قفصة: حفل اختتام السنة التنشيطية لرياض الاطفال تحت شعار "الرؤية البيئية بمؤسسات الطفولة المبكرة "    مدفوعا بتباطؤ التضخم: استقرار معدل الفائدة الأمريكي عند %5.5    العالم الهولندي: زلزال قوي سيضرب هذه الدول المتوسطية    ''خطأ فادح'' قد يتسبّب في ترحيل هؤلاء الحجيج من السعودية    إنتقالات: نجم الأولمبي الباجي على رادار الإسماعيلي المصري    المندوب الجهوي للتربية بالكاف: ضبط 25 حالة غش طيلة الدورة الرئيسية للبكالوريا    عاجل/ وفاة طفل ال9 سنوات بحريق في منزله: توجيه تهمة القتل العمد للوالد    مفتي الجمهورية: أضحيّة العيد تنقسم إلى ثلاثة أجزاء    الداخلية: سقوط عون الأمن كان فجئيا    سليانة: وضع 7 أطباء بياطرة لتأمين المراقبة الصحية للأضاحي أيام العيد    بطولة كرة السلة: تعيينات منافسات الدور النهائي    إستعدادا لكوبا أمريكا: التعادل يحسم مواجهة البرازيل وأمريكا    القنوات الناقلة لمباراة أنس جابر اليوم في ثمن نهائي بطولة نوتنغهام    الكنام تشرع في صرف مبالغ استرجاع مصاريف العلاج لفائدة المضمونين الاجتماعيين    البنوك تفتح شبابيكها يوم السبت    هكذا سيكون طقس اليوم الأوّل من عيد الإضحى    الصوناد: هذه الإجراءات التي سيتم اتّخاذها يوم العيد    مفتي الجمهورية: "هكذا تنقسم الاضحية في العيد"    انطلاق أولى رحلات قطار المشاعر المقدّسة لموسم حج 2024    الرابطة المحترفة الاولى: الجولة الختامية لمرحلة تفادي النزول    عاجل/ بطاقات إيداع ضد رجل الأعمال حاتم الشعبوني وإطارين ببنك عمومي من أجل هذه التهم    محمد بن سلمان يعتذر عن عدم حضور قمة مجموعة السبع    1600 هو عدد الشركات الفرنسية في تونس    تجربة جديدة للقضاء على الحشرة القرمزية..التفاصيل    أكثر من 30% من التونسيين لا يستطيعون اقتناء الأضاحي هذا العام    منتدى تونس للاستثمار: استثمارات مبرمجة ب 3 مليارات اورو    بدعوة من ميلوني: قيس سعيد يشارك في قمة مجموعة السبع بإيطاليا    لحماية الهواتف من السرقة.. غوغل تختبر خاصية جديدة    عاجل: تفاصيل جديدة في حادثة وفاة أمنيّ اثناء مداهمة بناية تضمّ مهاجرين أفارقة    اليوم: طقس مغيم مع ظهور خلايا رعدية بعد الظهر والحرارة بين 25 و46 درجة    جريمة جندوبة الشنيعة: هذا ما تقرر في حق المتهمين الأربعة..#خبر_عاجل    باجة: تقدم موسم حصاد الحبوب بنسبة 30 بالمائة    ميسي: إنتر ميامي سيكون فريقي الأخير قبل اعتزالي    عاجل/ الإحتفاظ بعضو في الحملة التونسية للمقاطعة    بعد استخدامها لإبر التنحيف.. إصابة أوبرا وينفري بمشكلة خطيرة    دواء لإعادة نمو أسنان الإنسان من جديد...و هذه التفاصيل    برنامج أبرز مباريات اليوم الخميس و النقل التلفزي    120 مليونا: رقم قياسي للمهجرين قسراً حول العالم    صديق للإنسان.. جيل جديد من المضادات الحيوية يقتل البكتيريا الخارقة    هذا ما قرره القضاء في حق رئيس حركة النهضة بالنيابة منذر الونيسي..