بعد استعراض مسيرة الزعيم الحبيب بورقيبة من التحرير الى بناء الدولة ومساهمة التغيير المبارك في إنقاذ الرجل وموقفه من قضية شائكة هي الصراع العربي الاسرائيلي ننشر اليوم شهادتي عبد الله بشير وأحمد قلالة وهما من الذين عاشروا الزعيم الراحل في شتى مراحل حياته ويرويان بعض تفاصيل ذكرياتهما معه. مكتب الساحل (الشروق) في مثل هذا اليوم منذ 10 سنوات شيع الشعب التونسي الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة رمز الكفاح التحريري وباني دولة الاستقلال الى مثواه الأخير في موكب خاشع يتقدمه سيادة الرئيس زين العابدين بن علي بحضور عدد من رؤساء الدول الشقيقة والصديقة. وإحياء للذكرى العاشرة لوفاة الزعيم الحبيب بورقيبة التقت «الشروق» برجلين عاشرا الزعيم الراحل في شتى مراحل حياته خاصة وانهما نجلان لرفيقي النضال لزعيم تونس وهما السيدان عبد الله بشير وأحمد قلالة. يقول السيد عبد الله بشير الذي عمل معتمدا وكاتبا عاما للجنة التنسيق وارتقى الى رتبة وال: «عرفت الزعيم الراحل منذ الصغر حين كان يزور والدي سالم بشير المناضل الذي شغل خطة أمين مال لأول شعبة دستورية الى ما بعد الاستقلال. وكان لوالدي معمل لصناعة «البرنس» من نوع السيستي و«الملف» والفوطة والبلوزة وكان يقضي وقته يروج منتوجاته بدكان اتخذه كمكتب له. وكان الزعيم يتردد عليه كلما زار المنستير ويقضي حذوه وقتا طويلا ويأتي للجلوس معهما المرحوم الشاذلي قلالة رئيس الشعبة، ويؤكد السيد عبد الله بشير أن والده كان عضوا ناشطا في حوادث التجنس بالمنستير وفي مؤتمر البعث بقصر هلال وكان يتلقى التعليمات من الزعيم الحبيب بورقيبة. معتمد على المنستير ويضيف السيد عبد الله بشير قائلا: الا أن علاقتي المباشرة بالزعيم بدأت في أواسط الستينات بعد أن عينت في أكتوبر 1965 معتمدا بالمنستير فقد كان يتابع أحوال المدينة عن كثب ويدعوني الى قصر الرئاسة بسقانص حين يأتي الى المنستير لقضاء الصائفة وكنت وأنا معتمد بالمنستير ألاحظ ما يعانيه السكان من مشاكل سكنية اذ انحصر العمران داخل السور فعقدت اجتماعا كبيرا بالمواطنين ودعوتهم الى الادخار وطلبت منهم ايداع دفاتر ادخارهم بالمعتمدية مقابل وصولات على أن يتسلموها مع بداية كل شهر لتزويد مدخراتهم وحتى نطمئن على عدم التفريط فيها. وقد سمع الرئيس السابق بهذا العمل فرقاني الى رتبة معتمد أول. وانجزنا من خلال ذلك الادخار 1200 شقة. احداث الروضة يواصل سي عبد الله حديثه قائلا: في احدى زيارات الزعيم الى المنستير طلب من والدي اختيار مكان لاحداث روضة لآل بورقيبة فاخترت منزل على ملك سالم بشير الحوات الذي كان يعيش بقفصة وراسلناه وأعلمناه بالاقتراح فوافق على ذلك وأضفنا اليه دارا على ملك الهادي خفشة المحامي وليس الوزير، وشرعنا في الانجاز وقد تم الجزء الأكبر من «التربة» في موضعها الحالي تحت اشرافي. مياه نبهانة السيد عبد الله بشير روى قصة دخول مياه نبهانة الى المنستير فقال: دعاني الرئيس السابق يومها لزيارته بقصر قرطاج رفقة المناضل سالم فرشيو الذي كان مديرا لمعهد الفتيات وتناولنا معه فطور الغداء وفي الأثناء اقترحت عليه ايصال مياه نبهانة الى المنستير فلم يجبني وكانت الى جانبنا حرمه السيدة وسيلة التي قالت انها تريد اداء مناسك العمرة فاقترح عليها المرحوم سالم فرشيو مرافقتها ليدلها ويساعدها على المناسك، فوافقت وعند مغادرتنا وقد رافقنا الزعيم الى باب القصر التفت المرحوم سالم فرشيو وقال للزعيم مازحا أنا دبرتها سيدي الرئيس روحت بعمرة فقال له الزعيم وعبد الله روح بمياه نبهانة الى المنستير. من