المجلس الاستثنائي الذي نظمته دار الثقافة ابن رشد بمنزل عبد الرحمان للشاعر الفقيد محجوب العياري لم يكن حفل تأبين أو مناسبة بكائية، بل بعيدا عن كل ذلك كانت نظرة المنظمين لأن محجوب العياري له علاقة بهذه المدينة أعمق وأكبر وأمتن عن علاقاته بالأمكنة الأخرى، ونحن نعرف ذلك، ومحجوب أيضا، وكان محجوب حاضرا ليؤكد ذلك. مساء السبت 24 آفريل، وفي القاعة نفسها التي تمّ تكريمه فيها في بداية التسعينات عند حصوله على جائزة سعاد الصباح، أيضا عند استضافته بعد ذلك في برنامج «مواعيد الكتاب» صحبة الشاعر نور الدين بالطيب والقاص أنيس الوهابي في ربيع 2007، كان محجوب حاضرا بكل معاني الكلمة إلا بجسده فقط، لأن دار الثقافة حرصت على التنقيب في أرشيفها للعثور على شريط بالصوت والصورة تمّ بثه وسط جو مهيب من الإجلال لهذا الشاعر الفذّ الذي طالما صفّق له الجمهور الحاضر، ومن الحسرة على فقدان تلك النبرة الشجية والإلقاء الفريد لمحجوب العياري، هذا اللقاء الذي أوسمته دار الثقافة باسم «مجلس وفاء» هو تحية أولى لروح الشاعر سيتلوه لقاء أهم، لعلّ ذلك يتم في الموسم القادم، لتخصص ندوة كاملة أو شيء من هذا القبيل كما وعد بذلك مدير الدار الأستاذ هشام مراد الذي كان أكثر الحاضرين تأثرا خاصة عند بثّ الشريط السمعي البصري الذي ظهر فيه محجوب العياري متحدثا بكل أعضائه وب«يديه الطويلتين» على حدّ تعبير عبد الله مالك القاسمي، وهو يتوسط نور الدين بالطيب ومحمود الماجري، وعلى ذكر عبد الله مالك القاسمي فإن هذا الأخير هو الوحيد من بين أصدقاء الشاعر الذي حضر هذا اللقاء من جملة أربعين كاتبا، كلهم من أصدقاء الشاعر الفقيد، والذين تمت دعوتهم هاتفيا وأكدوا حضورهم ولكنهم في الأخير اعتذر بعضهم وتغيّب الباقون، نحن نعذرهم فشواغل الحياة كثيرة.. والمكافآت غير مبرمجة. غاب الأصدقاء وحضر محجوب، كان حاضرا حقا بالمداخلة التي استمعنا إليها عبر الشريط والتي عبّر فيها عن بعض آرائه في الشعر وكأنه بذلك افتتح هذا اللقاء الذي قدّم فيه كل من الشعراء البشير المشرقي وعبد الله مالك القاسمي والبشير الدريدي وكاتب السطور شهادات حميمية نبشت في بعض التفاصيل البسيطة التي جمعت كل واحد منهم بالشاعر الفقيد، كما أدلى الدكتور محمود الماجري بشهادة موجزة عن محجوب العياري تبرز علاقة الشاعر بمنزل عبد الرحمان وبأهلها، ليختتم اللقاء أيضا بشهادة لمحجوب العياري، قرأها الدكتور الماجري، وهي وثيقة نادرة كتبها على الطائر في ربيع 2007 بأحد مطاعم بنزرت، لم يكن اللقاء كئيبا ولا بهيجا أيضا، حاول المنظمون جعله في إطاره احتفاء بشاعر ربطته بالمدينة علاقات محبة ومودة ووفاء، كان هذا المجلس الذي واكبه أيضا أخوه فريد العياري وبعض من أصدقائه وأقربائه من ماطر، هو أيضا لحظة وفاء لشاعر ملأ المنابر سنين طويلة يجري شعره، حتى لكأن محجوبا عاش معنا يوما إضافيا.. فلا بأس على الشاعر أن يعيش يوما آخر.