في هذا الزمن الذي تنكّر فيه الشعراء لإنجاز الخليل بن أحمد الفراهيدي وصادروا موروث كل مراحل الشعر العربي منذ الجاهلية الى اليوم في هذا الزمن الذي ندر فيه الشعراء الذين يمتلكون ناصية العروض والبحور الخليلية نجد الهادي العبدلي الذي نشر مجموعته الخامسة بعنوان «أوتار» من قبل، سبق لهذا الشاعر أن نشر المجموعات التالية: «طقوس الشك» مجموعة شعرية صدرت سنة 1994. «أناشيد الأطفال» مجموعة شعرية صدرت سنة 1995. «ترانيم» مجموعة شعرية للأطفال صدرت سنة 2000. «خفق الرّؤى» مجموعة شعرية صدرت سنة 2005. ويمتلك الشاعر مخطوطات شعرية متعددة مازالت تنتظر الطبع. ونعود الى مجموعة «أوتار» التي صدرت سنة 2009 فهي تتوزع على أقسام ثلاثة: عزف من القلب وعزف من الروح وعزف من العقل. ففي القسم الأول يحدّد الشاعر قصائد في الغزل، ثم يكون العزف على الجانب الروحي حيث تكون القصائد تسجيلا للابتهال والتضرّع الى اللّه، أما القسم الأخير فهو أغنيات للوطن، وأهازيج لتونس. (2) حين يتصفّح ورقات هذه المجموعة «أوتار»، يجد المرء نفسه أمام شاعر رقيق، يداعب الشعور والوجدان بإيقاع بيّن يهزّ أعماق الفؤاد.. يقول في قصيد بعنوان «أي داع للهوى؟» (ص 21): «طالما طاوعت نفسي في هواها يا طريقا فيه خطوي قد تناهى لست أدري أي روح مطمئن سكن القلب سقيما في دناها صورة الأمس وبعض من ظنوني كبقايا العمر من حولي أراها داعبت حسّي ووجداني وكأسي تائها أمشي خيالا في دجاها باعدت بيني وبيني ذكريات وشفاه أثقل الصّمت نداها» يلحظ المرء هذه العودة الى البناء الأصيل للقصيد العربي، في أغلب ما ورد في المجموعة، وإن لم يكن كذلك يكون «الشعر الحرّ» نهجا يسلكه العبدلي أما قصائد الوطن، ففيها يتغنّى الشاعر بالبلد.. يقول في قصيد «تونس الأمنيات» (ص 53). «دعوني وروحي، دعوني أجيب نداءات قلبي الذي لا يتوب أنا يا بلادي أسير الهوى ولي مهجة في هواي تذوب» فالمجموعة الشعرية «أوتار» التي صاغها الهادي عبدلي هي دفق غزير من الوجدان، وأنغام شجيّة من ألحان شعرية تكرع من حياض التاريخ، وتغترف من ثراء المنجز الابداعي العربي.. هي الايقاع ا لصارخ الذي يحرّك السواكن ويرجّ الهاجد في أعماق الذات لذلك نقول إن الهادي العبدلي هو الشاعر بحق الذي ندر أمثاله بما له من قدرة على الإبداع ومهارة في ولوج مملكة الشعر لذلك تغنّى المطربون بأشعاره، ونال إعجاب كل قارئ اطلع على هذه المجموعة وغيرها من آثار العبدلي.