بقلم: حياة الحويك عطية واحد من اهم اسباب انهيار مؤسسة الخلافة في نهايات الدولةالعباسية ، هو ما يسميه باحثو التاريخ بوزارة التفويض. ويعنون بذلك تفويض الخليفة صلاحياته ومسؤولياته كاملة الى وزيره الاول، في تناقض كامل مع ما ارساه عمر بن الخطاب من مسؤولية الخليفة عن كل شعرة تسقط من رأس رعاياه. واذا كان الخلفاء قد وقعوا في ذلك الخطإ لرغبتهم في الانصراف الى ملاهيهم وراحتهم، فقضوا في النهاية، ونتيجة لتراكم الامور على الخلافة العباسية كلها واوصلوا الامة الى عصر الانحطاط، فان خلفاء العصر الحديث انما يفعلون ذلك ونحن نتخبط في ذلك الانحطاط الذي ما زلنا نقاتله منذ نهاية القرن الرابع الهجري. غير ان المشكلة الكبرى في واقعنا المعاصر لا تتمثل في تفويض الحكام مسؤولياتهم لسواهم، او بالاحرى تركها على قارعة الطريق لمن يلمها او يشتريها، فان الطامة الكبرى تقع عندما تمارس الشعوب المسلك ذاته ، وتقبل عن وعي او عن غير وعي بتفويض مسؤولياتها وصلاحياتها لغيرها ، مكتفية بالتصفيق والهتاف ، في احسن الاحوال . مكسب كبير أن تدعمنا تركيا اردوغان وتتبنى قضيتنا المركزية بالشكل الذي تفعل، ومكسب كبير أن يتحرك النشطاء الغربيون لنجدة فلسطين، وان يحدث ذلك تحولا في الراي العام الغربي، في مختلف دوله، ولكن ذلك كله لا يعفي ولا يغني الشعوب العربية من مسؤولياتها ولا يغفر لها عدم ممارسة صلاحياتها، في القرار والمحاسبة. بين ان نعمل كل ما في وسعنا حكومات وشعوبا لدعم حكومة اردوغان وتوجهه السياسي في تركيا، وبين ان نفوض اليه امرنا وننام «ملء العيون عن شواردها» فارق كبير هو ذلك الفارق بين سياسة وفن تشكيل التحالفات وحمايتها، وسياسة التخلي والتفويض التي تسقط الاصيل والحليف معا لانها تلقي على عاتق هذا الاخير العبء كله، فلا يقدر على النهوض به. (وهو غير مسؤول او مطالب اصلا بالنهوض به، لان مسؤوليته الاولى تحقيق مصالح بلاده). خط اردوغان يتعرض في تركيا لاقسى الضغوطات والتهديدات، ففي وجهه العسكر ونفوذهم القوي، وفي وجهه العلمانيون والقوميون الاتراك ونفوذهم قوي ، والضربة الاخيرة المفاجئة هي ان الأمريكيين قد نجحوا على ما يبدو في تحرك جزء من الشارع الاسلامي ضده، عبر تصريحات رجل الدين ذي النفوذ الواسع فتح الله غولين، المقيم في أمريكا. حيث جاء في هذه التصريحات ان حكومة اردوغان قد اخطات بالسماح للسفينة بالابحار دون اخذ اذن من الاسرائيليين. ولا تأتي هذه التطورات لتفاجىء الا السذج ، فمن غير الطبيعي الا تتحرك جميع القوى واللوبيهات الاسرائيلية في كل انحاء العالم للتخلص من هذا الخط السياسي في تركيا، ولا بد من ان تتحرك الولاياتالمتحدة بثقلها للقضاء عليه ايضا، فلديها معه مشكلة اكبر من مشكلة موقفه من فلسطين، انها مشكلة دخوله على خط زعزعة احادية الامبراطورية، والعمل على اعادة توازن دولي يعيدها الى حجمها الطبيعي. وقد تجلى ذلك في مواقف كثيرة ، منها العلاقة مع سوريا على طريق افشال مشروع الشرق الاوسط الجديد، ومنها التحالف مع ايران، ومنها المبادرات المستقلة (او حتى شبه المستقلة) في اسيا واخيرا الى جانب البرازيل. كل ذلك لن تغفره واشنطن ولا تل ابيب ، وستعمل على اسقاط من يمثل هذا الخط : تعمل في الخارج وعلى كل الساحات الدولية، ولكنها تعمل اكثر في الداخل عبر دعم وتنشيط المعارضات، وهذا هو الاسلوب الأمريكي والاسرائيلي التقليدي الذي يتعزز الان اكثر مع استراتيجية اوباما الجديدة، التي قررت تغليب العمل الاستخباراتي والديبلوماسي = القوة الناعمة، على العمل العسكري. لكل هذا سيواجه اردوغان وغول ضغوطا كبيرة، معلنة وخبيثة، واول الغيث قطرة، وعلينا نحن في الدول العربية، شعوبا على الاقل ، ان اعلنا يأسنا من اكثرية الحكومات، ان نفكر بوسائل دعم ذاك الحليف القوي، لا بتفويض مسؤولياتنا له بحيث نضع على ظهره حملا يسقطه ويسقطنا، بل بابتكار وسائل واساليب للمشاركة المدروسة التي تضمن الاستمرار، لان تركيا ليست كلها مع قضيتنا ، واذا ما سقطت الحكومة الحالية فسنشهد ردة اقوى من السابق باتجاه الأمركة والاسرلة.