تونس «الشروق»: هي امرأة شابّة من عائلة محافظة جدّا وهو مثقف شاب من عائلة ثرية.. جمعتهما قصة حب طويلة انتهت بالزواج لكن ظروف العمل الذي ينتميان إلى قطاعه جعلت من كل واحد منهما يقيم بمكان بعيد عن الآخر... جمعهما الزواج وفرق بينهما العمل الذي لا تسمح ظروفه إلا بالتلاقي مرة كل نهاية الأسبوع... لم يكن الحب وحده كافيا للحفاظ على رابط الأسرة بين الزوجين الشابين إذ بلغ صوتهما أروقة إحدى المحاكم بالساحل من خلال قضية تقدم بها الزوج ضد زوجته من أجل الحصول على الطلاق للضرر... بسبب خيانة واقعيا هي افتراضية. التقى الزوجان في نهاية الأسبوع ودون تخطيط مسبق فتح الزوج موقع ال«شات» التابع لزوجته وكانت صدمته كبيرة حين عثر على أرشيف حوار افتراضي بين زوجته الشابة وبين غريب... عثر على كلمات رقيقة من النوع الذي يتبادله العشاق معا فجنّ جنونه وهاج وماج وطالب بالطلاق والانفصال إلى الأبد. الزوجة: «أنا مظلومة» لم تكن صدمة الزوجة صغيرة هي الأخرى فقد هلعت من المصيبة التي حلّت بها، بكت، انتحبت استنجدت بعائلتها، لكن دون جدوى اعترفت بكونها كانت وحيدة في غيابه باعتبار أن كلا منهما يعمل في مكان بعيد عن الآخر فهربت إلى ال«شات» تحدثت إلى غريب لا تعرفه ولا تعرف عنه شيئا سوى الهوية المدونة على شاشة الانترنيت وأنها مارست ما يسمى بالحوار المباشر عبر ال«شات» الكتابي لإضاعة الوقت ليس إلا ولم تكن تعتقد أن الأمر يمكن أن يحمل في طياته الكثير من الخطورة واعتبرته فذلكة صغيرة ولعبة لكن اللعبة التي ابتدأت بعود ثقاب أحرقت قصة حبها الطويلة مع الرجل الذي انتظرته عمرا بأكمله. طلاق للضرر رغم تدخل عائلة الزوجة الشابة إلا أن الزوج اعتبر ذلك الكلام المدوّن في ال«شات» بين زوجته وبين غريب هو خيانة لا تغتفر وأن الحياة بينهما أضحت مستحيلة، وتقدم إثر ذلك بقضية مطالبا بالطلاق للضرر.. وحرمت الزوجة من النفقة وكانت القضية التي شهدتها إحدى المحاكم فريدة من نوعها اليوم وهي «خيانة»... إلا أنها افتراضية أو لنقل خيانة الكترونية كيف هي؟ كيف يراها القانون ونحن مازلنا نسير على خطى التحضير لقانون الجرائم الالكترونية؟ كيف يمكن اعتبار الخيانة الافتراضية خيانة وهل يمكن فعلا اعتمادها لتتوازى مع الخيانة الفعلية؟ وهل سنحتاج اليوم فعلا إلى قانون ومجلة جزائية افتراضية للجرائم الافتراضية ومنها بالأخص ما يطلق عليها جرائم الشرف؟. الحياة الافتراضية الخاصة ينامان على سرير واحد لكن لكل منهما حياته الافتراضية الخاصة هو يلجأ إلى ركن منزو ليعيش لحظات مسروقة من الزمن مع من أحبها افتراضيا فيقضي أغلب ساعات الليل معها. أما هي فتهرب بدورها إلى ال«شات» وتمارس عليه خيانتها ولو افتراضيا في الوقت الذي تعجز فيه عن الخيانة الفعلية في الواقع. لكن هل تبدو هذه الخيانات خيانات حقيقية وهي افتراضية؟ خيانة يراها البعض أنها بالفكر لا بالحس وأننا نحاسب الجسد لا الفكر. ليست خيانة اختلفت الآراء والأفكار لعدد ممّن حاولت الشروق استجوابهم بهذا الخصوص فالشق الأول اعتبر أن الخيانة الافتراضية ليست خيانة ما دام الجسد في مكانه متربعا لا يتحرك وأن الزوجة وإن مارست هذه الأفعال فيجب معاتبتها أو إلقاء جزء من اللوم على الزوج لكن لا يمكن أن يقع اعتماد هذا ال«شات» مثلا في قضية طلاق للضرر ودفع الزوجة إلى شق النساء الخائنات. الخيانة الافتراضية أخطر من الجسدية «الخيانة الافتراضية بالروح وبالفكر وبالمشاعر أخطر بكثير من الخيانة الجسدية» هكذا رأى شق آخر الأمر من زاوية إنسانية قبل أن تكون قانونية معتبرين أن الفعل في حد ذاته اختراق للنظم الأخلاقية وهي أجزاء مما تقوم عليه الرابطة الزوجية وتمثل بذلك انتهاكا لبنود عقد الزواج الممضى بين الطرفين والذي أساسه الثقة والاحترام المتبادل. الأستاذة نجلاء الزين عبود محامية خرق لعقد الزواج عن الخيانة الافتراضية وقضايا الطلاق للضرر التي التحقت بصفوف القضايا المنشورة اليوم لدى المحاكم التونسية تقول «فعلا بدأت بعض الأسر التونسية تتحطم روابطها وتتصدّع علاقاتها إلى حد حدوث بعض حالات طلاق في أواسطها نتيجة «التكنولوجيا العصرية» التي دخلت بيوتنا واحتلت حيزا هاما من حياتنا ومن مظاهر سلبياتها تعمد بعض الأزواج ربط علاقات حميمة مع غير زوجاتهم عبر الانترنيت فهل يمكن إذا اعتبار هذه الظاهرة انحرافا من الزوج أو الزوجة وخيانة صريحة من أحدهما وهل يجوز طلب الطلاق على أساس وجود خيانة افتراضية؟ وهل يعتبر ذلك جريمة يعاقب عليها القانون؟. 1 على المستوى المدني قد يؤوّل هذا الفعل ويفسّر على أنه خيانة حقيقية لأن الخيانة قد لا تكون مادية جسدية فحسب وإنما يمكن أن تكون خيالية لأن تصرفات الزوج هذه قد تعني أنه لا يحمل عشورا بالتقدير والاحترام لشريكة حياته وهو شعور أساسي بين الزوجين تقوم عليه الرابطة الزوجية ولقد أكد الفصل 23 من مجلة الأحوال الشخصية ذلك إذ اعتبر أنه «على كل واحد من الزوجين أن يعامل الآخر بالمعروف ويحسن عشرته ويتجنب إلحاق الضرر به...». فالخيانة الافتراضية فيها ضرر بالزوجة أو الزوج وهي بالتالي تمثل خرقا واضحا للفصل 23 من مجلة الأحوال الشخصية وانتهاكا لبنود عقد الزواج الذي أساسه الثقة والاحترام المتبادل. وما اهتمام الزوج بثانية عبر الانترنيت إلا تعبير منه عن عدم احترامها وتعمد إهمالها وإهانتها ولو كان ذلك مع امرأة افتراضية لكن يبقى هذا الموقف القانوني مجرّد وجهة نظر مردود عليها ذلك أن الخيانة الافتراضية مثل اسمها وهمية وغير حقيقية وهي علاقة تحدث في عالم الوهم مع أشخاص غير محددين ولا معلومين بل إنه في الغالب نجد مستعمل الانترنيت قد انطلق من إعطاء معلومات زائفة عن هويته الحقيقية وبذلك تكون صورة مستعمل الانترنيت لمثل هذه الممارسات متقاربة مع صورة مشاهد لفيلم إباحي أو قارئ لرواية مثيرة وتفاعل معها ويبقى وجدان المحكمة هو الفيصل في مثل هذه القضايا بحسب ظروف الوقائع. 2) على المستوى الجزائي لم تنظم المجلة الجزائية إلى حد الآن أحكام هذه «الانحرافات» إن صح التعبير في ذلك باعتبارها خاضعة لمبدإ التأويل الضيق الذي يقتضي تفسير النصوص الجزائية تفسيرا ضيقا الفصل 231 و236 من المجلة الجزائية يحرمان الزنا وتعاطي الخناء وقد اشترطا بصفة صريحة وجود أفعال مادية كركن من أركان الجريمة وهو ركن غير متوفر في الخيانة الافتراضية، فالمجلة الجزائية لم تنص إلى حد الآن كقاعدة عامة على ارتكاب الجريمة بواسطة الشبكات المعلوماتية على غرار ما أوردته مجلة الاتصالات في مؤاخذة كل من يتعمد الإساءة إلى الغير أو إزعاج راحتهم عبر الشبكات العمومية للاتصالات أو على غرار ما أورده الفصل 121 من مجلة حقوق الطفل الذي يعاقب «كل من نال أو حاول أن ينال من الحياة الخاصة للطفل سواء كان ذلك بترويج أخبار تتعلق بما يدور بالجلسات التي تعالج فيها قضايا الأطفال وذلك بواسطة الكتب أو الصحافة أو الإذاعة والتلفزة أو السينما أو أية وسيلة أخرى. وختمت الأستاذة نجلاء الزين عبود كلامها «إنّه وفي كل الحالات وإن تم اتخاذ التعديلات القانونية اللازمة لملاءمة التشريع التقليدي مع موجبات التطبيقات الحديثة وما تفرضه من تغييرات يبقى الإثبات إشكالا آخر من إشكالات تتبع مثل هذه الأفعال الافتراضية إذ أن التعرف على هوية المستعمل في الفضاء الالكتروني هو على غاية من الصعوبة خصوصا إن كان المستعمل مختصا في هذا الميدان وقد شهد الواقع في حالات عديدة تعمد بعض الأشخاص إعطاء معلومات زائفة عن هويتهم واستعمال أسماء مستعارة للتخاطب من ورائها. ليس مهم اليوم كيف هي الخيانة افتراضيا عبر وسائل الإعلام الحديثة وفي ظل التطور التكنولوجي المتواصل سيهرب أزواج إلى الطلاق بناء على الجرائم الافتراضية وهي التي قد تفتح بابا آخر كبيرا من تعمد بعض الأزواج فتح حسابات بمواقع «الفايس بوك» باسم زوجاتهم أو استعمال أرقام مفاتيحهم السرية لإرسال أشياء تستعمل في ما بعد ضد الزوجة للحصول على طلاق للضرر.