حوار وإعداد : فاطمة بن عبد الله الكراي سألت «صاحب المذكّرات» وهو يتحدث عن جلسات المحاكمة، وخاصة منها الجلسة الأخيرة التي قال فيها شعرا ل «عروة بن الورد» ورفعت جلسة المحاكمة بطريقة سريعة وفجئية: كيف كان ردّ فعل الحضور، على ما ذكرته من شعر ومن تصحيح لفحوى الورقة التي كتب عليها جزء من حوار بين البطل وصديقه في قصة «إيرناني» ل«فكتور هوقو» فقال: لا أتذكّر... وفي الحقيقة، كنت قد علمت من اصدقاء ثلاثة ل «سي أحمد» احدهم كان حاضرا في المحاكمة، وطلب عدم ذكر اسمه بأنه وما إن أنهى «سي أحمد» كلامه التصحيحي، حتى تقدّم منه «بيار جولي» (وزير حكومة مانديس فرانس سابقا) وكان حاضرا في المحاكمة كما ذكرنا وقال ل «بن صالح»: سيد أحمد بن صالح، معهم حق.. في ان يفعلوا معك ما فعلوا... (أي في المحكمة) فقد محقتهم... vous les avez écrasé. وكان جولي يتابع جلسات المحاكمة، ويتولى الأستاذ «الغلوسي» محامي صاحب المذكّرات ترجمة الكلام والسؤال والجواب.. وهنا علمت أيضا ان «سي احمد» قال ل «جولي»: هل أتيت لكي تقف معي ام ضدي؟ وما كان من وزير حكومة مانديس فرانس، في الخمسينات (بيار جولي) الا ان قال ما قاله حول تغلّب بن صالح على محاكميه... لكن «سي أحمد» رفض ان يقرّ او يؤكد او حتى ينفي هذه القصة مكتفيا بابتسامة عابرة للزمن الذي مضى وواصل حديثه عن السجن، وكيف جاءته فكرة الخروج من السجن، حيث سألته عن ذلك مستعملة كلمة «الهروب» فقاطعني قائلا: «التحرر»... إذن، يقول «صاحب هذه المذكرات»: «تخلّصت إذن من ذاك الشعور المزعج... والمرتبك.. بأن علمت قصّة المحكوم بالاعدام، وكيف يتصرف مذ يعلن الحكم الى حدّ تنفيذه... لكن حدث وأن اتخذ القرار بعد ان شفيت من لحظات التخوف او التوجّس... فكان الحكم بعشر سنوات سجنا... وبقيت في السجن أقضّي فترة الحكم..» قلت ل «سي أحمد»: هل يُعقل ان المحاكمة ونصّ الحكم لم يتعرّضا الى ملفّ «دسم» يمكن ان يوافق العشر سنوات أشغالا شاقة؟ قال: «قبل المحاكمة تكوّنت لجنة في البرلمان لتضع الملف الذي يؤسس عليه الاتهام.. وفي الملف طبعا، صورة شنيعة عن الوضع... صورة قاتمة للأوضاع تحت مسؤولية أحمد بن صالح، وعلى هذا الأساس استطاعوا او تمكّنوا من رفع الحصانة عني كنائب بالبرلمان... بل إن نائبا من النواب طلب سيارة نقل كبيرة الحجم، لكي تجمع كل «الرخام» الذي كتب عليه اسم بن صالح وهو يدشّن هذا المشروع او ذاك! وقيل لي وأنا في السجن، إنه فعلا وقع اقتلاع هذه الشواهد من كل الجهات في البلاد... كما وقع أمر آخر، على ما يبدو في فترة تكوين الملف، وقبل ان يتم ايقافي اي كنت بالمنزل، جاءني صديقي بلائحة صادرة عن اتحاد الصناعة والتجارة وكانت لهجتها معتدلة وهي تقول بأن الوضع ليس سوداويا، ولم تكن اللائحة تطلب اتهاما (لبن صالح).. ولكن قيل لي، إن هناك من هدّدهم (جماعة الصناعة والتجارة) فغيّروا فحوى اللائحة كما طُلب منهم... والذي قصّ عليّ القصة، قال ان مهددهم كان مرّة أخرى يستعمل لغة وأداة التهديد نفسها التي مارسها مع آخرين من قبلهم.. قلت ل «سي أحمد»: كيف جاءت قصة الخروج من السجن؟ فقال بعد ان فهم أنني أعدت السؤال ثانية: «كنت في الزنزانة يوم 12 جانفي 1972، ولما كان معي جهاز «الراديو» في الزنزانة وقد تمكّنت منه بإعانة من الحراس.. استمعت الى خطاب بورقيبة يومها، وفي لحظتها قررت ان أخرج..». ماذا قال بورقيبة في خطابه حتى يقرر بن صالح الخروج؟ هذا ما سنراه لاحقا إن شاء الله.