قال الدكتور الصادق السيّد، أستاذ رئيس قسم جراحة الأطفال بمستشفى الحبيب ثامر، حيث أجريت صباح الثلاثاء عملية فصل توأمين وُلدا متلاصقين على مستوى البطن ويشتركان في الكبد وهو واحد من بين فريق متكوّن من 15 طبيبا تونسيا «إن نجاح ا لعملية يعتبر حدثا تاريخيا يجسد قيمة الكفاءات التونسية في القطاع الصحي». لقد تمّ إيواء التوأمين منذ يوم 23 جانفي في قسم جراحة الأطفال بمستشفى الحبيب ثامر بتونس حيث خضعا لرعاية طبية فائقة تحضيرا لاجراء عملية الفصل التي تتطلب بالخصوص تقدّم نموّ الرضيعين (بلوغ وزن 10 كلغ مقابل 4.2 كلغ عند الوضع) الى جانب احكام التنسيق والاستعدادات التقنية التي يتطلّبها هذا الصنف من العمليات الدقيقة. وأضاف: «قُمنا بالتحضيرات اللازمة وجهّزنا أنفسنا بآلات تنفس اصطناعي وكنا جميع الأطباء والتقنيين متواجدين صباح الثلاثاء منذ الساعة السادسة ودامت العملية حوالي 5 ساعات. الحمد & نجحت عملية الفصل وهما يتنفسان بشكل طبيعي دون الحاجة الى آلات التنفّس الاصطناعي وحالتهما تتطوّر بشكل إيجابي ويتم اخضاعهما للعناية الطبية المركّزة». وأشارت الدكتورة نادية علوي وهي أستاذة مساعدة رئيسة قسم التصوير الطبي بمركز التوليد وطب الرضيع بتونس الى أهمية التشخيص قبل اجراء عملية الفصل. ويتم عبر 3 مراحل وهي التشخيص بالصدى وبالمفراس وأخيرا بالرنين المغناطيسي وكلها وسائل متكاملة لتحديد وضعية التوأم. التشخيص أفرز أنه لا يوجد أي تشوّه في الجهاز العصبي وهذا مهم وقمنا بتقديم عدّة معطيات أخرى للجرّاح حيث يمكن له القيام بعملية الفصل دون إلحاق ضرر بالتوأم. فالشريان لا يمكن تقسيمه بين الرضيعين عند اجراء عملية الفصل. وتجدر الاشارة الى أن هذه العملية التي أنجزت بقسم جراحة الأطفال بمستشفى الحبيب ثامر بالعاصمة أشرف عليها خمسة فرق طبية وهي قسم جراحة الأطفال وقسم الانعاش بالمستشفى المذكور وقسم الانعاش الطبّي للرضع بمركز التوليد وطب الرضيع بالرابطة وقسم الانعاش والتخدير بمستشفى الاطفال بتونس وقسم التصوير الطبي بمركز التوليد وطب الرضيع بتونس. ولقد أكّد أب التوأم أنه تلقى عدّة مكالمات هاتفية وإغراءات من دول خليجية وأوروبية لنقل التوأم واجراء العملية هناك لكنه رفض وختم «لقد كانت ثقتي كبيرة في كفاءة الطب التونسي». رضا بركة والد التوأم ل «الشروق»: كنت متأكدا من نجاح العملية في تونس رغم المخاوف والشكوك تونس «الشروق»: من 7 جانفي إلى 4 أفريل، 120 يوما بالتمام والكمال قضّاها مكرم وزوجته في انتظار الخبر السعيد.. 4 أشهر كانت عبارة عن 4 سنوات على حدّ تعبيره، خاصة في غياب خبر طبي يقين ومعلومة دقيقة طوال هذه المدة عن المصير المنتظر لتوأمهما المتلاصق نجلاء وألاء.. الحالة لم تكن الأولى محليّا وعالميّا، يوم تم تسجيلها في 7 جانفي 2010 بمركز التوليد الرابطة (وسيلة بورقيبة سابقا)، ولن تكون الأخيرة طبعا.. فمئات التوائم يولدون سنويا متلاصقين إمّا على مستوى البطن أو الصدر أو الرأس أو المؤخرة..