الكيلاني بن منصور (أستاذ باحث في ماجستير الأدب) لقد عاش السيد أحمد الحمداني حياة زاخرة بالنضال الثقافي والاجتماعي. وفي صحبة الأديب محمد لعروسي المطوي كتب المقالات المتنوعة التي تطرح قضايا المكفوفين على أنظار الرأي العام في تونس الاستقلال. فقد كان محمد لعروسي المطوي أول تونسي من المبصرين يكتب عن قضايا المكفوفين في الصحافة الوطنية بعد الاستقلال. وقد كانت جرائد العمل والصباح وغيرها نافذة إعلامية مكنت صديقه أحمد الحمداني المطوي من نشر عدد هام من المقالات التي تدافع عن المكفوفين وتعبر عن سعيهم نحو ضمان مكانة مشرفة في المجتمع التونسي. وقد وجدت تلك المقالات تشجيعا كبيرا من قبل رجالات الإعلام في ذلك الوقت. وعبر الحمداني نفسه عن ذلك، مشيدا خاصة بالمؤازرة والتفاني في خدمة الكفيف الذي لمسه في شخص المرحوم الهادي العبيدي فقيد الصحافة التونسية رحمه الله. ومن المقالات المتنوعة بالصحافة الوطنية مر شيخ الأدباء المكفوفين أحمد الحمداني إلى تأسيس أول مجلة متخصصة في شؤون المكفوفين في تونس والثانية في الوطن العربي بعد المجلة التي أسسها في مصر الدكتور الكفيف صلاح مخيمر والدكتور عبد الحميد يونس (أول رئيس تحرير كفيف لمجلة العربي الشهيرة) وسماها مجلة «الكفيف العربي يتحدث»، في شهر جويلية سنة 1958 وكتب الرئيس جمال عبد الناصر افتتاحيتها إلى جانب تصدير من الدكتور طه حسين. وسوف نفرد لها دراسة لاحقة. مجلة كفيف المغرب العربي ودورها الثقافي والاجتماعي صدر العدد الأول من مجلة «كفيف المغرب العربي» خلال شهر سبتمبر 1960. واختار مديرها أحمد الحمداني المطوي أن يكون تواتر الصدور كل شهرين. وكانت تُباع بمائة مليم النسخة الواحدة وفتح الباب للقراء للاشتراك في هذه المجلة بما يدعم فرص استمرارها وتغطية نفقات طباعتها وتوزيعها. وقد تكونت هيئة التحرير بالخصوص من مثقفين مكفوفين كانوا ينتسبون إلى السلك التربوي وخاصة معلمي المدرسة الفتية ببئر القصعة التي كان يديرها الأستاذ محمد الراجحي. ونذكر من هؤلاء الكتاب الذين فتحت المجلة صفحاتها لأقلامهم كل من السادة عمر بوكوم حافظ مكتبة الاتحاد القومي، محمد البيضاوي فرحات، والشيخ الجليل الصادق الدواس رحمه اللّه، والسيد عبد الجليل العش ومحمد قعبل. إلى جانب بعض المبصرين الذين كانوا يكتبون للمجلة مقالات متنوعة المواضيع مثل البشير بسباس وغيره. لقد تواصل إصدار مجلة المغرب ما يقارب ثماني سنوات وكان مجموع الاعداد المودعة بدوريات الكتب الوطنية 25 عددا بالتمام والكمال. وقد اعتمد صاحب المجلة على موارد مالية متنوعة في طليعتها الاعلانات الاشهارية التي كان يشرف عليها السيد البشير بسباس. وقد لاحظت أن حجم الصفحات الاشهارية كبير مقارنة بمساحة المواضيع. وقد صدرت المقالات باللغة العربية والفرنسية في نفس الوقت. ومن خلال محتوى بعض المقالات الاجتماعية يتضح أن المجلة كانت صدى لما يعيشه الكفيف التونسي في ذلك الوقت من تحول جذري طال وضعه كإنسان بفعل الانجازات التي كان يحققها الاتحاد القومي للمكفوفين على الصعيد التشريعي والتعليمي والاجتماعي والمهني في تلك الفترة، فالمكفوفين الذين كتبوا في المجلة قد عبروا عن هذه المكاسب من خلال مقالاتهم التي ركزت على الاشادة بمجهود الاتحاد القومي، وتعداد المكاسب التي تحققت بفضل جدية العمل الذي كان