افتتحت مدينة السرس يوم الأحد الدورة التاسعة عشر لشهر التراث بولاية الكاف تحت اشراف الأستاذ حاتم العماري الوالي الذي رحب بضيوف الجهة من باحثين وشعراء ومثقفين وفنانين وأعطى إشارة الانطلاق لمعرض متنوع للصناعات التقليدية وجملة من التظاهرات الثقافية على مدى شهر في مختلف مدن وقرى الجهة. وتولى الأستاذ الحبيب المندوب الجهوي للثقافة تقديم ضيوف هذه الدورة والتذكير بما دأبت عليه المندوبية الجهوية للثقافة من نقل مركز انطلاق التظاهرة بين المعتمديات لتشريك سكانها في الاحتفال بشهر التراث، مستعرضا بعضا من الأسماء التي انطلقت من ربوع السرس لتلمع في سماء الثقافة على المستوى الوطني على امتداد القرون بدء بالعالم أبو جعفر الأربصي الذي منح سوسة اسم أجمل شواطئها وصولا إلى نجوم العصر الحديث في الثقافة مثل حمدة بالتيجاني والزهرة فايزة وأحمد السنوسي. وقبل ذلك، نجحت المندوبية للجهوية للثقافة في جعل موضوع «حماية التراث واستحضاره لدى الشباب» حاضرا في أذهان الجميع عبر مختلف وسائل الإعلام، خصوصا بالمساهمة المتميزة لإذاعة الكاف التي أدمجته في عدة برامج مباشرة وحوارات مع الشباب والمثقفين وحتى الأجيال الصاعدة في الجهة. أما في يوم الافتتاح فلم تمنع تغيرات الطقس مئات الأشخاص من مثقفي ولاية الكاف وسكان السرس وما جاورها من حضور الافتتاح الذي تضمن عدة معارض للصناعات التقليدية وعادات وتقاليد الجهة وعروضا موسيقية وخصوصا عرضا للفروسية شد اهتمام الجميع طويلا. وبدت مدينة السرس في قلب ثقافة الكاف وتراثها مستحضرة تاريخها الطويل ليكون رصيدا للأجيال القادمة، وكان يمكن رؤية ذلك بوضوح في وجوه عشرات النسوة ممن حضرن لتجديد العهد مع الصناعات التقليدية التي يعود عمرها إلى آلاف السنين بملابسهن التي ما تزال شاهدة على الحضارات التي تعاقبت على الجهة. وشهد الافتتاح تنظيم ندوة فكرية تحت عنوان «السرس من فجر التاريخ إلى فجر التغيير: تجذر وحداثة». وتولى الدكتور محمد التليلي تقديم مداخلة علمية جيدة عن «تاريخ السرس واللاس وآسوراس»، فيما قدم الدكتور مراد عرعار مداخلة عن «مدينة الأربص عبر التاريخ». واكتشف الجمهور الواسع أن اسم السرس يعود إلى كلمة رومانية هي «آسوراس» وهي آلهة الخصب والفلاحة، وكان الرومان الذين خلفوا فيها عدة آثار ما يزال بعضها قائما قد رفعوها إلى مرتبة بلدية. أما في العصر الإسلامي فقد اشتهرت المنطقة باسم «الأربص» وكانت عاصمة حقيقية لعرب شمال إفريقيا ومنطلقا للفتوحات ومدرسة للفقه والعلم ومنها خرج أبو جعفر الأربصي للمرابطة على شواطئ الساحل وصد هجمات الأعداء عبر البحر. وتضمنت الندوة قراءات شعرية قدمها الشاعران سويلمي بوجمعة ومحفوظ الجراحي ثم أمسية موسيقية لمجموعة قناديل الطرب للموسيقى العربية.