مئات منهم تُكتب لهم الحياة بعد عملية الفصل.. ومئات آخرون يموتون إما قبل العملية أو أثناءها أو بعدها خاصة في غياب تعامل طبي «جدّي» مع الحالة.. لكن ما سيسجله التاريخ بالنسبة لنجلاء وألاء هو التفكير بجدية، ولأول مرة في تونس في إجراء عملية الفصل بأحد مستشفياتنا. غموض والد التوأم مكرم ترول كان تحدث ل«الشروق» عند انفرادها يوم 1 فيفري بنشر الخبر حول هذه الولادة النادرة وحول بداية التفكير في إجراء العملية الجراحية إما بتونس أو بالخارج. فقال إنه عاجز بحكم حالته الاجتماعية الصعبة عن تحمّل نفقات عملية الفصل في الخارج.. وتحدثت بعض المصادر الطبية آنذاك عن إمكانية تدخل السلط الاجتماعية والصحية ببلادنا لمساعدة هذا الأب على تحمل نفقات هذه العملية في الخارج.. آنذاك لم يؤكد أي طرف طبي، ولم ينف أيضا، امكانية إجراء العملية في تونس، وكانت «الشروق» طوال الأربعة أشهر الماضية على اتصال دائم بالأب، فيردّ دوما «علمي علمكم.. لا جديد عندي.. البنتان محتفظ بهما في المستشفى وها أنا أنتظر...». نجاح لم يكن الأب، ولا أي طرف آخر يعلم خلال هذه المدة أن فريقا طبيا كاملا كان يعمل «في صمت» ويجري اتصالات هنا وهناك ويتزوّد بالمعلومات اللازمة وربما ببعض التجهيزات استعدادا للمهمة الصعبة.. إضافة إلى ما تفرضه عملية الفصل من ضرورة الانتظار حتى يشتدّ عود البنتين نسبيا ويزيد حجم جسميهما لتكون عملية الفصل أسهل.. يقول الأب مكرم ل«الشروق»، بعد نجاح عملية الفصل كانت طوال الأربعة أشهر الماضية تخامرني بين الحين والآخر أفكار «سوداء»، فيذهب في اعتقادي أن كل هذا الصمت من الأطباء ماهو إلا مماطلة منهم لي ولزوجتي حتى تمرّ الأشهر وننسى مع الوقت أمر عملية الفصل ويقلّ حماسنا لها ويُترك بالتالي مصير البنتين لمشيئة اللّه».. ويضيف مكرم «سرعان ما أستفيق من هذه الأفكار السوداء وتتراءى لي صور وردية فيها بنتاي وهما مفصولتان بعد عملية جراحية ناجحة في الخارج.. بل وأكثر من ذلك، تتراءى لي هذه العملية من داخل أحد مستشفياتنا وعلى أيادي أطبّائنا». ويؤكد أب التوأم أنّ إيمانه كان طوال الفترة الماضية كبير بمشيئة الله وبكفاءة الطب التونسي وبتوفير التجهيزات اللازمة لهذه العملية المعقدة «وها أن إيماني واعتقادي كانا في محلهما.. أشكر كل من ساهم في هذه العملية من بعيد وقريب. لقد كانت لحظة لا توصف لي ولزوجتي وإبنيّ ونحن نرى من وراء بلور غرفة الانعاش آلاء ونجلاء منفصلتين بعد أن تعوّدت أعيننا طوال ال120 يوما الماضية على رؤيتهما متلاصقتين ننتظر الخبر السعيد».. ويختم مكرم ترول حديثه بالقول إنه يشكر السلط الصحية على مجانية هذه العملية الصعبة والمعقدة التي تتكلف باهظا على المريض في دول أخرى ويأمل من جهة أخرى في أن يجد القدرة والامكانات اللازمة للعناية بهما من ناحية المراقبة الطبية الدائمة بعد العملية خاصة في ظل ظروفه الاجتماعية الصعبة.