عبد الله مالك القاسمي واحد من الكتّاب القلائل الذين أحبهم لأكثر من سبب! أوّل هذه الأسباب أنهم يعيشون الشعر ولا يكتبونه فعبدالله شاعر في حياته لم ينتصر لغير الشعر والكلمات والمحبّة والصداقة، كان في أشد اللحظات قسوة عندما استهدف في قوته اليومي يبتسم ويرقص على جرحه مسلما نفسه للشعر وجنته الخالدة. تقرأ قصيدة لعبد الله مالك أو مقالا أو قراءة في كتاب أو تستمع لحكاية من حكاياته فأنت في كل ذلك لم تخر ج عن مدار الشعر. ولذلك فإنّ الكتاب الجديد لمالك القاسمي الصادر عن المكتبة المتوسطية بتازركة في طبعة أنيقة تحليها لوحة رائعة للفنان الكبير الأمين ساسي بعنوان «نزهة في حدائق الكلام» لم يكن في الحقيقة إلا فسحة شعرية رائقة كما هي حالات عبدالله مالك القاسمي. الكتاب تضمّن خمسة أبواب هي على التوالي الشهادات المقدمات النصوص القراءات الردود وفي كل فصل مجموعة من المقالات كان عبد الله نشرها طيلة مسيرته الطويلة في الصحف والمجلات وفي مقدمات الكتب. في الكتاب احتفاء بالكتابة والأصدقاء والشوارع والمقاهي والليل والحياة التي عاشها بعنفوان قبل أن يداهمه المرض ويسرق ابتسامته العريضة وصخبه الذي طالما ملأ ليل باب البحر ونهاره وكأنه طفل يأبى أن يكبر فقد حرم عبد الله مالك القاسمي مبكّرا من حنان الأم التي انطفأت زهرة شبابها مبكرا فظل يستعيدها في رماد القصائد وجمر الكلمات. نصوص الكتاب كما صاحبها واضحة وصريحة وعميقة ومليئة بالطفولة وتلك هي عبقرية عبد الله مالك القاسمي الذي يبقى صوتا تونسيا يغرّد خارج السرب و«ضد الإقطاع الشعري». في الكتاب يضع «نقاطا على الحروف» ويبحث في مستويات الكتابة ومستويات القراءة ويلاحق التفاصيل اليومية واللحظات الشعرية في أكثر من كتاب ولدى أكثر من كاتب. «نزهة في حدائق الكلام فسحة في عالم القاسمي بطفولته الهرمة وأزهاره الذابلة.