حوار وإعداد : فاطمة بن عبد الله الكراي الأستاذ أحمد بن صالح، الذي خبر عقلية أصدقائه الغربيين، سواء في مرحلة عمله «بالسيزل» CISL في خمسينات القرن الماضي، أو خلال توليه وزارات المالية والاقتصاد والتربية والتجارة، وهي خطط تتطلب تعاملا وتعاونا مع بلدان وجهات دولية عديدة. وكذلك من خلال رحلة المنفى و«معهد فيينا» الذي أضحى «سي أحمد» المسؤول الثاني فيه، إذن من خلال هذه التجربة، أمكن له أن يجد الأعذار أو لنقل أنه أمكن للرجل أن يتفهم كيف كان للنمساويين أو السويديين أو السويسريين مواقف مغلوطة عن عدد من القضايا العربية، وتحديدا منها فلسطين والجزائر ومصر (تأمين القناة).. كان صاحب المذكرات، هو العربي الوحيد في «الاشتراكية الأممية» التي دخلها كصديق لزعمائها مثل »كرايسكي» (النمسا) و«شميدث» (ألمانيا) وبالتالي بدا نضاله عسيرا وطويلا من أجل جعل هؤلاء الأصدقاء متفهمين لقضايا العرب.. قال «سي أحمد» في الحلقة الماضية، إن «كرايسكي» المستشار النمساوي، اطمأنّ إلى تحاليله حول القضية الفلسطينية، «لأن ما يجمعني به هو مسار تعاون وهو يعرفني في مجالات ومحطات عديدة، فقد وقعت تجربتان «جمعتاني بكرايسكي.. الأولى: في يوم من الأيام طلب مني (كرايسكي) إن كان بوسعي مقابلة «يوري أفنيرين» زعيم حركة «السلام الآن» «Peace Now» الاسرائيلية وقد جاء في زيارة إلى النمسا، وكان في لقاء مع كرايسكي.. وكان اللقاء وقتها في إدارة الحزب الاشتراكي النمساوي وليس في الحكومة.. وأذكر أنه قال لي: هل ترى مانعا، أحمد، في أن نتقابل معه؟ فقلت له: لا أبدا.. ثمّ اتفقنا على موعد في مكتب «برونو كرايسكي» في مقرّ الحزب الاشتراكي النمساوي.. ذهبت من الغد إلى مقرّ الحزب حسب الموعد المتّفق عليه، وتقابلنا في مكتب «كرايسكي» الذي قدّمنا لبعضينا ثمّ خرج وتركنا وحدنا.. بقينا قرابة الساعتين، نتناقش حول قضية فلسطين وموقف اليهود تاريخيا.. وناقشنا إمكانية إنهاء الحرب والأزمة، وأذكر أني قلت له طريقة تفكيري في المسألة، موجها إليه سؤالا: منذ متى كان اليهود مقهورين من البلاد الإسلامية.. وكان أفنيري متفهما».. وهنا كشف «سي أحمد» النقاب عن أن هذه المقابلة «كانت هادئة ولم نقف على أمر وقد اختلفنا فيه.. لم يكن هناك تقريبا اختلاف بيننا.. وذلك من حيث اتفاقنا (الاثنين) على أنه لا بدّ من قيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة يهودية.. بعد ساعتين من الحديث جاء «كرايسكي» ورافقني وكان يريد أن يعرف رأيي بطبيعة الحال فقال لي: كيف ترى الموضوع؟ قلت له: ليس هناك شيء يجعلني أختلف مع «أفنيري».. وأذكر أنني قلت له بالتحديد: Je ne vois pas de points de désaccord entre lui et moi فقد كان الأوروبيون يضيف «سي أحمد مواصلا بعيدين عن القضية الفلسطينية.. من الغد صباحا، التقى «كرايسكي» مع «أفنيري» وبعد أن أكمل لقاءه معه، هاتفني قائلا: أحمد.. هل تعرف ماذا قال لي أفنيري؟ فقلت له: لا أعرف».. فقال: «سألته نفس السؤال، كيف يرى المسألة بعد المحادثة معك فأجابني بنفس الكلام الذي قلته لي أنت عن المقابلة، لقد قال لي: je ne vois pas en quoi je peux être en désaccord avec Ben Salah وكانت هذه الحادثة، بالنسبة لي، نقطة تحوّل في الرؤية.. رؤية كرايسكي للقضية لأنه بالنسبة له (كرايسكي) فإن بن صالح وأفنيري، شخصان يعرفهما جيدا.. منذ ذلك الوقت بدأ «كرايسكي» يكوّن موقفه الخاص والمعروف من القضية الفلسطينية، وأول تجسيد لهذا الأمر، كان عندما أحطت به حتى يكون أول مسؤول أوروبي يفتح الباب لحلّ القضية الفلسطينية باستقبال ياسر عرفات رئيس م ت ف. عندها فقط تأكد له الأمر، وأن يدفع بالتجربة الثانية لي معه. الثانية: في المعهد (معهد فيينا) الذي كان يترأسه، كانت تعمل مع «كرايسكي» موظفة يهودية (نمساوية) وزوجها أيضا يهودي.. كان زوجها ناقدا أدبيا معروفا ومشهورا في فيينا، وله ما يقول في نجاحات الكتب.. إذن ماذا فعل كرايسكي، ضمن هذه التجربة الثانية، ناداني يوما، وعرّفني بزوج «مارييتا» الموظفة التي تعمل بالمعهد.. وكان زوجها صهيونيا متعصبا، في حين كانت هي، أقرب إلى التروّي.. وبعد المقابلة، قال لي «كرايسكي»: «تعرف يا أحمد، سوف أنظّم مأدبة عشاء تكون بينك ومارييتا وزوجها.. وسنرى ماذا سيقع بينك وبين هذا المتعصّب».. كان كما الامتحان الثاني من «كرايسكي» تجاه بن صالح.. ففي الأولى قابله ب«رجل سلام» وفي المرة الثانية يريده أن يتقابل مع متعصب من غلاة الصهاينة.. فماذا سيحدث في جلسة العشاء.. هذه.. القصّة نقرؤها معا في العدد القادم إن شاء اللّه..