ديدن كل المسؤولين على الاتحاد من المكفوفين وإخوانهم المبصرين. ويمكن أن نعتبر بالاعتماد على جملة المقالات الادبية والاجتماعية أن المجلة قد احتفظت لنا بما يعد شهادات مرجعية على تلك الحقبة من تاريخ تونس في المجال الجمعياتي عموما وفي مجال نهضة المكفوفين على وجه التحديد، فالناظر الى تلك المقالات بعين المحقق الباحث سوف يعتبرها نصوصا مرجعية ذات قيمة توثيقية باعتبارها صادرة عن كتاب مكفوفين عاشوا ملابسات تلك الحقبة الاولى من مسيرة شريحة المكفوفين نحو نحت الذات الجماعية ضمن مكونات المجتمع التونسي الناهض آنذاك. وقد ساندت هيئة الاتحاد في ذلك الوقت بعث هذه المجلة، فها هو رئيس الاتحاد القومي عميد المحامين التونسيين المرحوم الاستاذ الطيب الميلادي يكتب تصديرا للعدد الأول من المجلة يقول فيه بالخصوص: «ها نحن اليوم ندشن في ميدان الفكر والنشر مجلة (كفيف المغرب العربي) التي عمل على تحقيقها وابرازها مديرها الحازم الحصيف الاستاذ أحمد الحمداني لتنير المسالك في طريق سير الكفيف في جميع ميادين نشاطه، وهذه الزاهرة تدل على ما للكفيف من طموح ومقدرة في شتى الميادين وشعور بالوجود كالمبصرين، فإلى الأمام لمحو الامية والتخلف.» وقد عبر الاديب أحمد الحمداني نفسه عن اعجابه بعمل الاتحاد القومي وأعضائه على حد السواء وذلك في قوله ضمن افتتاحية العدد الأول من المجلة: «ثم ها أنا ذا أتأمل في تلك المراحل التي قطعها الاتحاد القومي للمكفوفين وفي تلك الانجازات، أتأمل في كل ذلك فأجد نفسي مشرقة وقلبي مبتهجا وفي نفس الوقت أشعر بالاوقات الغالية التي يبذلها أصحابها بفرح وسرور في بناء ثغرة يجب أن تبنى وتستقيم، إنني أقدر هذه الجهود الصادقة المنبثقة عن قوم آمنوا بإنسانياتهم وراحوا يعملون من أجل الايمان بصدق وإخلاص.» المجلة ترصد النقلة النوعية للكفيف التونسي ان أهم الأساليب التي توختها مجلة كفيف المغرب العربي في التأسيس للمستقبل النوعي لشريحة المكفوفين بالبلاد التونسية هو أسلوب المقارنة بين وضع الكفيف قبل الاستعمار زمن الجمعيات المتناحرة، ووضعه بعد الاستعمار أي إبان الاستقلال وبناء الدولة الحديثة على أسس النظام الجمهوري، وزمن أصبح للمكفوفين منظمة واحدة هي الاتحاد القومي للمكفوفين، ومن تلك المقارنات اللطيفة والصادقة نورد فقرة من مقال بعنوان «بين الحاضر والماضي» كتبه الطاهر معلّى في العدد الثالث يقول فيه: «... ابهر بنهضة المكفوف أخيرا، فترجع بي الذاكرة الى سنوات ليست بالبعيدة عنا، لأقارن بين ماض قاتم مليئ بالمآسي والسخريات، وبين حاضر مشرق حافل بالانجازات والأمل، فلو رجعت معي بالذاكرة الى ما قبل أربع سنوات فقط، لوجدت أن المكفوفين انما كانوا فرقا موزعة في جمعيات كثر عددها وقل نفعها.... هل تعلم متى كان المجتمع يحس بنا، أنه يحس بنا في المواسم، ويوم يصبح فيه ميت، فكأنما قد نيطت أرزاقنا بالأموات فترانا نتسكع في المقابر، ونتنسم أخبار عزرائيل لنخف الى الترحم على ضحاياه مقابل أجر زهيد لا يكاد يغني شيئا. وانها لثورة حقيقية يوم تأسس الاتحاد القومي للمكفوفين على انقاض تلك الجمعيات فقد توحدت الجهود ونجم عن الاتحاد قوة خارقة أمكن لها أن تخلق عالما جديدا للمكفوفين ذا مقاييس واتجاهات من شأنها أن تعمل على إزالة ما كان للعمى من اعتبار كفارق بين المكفوف والمبصر....».