تجسيدا لحلم قديم طالما راود الأستاذ صلاح الدين العامري مؤسس «دار الأنوار» صدر كتاب «القيروان.. في عيون الأجانب» وهو كتاب يضمّ مجموعة من الترجمات لنصوص عن القيروان ترجمت الى العربية من لغاتها الأصلية الفرنسية والأنقليزية وهذه الترجمات فازت بجائزة العميد لدورة 2008 المخصّصة للقيروان بمناسبة اختيارها عاصمة ثقافية إسلامية. هذا الكتاب هو الإصدار الأول في اصدارات «دار الأنوار» التي تعتزم مواصلة هذه التجربة بنشر الأعمال المتوّجة بجائزة المرحوم الأستاذ صلاح الدين العامري الذي كان مهووسا بإصدار سلسلة من الكتب تساهم في تقريب الكتاب من المواطن عن طريق شبكة التوزيع الواسعة ل«دار الأنوار» وقد نجحت الادارة العامة في تجسيد هذا الحلم كما أسّست لجائزة الثقافة والعلوم التي تحمل إسم العميد وقد أصبحت بعد خمس دورات من المواعيد الثقافية البارزة في الموسم الثقافي. الإهداء الكتاب الذي صدر في 195 صفحة قدّمت له السيدة سعيدة العامري بكلمة بعنوان «الإهداء» جاء فيها «إلى روحك الطاهرة الطائرة المحلّقة في السماء، أرتقي إليك اليوم في لحظات لأهتف لك بهذا الإهداء: وفاء لروحك، وفاء لأفكارك.. وفاء لمواقفك الخالدة، ولخطّك المشرّف في الدفاع عن قضية الأمة العربية ونهضتها، ولغيرتك على تاريخها المغتصب. وإصرارك وإيمانك بقوة القلم ووقع الكلمة.. حيث ناضلت وكافحت لتبليغ صوت الحق فكان صوتا صادحا بليغا تفاعل معه قرّاؤك من خلال جرائدك «الشروق»، «الأنوار»، «المصور» و«لوكتديان». وفاء لك، ننشر اليوم هذا الكتاب.. وسنواصل إن شاء الله تبليغ صوتك عاليا من خلال هذه المسابقة التي أردناها علمية ثقافية، لما كنت توليه من اهتمام كبير للعلم والثقافة والبحث، إذ كنت تعتبر دائما أن الطريق الوحيد لنهضة الشعوب وركوب صهوة التقدّم هو العلم.. والعلم.. ولا شيء غير العلم. هذه الجائزة هي لمسة وفاء لك من أم اسماعيل ومن محمد اسماعيل، إبنك الوحيد، ومن أسرة «دار الأنوار. إليك هذا الكتاب». ترجمات الكتاب تضمّن ترجمة مجموعة من النصوص عن مدينة القيروان كتبها رحّالة أوروبيون في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين من هذه النصوص نص باللغة الانقليزية لألكسندر بودي ترجمة معز بن خليفة النصري وبودي هو راهب بروتستانتي بريطاني قام برحلة بحرية الى شمال إفريقيا ووصل القيروان مع بداية الاستعمار الفرنسي لتونس وقد جعل عنوان كتابه «الى القيروان المقدسة» وهو ما يبرز كما ذكر المترجم منزلة القيروان في رحلته. وقد نعتها بأنها «البقعة الأقدس في إفريقيا». النص الثاني لهنري صلادان ترجمه صابر الجمعاوي بعنوان «القيروان الجوامع والمنازل والمقابر»، وقد زار صلادان القيروان في أواخر القرن التاسع عشر وتناول في هذا النص الجوانب المعمارية والروحية والاجتماعية وقد عاش هنري صلادان في تونس بين 1882 و1883 وقد قام بمهمة بحث في الآثار بتكليف من وزارة المعارف العمومية وقد كان عضوا في اللجنة الأثارية لشمال إفريقيا. النص الثالث هو جزء من كتاب لشارل مونشيكور ترجمه المؤرخ محمد العربي السنوسي بعنوان «القيروان والشابية» وتناول مونشيكور في كتابه الطريقة الشابية التي ظهرت في القيروان وحاولت تأسيس دولة وتصادمت مع السلطة الحفصية ومونشيكور كما قدمه المترجم حائز على دكتوراه دولة من السربون سنة 1913 بأطروحة حول «التل الأعلى للبلاد التونسية». أما النص الرابع فهو فصل من كتاب لغي دي موباسان الكاتب الفرنسي الذي زار تونس وكتب كتابه الشهير «من تونس الى القيروان» وهو عنوان الفصل الذي ترجمه سالم بوخدّاجة وقد كانت زيارته في أواخر القرن التاسع عشر وشملت سوسةوالقيروانوتونس. وجاء النص الخامس الذي ترجمه محمد رؤوف لحسن بعنوان «القيروان مساجدها وأساطيرها» للويس كريبوت وهو ضابط فرنسي كتب هذا النص سنة 1899 بمناسبة تدشين الخط الحديدي بين سوسةوالقيروان أما النص الخامس الذي ترجمه أحمد فاضل الهلالي فبعنوان «الحياة الهائمة» لغي دي موباسان وقد كتب هذا الكتاب غير المعروف للكثيرين خلافا لكتبه الأخرى عندما قرّر مغادرة أوروبا في اتجاه جنوب المتوسط بحثا عن حياة أخرى. وثيقة هذه النصوص المترجمة الى اللغة العربية تمثل وثائق أساسية تكشف عن تفاصيل من الحياة اليومية في القيروان أواخر القرن التاسع عشر الذي شهد بداية الاستعمار الفرنسي وبهذا الكتاب الذي تضعه «دار الأنوار» بين يدي القراء تكون جائزة العميد صلاح الدين العامري قد تجاوزت مجرّد تتويج الباحثين لتكون في خدمة عامة القرّاء الذين لا تتاح لهم فرص كثيرة لاكتشاف هذه الوثائق بما تحفل به من تفاصيل تكشف عن نظرة الغرب الحديث العهد باكتشاف جنوب المتوسط.