#خبر_عاجل    قربة تحتضن الدورة التأسيسية لملتقى الأدب المعاصر    قصة..شذى/ ج1    زاخاروفا تعلق على العقوبات الأمريكية.. روسيا لن تترك الأعمال العدوانية دون رد    «غفلة ألوان» إصدار قصصي لمنجية حيزي    بهدوء ...أشرار ... ليس بطبعنا !    عاجل بصفاقس : معركة بين افارقة جنوب الصحراء تسفر عن وفاة عون امن وشخص افريقي اثر عملية مداهمة    هبة أوروبية لتونس لإحداث 80 مؤسسة تربوية جديدة    كأس أوروبا 2024 : موعد المباراة الافتتاحية والقنوات الناقلة    بمناسبة عيد الأضحى: وزارة النقل تعلن عن برنامج إستثنائي (تفاصيل)    صابر الرباعي يُعلّق على حادثة صفع عمرو دياب لمعجب    تونس: ''أمير'' الطفل المعجزة...خُلق ليتكلّم الإنقليزية    شيرين تصدم متابعيها بقصة حبّ جديدة    83% من التونسيين لديهم ''خمول بدني'' وهو رابع سبب للوفاة في العالم    بالفيديو: ذاكر لهذيب وسليم طمبورة يُقدّمان الحلول لمكافحة التدخين    شيرين عبد الوهاب تعلن خطوبتها… و حسام حبيب على الخطّ    طقس الاربعاء: خلايا رعدية محلية مصحوبة ببعض الأمطار    ديوان الإفتاء: مواطنة أوروبية تُعلن إسلامها    العاصمة: عرض للموسيقى الكلاسيكية بشارع الحبيب بورقيبة في هذا الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديقة بلا سياج: كائنات مُجنّحة
نشر في الشروق يوم 13 - 04 - 2010

منذ سنة 1968 أي منذ مجموعته القصصيّة «ليالي المطر» ونحن نتابع حسن نصر قاصّا وروائيًّا مُغامرًا، على امتداد أكثر من أربعين سنة. وكأنّه في كلّ مجموعة قصصيّة، وفي كلّ رواية، يعيد إنتاج شبابِه من خلال إعادة إنتاج شباب الكتابة، بما تتضمّنه هذه العبارة من دلالات التوهّج والتجريب. لكنّه تجريب الكاتب المحافظ على روح الهواية المتمكّن من أدواتِ الحِرَفِيّ. وهو الأمر الذي تؤكّدُهُ روايته الجديدة «كائنات مجنّحة» الصادرة أخيرًا عن دار ورقة للنشر (2010. 136ص).
في هذه الرواية نتابع رحلة جوهر ناجي، مُصمّم الأسنان الذي ظلّ لفترة طويلة يعيش بين مخبره وأسرته ومعارفه...إلى أن اكتشف ذات يوم أنّ طواقم الأسنان أو «الأفواه» التي برع في إصلاحها، تتكلّم ولديها حكاياتها هي أيضًا...ظنّ في البداية أنّها أصوات تخرج من داخله لا وجود لها في الواقع...ثمّ ثبت لديه أنّ الخرافة مازالت تعيش وتحيا بيننا (ص12)...فظلّ يسهر الليل بجانب «أفواهه»، تحكي فيسمع ويُسجّل أخبارها ليلةً بعد ليلة...هكذا اجتمع لديه من هذه الحكايات مقدار غير قليل، حتى ضاق بها صدره، فأخذ يبحث لها عن مستمعين...
تلك هي «حجَّة السرد» التي توسّل بها حسن نصر إلى إحكام غزل روايته، قصّةً بعد أخرى، حكايةً جنبَ حكاية، مستدرجًا إليها عيّنةً بشريّة شديدة التنوّع، تتناغمُ في اختلافها تناغُمَ المجتمع على الرغم من تنافر مكوّناته...من الشيخ برهان يكن، إلى مرجان وثريّا وزينب وقارا مصلي، مرورًا بالنبيّ ماني وهيرقليطس وسقراط وجيمس جويس، وصولاً إلى جميل المانع وعبد العزيز الثعالبي وعمّ عيّاد وغيرهم...