سبيبة الى السواسي من ذكريات السيد عبد الله بشير مع الزعيم الحبيب بورقيبة اتصال الزعيم به وإعلامه بقراره تعيينه معتمدا على سبيبة وقد صادف ان ذهبت الى وزارة الداخلية لاتمام بعض الاجراءات وعند خروجي حضرت استقبال أحد الرؤساء الافارقة بشارع الحبيب بورقيبة وكنت واقفا في الصف الثالث أو الرابع، ولما عدت الى سبيبة خاطبني والي القصرين من الغد وقال لي الرئيس بورقيبة يطلب مقابلتك غدا بقصر الرئاسة بالمرسى ذهبت في الموعد لزيارته وفاجأني بقوله ماذا تفعل أول أمس بتونس فقد شاهدني ضمن الجماهير وقد أوصاني خلال المقابلة خيرا بأهالي سبيبة والحرص على تنمية المنطقة وكنت وراء ما تنعم به سبيبة اليوم من أنواع من التفاح والغلال وأضاف قائلا ولما عرف الزعيم الحبيب بورقيبة بما قمت به بسبيبة على أفضل وجه أريدك الآن انجاز عمل مماثل بالسواسي فتم تعييني معتمدا بهذه المنطقة وهناك حققت نقلة نوعية بعمل ديوان إحياء اراضي السواسي وعلم الرئيس السابق بذلك فإذن بإلحاق مهام الديوان الى مهامي فأصبحت معتمدا ورئيسا لديوان إحياء أراضي السواسي. مقترح لم يتحقق يقول سي عبد الله اقترح على الزعيم بأن يكتب في مدخل روضة آل بورقيبة بيتا من قصيد للمتنبي جاء فيه: قد كنت تدرأ كل خطب نازل حتى أتى الخطب الذي لا يدرأ إلا أنه بعد نقلتي حيث وقع ابدال البيت بقصيد مطول. هوايات الزعيم يقول السيد عبد الله بشير كان الزعيم الراحل مولعا كثيرا بالشعر الفرنسي وأشعار المتنبي وكان يحلو له قراءة الشعر لجلاسه ويقول سي عبد الله أن الزعيم كان يدعو بعض أصدقائه من أمثال عبد الرزاق خفشة وعبد الله الزنادو والصادق مزالي ومحمد بسباسي في جلسات ترفيهية يريد من خلالها التخفيف عن نفسه من أعباء الحكم. بعد التغيير حدثنا سي عبد الله عن آخر لقاءاته بالزعيم فقال لقد زرته بمقر اقامته بالمنستير بعد التغيير فوجدته على أفضل حال وقد حباه سيادة الرئيس زين العابدين بن علي بكريم رعاينه وفائق عنايته وقد كان في غاية الارتياح وقد فاجأني باستعادته لصحته وحدثني طويلا عن تقاليد المنستير وعن الكحلية وسيدي منصور وغار السعود وتوجه السيد عبد الله بشير باسم كافة مناضلي المنستير ومواطنيها بأصدق مشاعر الوفاء والاكبار الى سيادة الرئيس زين العابدين بن علي الذي رعا الزعيم وأكرمه حيا وميتا. وما اشرافه شخصيا في كل عام على موكب احياء وفاته الا دليل على ذلك. مع السيد أحمد قلالة السيد أحمد قلالة الذي تقلد عديد المناصب من معتمد الى معتمد أول ووال ومدير للادارة الجهوية بوزارة الداخلية ونائب بمجلس النواب هو نجل المناضل الكبير الشاذلي قلالة أول رئيس لشعبة المنستير الذي كان احتضن بمنزله وتحت حراسته اجتماع تكوين هذه الشعبة بإشراف الزعيم الحبيب بورقيبة الذي كان وقتها عضوا باللجنة التنفيذية للحزب القديم ويقول سي أحمد أن المرحوم الهادي نويرة الذي كان وقتها طالبا بفرنسا حضر الاجتماع وتكلم بالعربية الفصحى فقاطعه بورقيبة وقال له تكلم بما يفهمه الناس فأبدل المرحوم الهادي نويرة لغة الخطاب. وأضاف السيد أحمد قلالة قائلا وعند توزيع المسؤوليات قال الزعيم بورقيبة الرئاسة لصاحب الحراسة أي الى والدي الذي احتضن الاجتماع وتولى حراسته. علاقة متينة يقول السيد أحمد قلالة ان علاقة متينة كانت تربط بين الزعيم ووالده حتى انه لما انتقل الى العاصمة لمزاولة تعليمه الثانوي أقام بمنزل الزعيم رفقة زوجته الاولى ماتيلد المعروفة باسم مفيدة ونجله الحبيب الابن وكان المسكن على وجه الكراء متسوغا من قبل مواطن يدعى التلاتلي. وقال لقد حضرت ليلة 18 جانفي عملية إلقاء