مقعدها في احدى قاعات الامتحان بالمدرسة ظل شاغرا كما احتفظت المعلمة بورقة امتحانها تقلبها بحثا عن إجابات لما حصل لتلميذتها المتميزة. اما شقيقتها سمية (9سنوات) فلا تزال تحت وقع الصدمة تراجع في ذهنها الصغير مشهد فاجعة يصعب ان يمحوها أحد من ذهنها وهي التي لم يمض على فقدانها والدها سوى ثلاثة اشهر غير مكتملة. أمّا مكان الحادث فقد تحوّل الى ساحة للذكريات المؤلمة لدى سكان المنطقة على جانبي الطريق وهم يعددون ضحايا الطريق داعين الى منع تكرار كوارثها.أما الأمهات بتلك القرية فقررن اصطحاب أبنائهن الى المدرسة تحديا لطريق الموت الفاصلة بين منازلهن والمدرسة وخشية عليهم من السيارات المتربصة. تفاصيل الفاجعة حدثت مؤخرا بمنطقة دوار فطناسة بالباطن من ولاية القيروان حيث تسببت سيارة أجرة في هلاك الطفلة فتحية الخليفي (11سنة) وإصابة شقيقتها (سوسن 9 سنوات) (وقريبتها لمياء 9 سنوات) بينما كنّ عائدات من المدرسة في اتجاه منازلهن على مستوى الطريق الوطنية عدد3 عند الجزء الرابط بين السبيخة والشبيكة. وقد تم الى غاية أمس الأربعاء استدعاء عدد من شهود العيان لمواصلة الأبحاث التي تعهد بها أعوان حرس السبيخة بعد إجرائهم المعاينة الموطنية للحادث كما علمت «الشروق» انه تم سحب رخصة سيارة الأجرة من السائق المتسبب في الحادث. «الشروق» كانت نشرت خبر الواقعة في عددها الصادر يوم السبت 12 جوان. ولاستيفاء مزيد التفاصيل عن الفاجعة ورصد أثرها في نفوس افراد العائلة والأصدقاء والتلاميذ، «الشروق» زارت منزل الهالكة. على بعد نحو 8 كلم غرب مدينة القيروان وبين صفوف التين الشوكي يقع منزل الهالكة فتحية او سوسن كما يحلو لأقاربها مناداتها في المنزل السيد فتحي الخليفي كان قد عاد لتوه من المستشفى يحمل كريمته لمياء بين ذراعيه تكسو ساقها اليسرى طبقات سميكة من «الجبس». يسلمها الى احدى قريباتها تحتضنها وهي شاردة الذهن لا تقوى على معاودة آخر ضحكاتها مع عمتها الهالكة. وعن تفاصيل الحادث ذكر السيد حسن ان أختيه فتحية وسمية (غير الشقيقتين) كانتا يوم الحادث في طريق العودة الى المنزل برفقة ابنته لمياء بعد انقضاء الحصة الدراسية الثانية حوالي الثالثة بعد الظهر. دفعتهما جانبا ولكن.. وذكر ان ثلاثتهن كن يسرن كعادتهن كل يوم من سنوات الدراسة على الجانب الأيمن من الطريق الرابطة بين معتمديتي السبيخة والشبيكة. وقبل وصولهن الى المسلك المؤدي الى منزلهن بنحو 50 مترا ذكر حسن ان فتحية (الهالكة) شاهدت سيارة أجرة (لواج) قادمة في اتجاههن من الخلف وهي تقترب شيئا فشيئا في سرعة كبيرة. يوجه نظرات عطف الى ابنته التي تتابع حديثه بنظرات منكسرة ترفعها بين الفينة والأخرى كأنها تطلب منه أمرا...