 ساكنا أي بزيادة 5673 ساكنا عن التعداد السكني لسنة 1994) وهي ثاني مدينة بعد مدينة المنستير من حيث عدد سكان مدن الولاية. ماض تليد أجمع المؤرخون على أن كلمة المكنين تحريف لكلمة مكنة ويتفق في هذا الدكتور محمد فنطر مع المرحوم الدكتور الصيادي ويؤيدهما في ذلك المرحوم العلامة حسن حسني عبد الوهاب ضمن مقالة نشرت في شهر فيفري 1963 مستدلا بما وجده في كتاب ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك للقاضي السبتي المتوفى سنة 544 ه في الجزء الثالث وفي باب ترجمة أحد العلماء في القرن الرابع للهجرة وزهاده من مواليد هذه المدينة، فجاء في التعريف به إنه ابراهيم بن يزيد المكني من مكنة إحدى قرى الساحل التونسي والمرجع أن نشأتها تعود الى العهد الروماني والثابت أن أصل التسمية بربري. ومما يؤكد أصل التسمية ما ورد في كتاب للمؤلف الفرنسي جون ديبوا من أن سكان باب الزقاق بالمكنين من أصل بربري أو ما جاء في دراسة للمؤرخ التونسي الدكتور محمد فنطر من أن كلمة مكنين بربرية وأن مجموع الكلمات المختومة بنين مثل مدنين ووردانين وزرمدين أصلها مراكز عمران بربرية. وهنا لا بد من الإشارة الى أن الدكتور فنطر لا يتفق مع المؤرخ المرحوم حسن حسني عبد الوهاب الذي يرى وأن القرى التي تختم أسماؤها بنين مثل الساحلين والبرجين أحدثت بعد مجيء الإسلام لذا أصبح من شبه الثابت أن التسمية الأولى كانت مكنة وأصلها بربري وأبدلت بمكنين في الفترة الإسلامية. خصوصياتها المكنين هي مدينة النضال الوطني إذا كانت أول مدينة انتفضت ضد قوات الإستعمار الفرنسي وخلدت اسمها بأحرف من ذهب في ملحمة 5 سبتمبر 1934 فكانت في طليعة المدن والقرى التي دفعت ضريبة الدم، والمكنين هي عاصمة صناعة الفخار التي يبدو أن أهاليها توارثوها منذ القدم، فقد عثر على فرن روماني مما يدل على أن هذه الصناعة متجذرة في التاريخ. صناعة الأباء والأجداد من يتحدث عن مدينة المكنين لابد أن يذكر منطقة القلالات، فبهذه المنطقة انتصب مئات الحرفيين الذين كانوا يصنعون مختلف الأواني الفخارية الصالحة للطبخ والأكل والشرب والتخزين والتي كان يستعملها المواطن التونسي في حياته اليومية. فالشربية والحلاب والبقال لشرب الماء.. والقدرة والطاجين والبرمة والكسكاس للطبخ والتبسي والمعجنة والقصعة والشقالة للأكل والدرجية والخابية والجرة لخزن الماء والزيت والحبوب والبقول وكلها أواني فخارية تصنع من مادة الطفل الذي يتم جلبه من جهتي بني حسان وزرمدين جذور خلال زيارتنا إلى مدينة المكنين التقينا بالسيد عبد الله بن عبد السلام عبد العالي وهو حرفي بالمدينة يبلغ من العمر 75 عاما ، ومازال إلى اليوم يباشر بنفسه هذه المهنة وقد أفادنا بأن 3 عائلات عرفت بهذه الصناعة وهي عائلات عبد العالي وساسي والناصر وأكد أنه رغم تقلص عدد الحرفيين فإن هناك مالا يقل عن 100 حرفي مازالوا يباشرون المهنة وانتقل أغلبهم إلى المنطقة الصناعية . السيد عبد الله عبد العالي شرح لنا طريقة الصنع ومراحله فأكد أنه للحفاظ على جودة المنتوج يتحتم الاعتناء بكل مرحلة من حيث التجفيف وتنقية المادة من كل الشوائب وحسن التبريد والانتباه وقت الصنع مضيفا بأن الآلة أفقدت المهنة « الكيف » وسألنا عن سرّ بقاء آنية الفخار بيضاء رغم دخولها الفرن وسط نار ملتهبة فأفادنا بأنه يقع وضع كمية من الملح للمحافظة على اللون الابيض . تطور السيد عبد الله عبد العالي أكد لنا أن الحرفيين بالمكنين حافظوا على مختلف الاواني التقليدية لكنهم طوروا صناعاتهم وخاصة تلك المتعلقة بأدوات الزينة والتي أصبحت تتميز بالتزين على غرار التحف والمزهريات وغيرها والتي أصبحت محل استقطاب من التونسيين والسواح . نقلة نوعية السيد عمر بلحاج صالح الذي ساعدنا مشكورا على أداء مهمتنا أكدلنا أن صناعة الفخار بالمكنين شهدت نقلة نوعية بعد انتقال جل الحرفيين للانتصاب بالمنطقة الصناعية التي خصصت بلدية المكان لتهيئتها والعناية بها مئات الآلاف من الدنانير فقضت بذلك على التلوث البيئي وأراحت متساكني منطقة القلالات من هذا المشكل الذي كان يقض مضاجعهم مشيرا إلى أن الحرفيين سينعمون باستعمال الغاز الطبيعي في عملهم بعد القرار الرائد لسيادة الرئيس زين العابدين بن علي والقاضي بتمتيع الحرفيين بهذه المادة وهو ما سيقلص من تكلفة الانتاج ويضع حدا لمتاعبهم في مجال الوقود. دخلاء السيد محمد لحمادي وهو تاجر ومصدر أفادنا بأن القطاع شهد ركودا في الداخل و الخارج نتيجة القطيعة بين المواطن وهذه الأواني التي استبدلها بأنواع أخرى بالبلور والبلاستيك ونتيجة اقتحام السوق من بعض الذين يشترون مصنوعات من أصناف متدنية ويبيعونها بأثمان بخسة قبل ان يقع كشف حقيقتها بعد تشويه سمعة منتوجاتنا الوطنية ، هذا التاجر المصدر أضاف بأن الأثمان سائرة نحو الانخفاض ورغم ذلك فإن الإقبال بقي متوسطا ومتجها بالخصوص نحو التحف . مهنة الألف بهذه المدينة هناك ما يقل عن ألف مواطن بين حرفيين وعملة ومصدرين وتجار يعيشون من هذه الصناعة الفخارية وقد يكون الحل في تنمية هذه الصناعة بخلق مسلك سياحي والبحث عن أسواق جديدة ، لكن لابد من القيام بحملات تحسيسية واسعة لا براز محاسن استعمال هذه الأواني ومضار استعمال البلاستيك في الخزن والأكل والشرب