القبض على الزعيم. فبينما كنا نتناول طعام العشاء اتى الزعيم الراحل المنجي سليم واختلى بالزعيم بورقيبة ولم يطل المقام ولما خرج قال لنا الزعيم بورقيبة سيلقون القبض عليّ الليلة. ولما قدمت القوات الاستعمارية في ساعة متأخرة من الليل قال لهم: أنا بانتظاركم وارتدى ملابسه وخرج معهم. مهمة يقول السيد احمد قلالة ان الزعيم الحبيب بورقيبة كان يعتبره إبنا له فقد بدأت علاقته الوطيدة مع والده بفرنسا حيث كان يعمل وكان الزعيم طالبا. ولما ذهبت القوات الفرنسية به الى طبرقة بعث لنا من هناك بوصية لأحرار الساحل وقفصة طالبا إشعال الثورة وكلفت أنا بمهمة لدى المرحوم الزعيم النقابي احمد التليلي بقفصة ولم أغادر قفصة إلا ودوت الانفجارات واشتعلت النار من ارجاء الجهة وفي الساحل كانت حوادث سوسة والمكنين وطبلبة. موظف بإدارة الاعمال يقول السيد أحمد قلالة ان الزعيم الراحل علم بفتح مناظرة لقبول كتبة بإدارة الاعمال فبعثت ببطاقة زيارة الى السيد الطيب بلخيرية الذي كان مسؤولا هناك وطلب منه المساعدة في انجاحي في المناظرة وطلب مني المشاركة وتم قبولي وقد أصبحت اتصل به هاتفيا من إدارة الأعمال وهو في منفاه بفرنسا ومكنت زوجته مفيدة ونجله الحبيب الابن باستعمال الهاتف ليلة حيث كان حارسان من أبناء الجنوب من الوطنيين الاحرار يسهلان مهمتنا ويفتحان أمامنا الأبواب. وقد سألني ذات مرة هل ارجعت «الفاشة» فقلت له لا لأنني مازلت أراه بالدار حيث كنت أقيم مع زوجته وابنه فطلب مني مطالبة المرحوم علاله العويتي بالعمل على ارجاعها وتم ذلك. بفرنسا السيد أحمد قلالة أكد لي انه أقام فترة بباريس وزار الزعيم بورقيبة في منفاه والتقطت صورة تذكارية بعث بنسخة منها الى صديقه الشاذلي قلالة وهو مقيم بمصر كما التقطت لهما صورة ومعهما تمثال للزعيم نحته احد الرسامين الفرنسيين وكان ذلك يوم 23 افريل 1955 وأضاف قائلا بأنه عاش هناك فترة المفاوضات التي كان يجريها الوفد التونسي المتكوّن من السادة المنجي سليم ومحمد المصمودي والعزيز الجلولي وكان أعضاء الوفد يتلقون التعليمات من الزعيم ويعودون اليه بعد كل جلسة تفاوضية. وكادت المفاوضات تفشل لإصرار الطرف الفرنسي على إبقاء فرنسيين ب 3 مجالس بلدية مقابل رفض الزعيم لذلك لكن الفرنسيين طلبوا في آخر الامر مقابلة الزعيم بورقيبة وكانت من نتائجها ان تم اعلان الاستقلال الداخلي بعد 4 أشهر. أصغر معتمد يقول السيد أحمد قلالة ومباشرة بعد الاستقلال التام عينني الزعيم بورقيبة معتمدا بنابل وكنت أصغر معتمد وقتها في السلك اذ لم يتجاوز عمري حينها 26 سنة وكان الزعيم الحبيب بورقيبة يتابع اخباري وأخبار عائلتي وحضر موكب دفن والدي يوم 5 أكتوبر 1962 وقد حرص على ترقيتي الى رتبة معتمد اول ووال ومدير للإدارة الجهوية بوزارة الداخلية وكان يذكرني دائما بنضالات والدي الذي يصفه برفيقه الاول وعضده الأيمن المناضل الفذ. زيارات متعددة علاقة السيدة أحمد قلالة تواصلت بالزعيم الحبيب بورقيبة الذي أكد بأنه زار الزعيم بعد التحول عديد المرات وأنه وجد الزعيم في صحة جيدة وكان يفرح كثيرا بلقائه. جئت لأنتخب ابني بن علي من المعاني البارزة التي يرويها السيد احمد قلالة عن ذكرياته مع الزعيم الحبيب بورقيبة ان الزعيم قصد في افريل 1989 قصر بلدية المنستير بمناسبة الانتخابات الرئاسية والتشريعية. فصرّح قبل الدخول قائلا: «جئت لأنتخب ابني الرئيس زين العابدين بن علي». وهو دلالة راسخة على ما يكنه الرجلان العظيمان من محبة وتقدير لبعضهما البعض ثم سأل عني وقال اين ابني احمد قلالة وكنت مرشحا لعضوية مجلس النواب.