وأكد حسن ان أخته فتحية وبحكم خبرتها في التعامل مع الطريق ونظرا لصغر سن مرافقتيها (9 سنوات) فقد دفعتهما جانبا وحذرتهما من سيارة الأجرة التي اقتربت أكثر منهن على جانب الطريق عند المكان المخصص للمترجلين (حسب آثار العجلات الباقية). ونظرا لسرعة سيارة الأجرة وانحرافها عن المعبد فقد صدمت التلميذات وبشكل اكبر الطفلة فتحية وابنة أخيها لمياء بشدة. وذكر حسن ان شهود عيان أفادوا لدى أعوان حرس المرور ان سيارة الأجرة انحرفت فجأة نحو اليمين وبعدما دهست الطفلة فتحية جرتها بضعة امتار ثم اتجهت الى أقصى اليسار وتجاوزت المعبد الى المسلك الترابي. يصمت لحظات كأنما ينتظر أسئلة إضافية لكنه سرعان ما يتساءل عن سبب مواصلة سائق الاجرة سيره في اتجاه الحاجب(60 كلم) ليتصل بالحرس وعدم اتصاله بمركز حرس الشبيكة القريب(6 كلم). وذكر حسن ان بعض الحاضرين أسرعوا بنقل لمياء (ابنته) الى المستشفى نظرا لإصابتها على مستوى ساقيها قبل ان يتصلوا بسيارة الإسعاف التي تولت نقل الطفلة سمية لتلقي الإسعافات. ومن حديثه تعلم حجم حزنه فالرجل فقد والده قبل ثلاثة اشهر من هلاك أخته. لكنه كان صامدا يراوح بين الألم والأمل وهو ينظر الى ابنته وأخته الثانية متعافيتين رغم الكسور والصدمة. صدمة تخلف صدمات سمية (9 سنوات) لم تعد الى المدرسة منذ وفاة شقيقتها وقد تغيبت عن الامتحانات التي كان من المفترض ان تجريها هي وشقيقتها من اليوم الموالي للحادث. كانت الصدمة تظهر من وجهها المكسو بالاصفرار. وسط عدد من الأطفال وقفت تحدثنا عن الحادث بنفس التفاصيل التي سبق تقديمها وقد أكدت انها عندما صدمت سيارة الأجرة شقيقتها وأسقطتها هي أرضا هربت الى احد الدكاكين القريبة تحمل جروحا وصدمة داخلية. الطفلة لمياء أصيبت بكسور على مستوى ساقها اليسرى وغادرت المستشفى بعد يومين من الإقامة اثر عملية جراحية لكن يبدو انها أصبحت أكبر من طفولتها فقد غادرت البسمة شفتيها كأنها مدركة بما يجول بالمنزل من أثر الفاجعة التي اخذت منها عمتها وصديقتها وزميلتها في الدراسة ومرافقتها بل هي التي بذلت حياتها في سبيل إنقاذها. وتحدث حسن عن والدة أخته الهالكة (زوجة أبيه) فذكر انها لم تذق طعم الأكل ولا النوم منذ اكثر من أربعة ايام وهي التي فقدت ابنتها بعد 3 اشهر من فقدان الزوج. واضاف أن المدرسين بمدرسة أخته وعددا كبيرا من التلاميذ وأوليائهم حضروا الى منزله لتقديم التعازي وحضروا الدفن. واكد ان ابنته وأخته سمية رفضتا العودة الى المدرسة بسبب تأثرهما بالحادث وفقدان مرافقتهما. طريق الموت أصبحت الطريق الرئيسية (الطريق الوطنية عدد3) في جزئها الرابط بين محول الباطن ومعتمدية الشبيكة طريقا خطرة حتى اطلق عليها طريق الموت. وهي تشق احياء سكنية ومناطق عمرانية من الجهتين حيث توجد على امتداد نحو 8 كلم المدرسة والمساجد والمستوصف ومركز البريد والدكاكين والمقاهي. ورغم توفر إشارات المرور المحددة للسرعة (50كلم/س) الا ان السرعة المفرطة هي القاسم المشترك بين سواق العربات على مستوى هذا الطريق. وذكر حسن ان عديد الحوادث القاتلة جدت على هذه الطريق بسبب الإفراط في السرعة وطالب بتكثيف الدوريات المرورية وتركيز المراقبة بالرادار الآلي مع تخصيص مكان للمترجلين وممرات لهم مع وضع مخفضات للسرعة عند المناطق ذات الكثافة العمرانية. تركنا الطفلة سمية وحيدة في حضن والدتها بينما احتضنت لمياء والدها ليصطحبها الى المستشفى مجددا املا في شفاء جروحها لكن من يشفي حرمانهما من فقدان عزيزة عليهما خطفها الموت من حضن والدتها و من طاولتها وكراساتها وأصدقائها ومعلميها.