وكأنّنا أمام نظرات متعدّدة الزوايا، يجمع السرْدُ بين أصحابها المختلفين، لإضاءة المشهد واللحظة من كافّة الأبعاد، «محييًا» في الحكي ذلك الحوار «المُغَيَّب» في الواقع، بين الغنيّ والفقير، بين الرجل والمرأة، بين المثقّف والأمّي، بين شيخ العلم ونادل المقهى، بين الفيلسوف اليوناني والكاتب الإيرلندي، بين بائع الملابس القديمة ورجل الفكر ورجل السياسة، بين الرسّام ومدرّب الرياضة...
يواصل حسن نصر في روايته هذه الاشتغال على الأدوات والتيمات التي أصبحت «طابعه» في مجمل أعماله: التمرّد على الدوغما الشكليّة وهدم الجدران العازلة بين الأجناس الأدبية...مزج الواقعيّ بالعجائبيّ، والشعريّ بالفكريّ، والسرديّ بالحواريّ المسرحيّ، والحكاية بالوثيقة إلخ...توسيع الدائرة الروائيّة عن طريق الاستطراد والتعشيق والتوليد وغيرها، بما يتيح بناء النسيج الروائيّ على وحدات قصيرة تنتظم انتظام الحبّات في العقد...تخليص المادّة اللغويّة من كلّ تقعّر أو رطانة بحثًا عن تلك البساطة العميقة السهلة الممتنعة...
كلّ ذلك في لَعِبِيّة جادّة...تصبح الكتابةُ من خلالها فعلَ تحرير لأنّها فعلُ تحرُّرٍِ...وتشدُّ قارئها لأنّ الكاتب لا يضيّقُ عليه الخناق، بل يكتفي بطرح هواجسه وأسئلته الشخصيّة الحميمة...التي هي في النهاية هواجس الإنسان وأسئلتُه...تمزّق الذات بين كائنها وممكنها...اصطدام أناها بآخَرها...شكواها من الاحتباس الحضاريّ في زمنٍ مُعَوْلَم...صراعها مع ضعفها...بحثُها عن خلاص من البطولة الزائفة والاستسلام المهين...ارتطامُها بصخور القهر والظلم والرداءة والتضليل والفساد وانهيار القيم...
إلاّ أنّ من ميزات هذه الرواية في نظري، بالمقارنة مع مجمل أعمال حسن نصر تحديدًا، تركيزها تركيزًا خاصًّا على «الحكي»...وعلى «الحكاية»...«أصل الحياة» وتاريخ الكون كلّه (ص20). الوسيلة الوحيدة لمقاومة الفناء وإطالة أعمار الناس وعمر الحياة (ص22).
حتى لكأنّنا أمام الحكاية وهي تعبّر عن حيرتها وشكوكها وتُسائل آفاقها ومآزقها...بل لكأنّنا أمام الحكاية وهي تطرح مسألة «استحالتها» في زمنها الراهن...فجوهر ناجي الذي يضيق صدره بالحكايات ويبحث لها عن مستمعين، لا يجد لمن يحكيها (ص30)...كلّ الناس تحكي ولا أحد يستمع إلى الآخر (ص50). إنه محاط بالكثير من المنافقين وشهود الزور الذين لا يجيدون الإصغاء، والخطباء الذين لا يهمّهم إلاّ التغلّب على منافسيهم (ص24)...لذلك هو يظلّ يسأل: من أين أبدأ، وبماذا أنتهي، ولمن حكاياتي سأحكيها؟ (ص83).
من هذه «الترجمة الحكائيّة» الساخرة لزمن «استحالة الحكي»، أنشأ لنا حسن نصر رواية شديدة الطرافة والكثافة، مفتوحة على وجوه من القراءة الممتعة المُخصبة، تُضاف إلى رصيده وإلى رصيد رواياتنا الجديرة بالاحتفاء والانتباه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.